الولايات المتحدة، بين وَهْم إصلاح المُؤسّسات وضُعْف البديل التّقدّمي، الطاهر المعز

بدأ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، استغلال قضية اغتيال الشرطة ل”جورج فلويد” (مواطن أميركي أسود)، يوم 25 أيار/مايو 2020، لحساباته الإنتخابية، عبر محاولة توحيد صفوف المتطرفين العنصريين البيض، الأمريكيين من أصل أوروبي، فهو يريد ترويج صورة الرئيس القوي الذي يمثل قُوّةَ السّلطة والنّظام والإنضباط، فيما يحاول الزعماء السياسيون من الحزبَيْن، تَجَنُّبَ “صَبّ الزّيت على النار”، عبر تقديم مُقترحات تهدف احتواء الغضب، الذي تجاوز المواطنين السّود، ووَعَد عدد من النواب وحُكّام الولايات ورؤساء مجالس البلديات، وغيرهم، بمعالجة مسألة المَيْز العنصري، في البلاد. أما “دونالد ترامب” فقد تَمَيَّزَ بالإستفزاز وبالمُجاهَرة بمناصرته أو بتفَهُّمِهِ للحركات اليمينية المتطرفة والعنصرية، التي تزْعَمُ تفوّق “الأمّة البيضاء”، وسبق أن أعلن دعمه لها، في آب/أغسطس 2017، خلال تظاهرات عناصر هذه المُنظّمات الفاشية، في مدينة شارلوتسفيل ( فرجينيا )، واتسمت تلك التظاهرات بالعُنف، كما يُؤيّد “دونالد ترامب”، بل ويُشجّع استخدام عناصر قوات الشرطة للعنف، وأجازَ تسليح الشرطة بأسلحة وتجهيزات حربية، واستخدامها ضد المواطنين، لمحاربة “العَدُوّ الدّاخِلِي”، أي الفُقراء والسّود والشبّان الذين يتظاهرون في الشوارع، وغيرهم… 

في هذا الشّأن، نشرت وكالتا رويترز، و وكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب ) يوم الثامن من حزيران/يونيو 2020 أنباء عن نقاشات بشأن مساعي إصلاح الشرطة، بهدف التخفيف من الغضب، والتغطية على الاحتجاجات، في الولايات المتحدة، وطَمْأَنَة المُحتجّين، وعلى سبيل المثال، أعلنت سلطات مدينة “مينيابوليس”، حيث اغتال شرطي أبيض، المواطنَ الأسود “جورج فلويد”، اعتزامها (أي مجرد إعلان حسن النوايا) “إعادة بناء جهاز شرطة المدينة… وبناء نموذج جديد لشرطة مينيابوليس”، وعلى صعيد قومي، قدّم نواب الحزب الديمقراطي مشروع قانون “لإصلاح الشرطة”، وتسارعت الخطوات الصادرة عن مؤسسات أميركية مختلفة لطمأنة الشارع، والسّعي إلى حلول “تمنع تكرار ما تعرّض له جورج فلو​​يد”، لكن العنف الطبقي، ضد الفُقراء، والعنف ضد النساء، والميز العنصري ضد المواطنين من غير الأصُول الأوروبية، وخاصة ضد السكان الأصليين للبلاد، وضد السود، أحفاد العبيد، وضد العمال والخدم القادمين من جنوب القارة الأمريكية، مُتجذر ومتأصّل في البلاد بمختلف مؤسساتها ومجتمعها، وجهاز الشرطة جُزْءٌ من هذه المؤسسات، لكن عناصر الشرطة البيض يتمتعون بحصانة تجعلهم يفلتون من المتابعة ومن العقاب، عندما يقتل شرطيٌّ أبيض مُواطنًا أسود البشرة…

لم تكن حادثة الإغتيال الأخيرة استثنائية، بل تتكرر بمعدّل 16 مرة كل سنة، تقريبا، منذ خمسة عُقُود، لكن جاء هذا الإغتيال، خلال سنة انتخابية (قبل بضعة أشهر من انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر 2020)، وفي ظروف متأزمة، منذ بداية سنة 2020، وتطورت الأزمة بسبب جائحة “كوفيد 19” ( فيروس كورونا )، وتراجع أداء الاقتصاد، وتوقف الصناعة، وحركة التجارة، ما أدّى إلى تسريح ملايين العاملين، وارتفاع حدّة البطالة والفقر، واجتمعت مختلف هذه العوامل، لتتّسِعَ رقعة الإحتجاجات، وتضُمّ الفئات الغاضبة من كافة الألوان والمُدُن والأحياء، بالتّوازي مع انخفاض شعبية الرئيس “دونالد ترامب” في استطلاعات الرأي، قبل أشهر قليلة من تاريخ الإنتخابات…

إن التّمَعُّن في تفاصيل إعلان المجلس البلدي لمدينة “مينيابوليس” “إصلاح، وتفكيك الشرطة”، يُبيّنُ أن الأمر (إصلاح جهاز الشرطة) ليس بمثل هذه السّهولة، إذ تَضَمّن “إعلان النوايا” أن “تفكيك الشرطة”، يعني “تغيير طرق العمل الحالية… وإعادة بناء نموذج جديد، على مدى متوسّط…”، بحسب رئيسة المجلس البلدي “ليزا بيندر” (عن موقع شبكة سي إن إن ).

على صعيد البلاد، قدّم بعض أعضاء الكونغرس من الحزب الديموقراطي (يوم الإثنين 08 حزيران 2020) قانوناً يهدف إلى إصلاح الشرطة في الولايات المتحدة، “لأنّ الممارسات العنصرية ضد المواطنين السود، ناتجة عن العنصرية المُترسخة، التي مَيّزت تاريخ الأُمّة، منذ فترة العبودية (يالها من “يقظة ضمير”!!! ).

إن جهاز الشرطة الأمريكية، سواء على مستوى اتحادي، أو على مستوى محلي، غير قابل للإصلاح، لأنه مَبْنِي على أساس المَيْز والعُنصرية، والقمع والعُنف الأعمى، بدون مراقبة، وبدون ملاحقة، وبدون عقاب، واتسمت مُقترحات بعض نُوّاب الحزب الديمقراطي بالإحتشام، فهي باهتة، ولا تتجاوز “تقييد استخدام القُوة المُفرطة… (و ) إمكانية حصول ضّحايا عُنف الشرطة على تعويضات… (و ) إجراء تحقيقات مستقلّة…”، وفي خطوة مُنافِقَة، وحركة مَسْرَحِيّة، جثت رئيسة مجلس النواب “نانسي بيلوسي” (وهي من الحزب الديمقراطي، وعُنصرية ومناهضة لحُرّية الشعوب، ولا تختلف معظم آرائها عن إيديولوجية الحزب الجمهوري، خاصة بشأن السياسات الخارجية الأمريكية)، على رُكبتها، ومعها عشرون برلمانياً، ملتزمين الصمت لفترة ثمانية دقائق وست وأربعين ثانية، وهي المدة التي بقي الشرطي خلالها ضاغطا على رقبة “جورج فلويد”، الذي كان يستغيث، قبل أن يلفظ أنفاسَه، وهم من الحزب الديمقراطي، حزب مرشح الرئاسة “جو بايدن” (نائب الرئيس “باراك أوباما”)، ذي الماضي والحاضر الحافل بالتصريحات والأعمال العُنصُرية. ومن بين الخطوات الأخرى، حظر قائد شرطة “سياتل” استخدام الغاز المسيل للدموع لمدة ثلاثين يوماً، كما أعلنت شرطة “مينيابوليس” حظر القبض على عنق الموقوفين. (عن رويترز+ أ ف ب – الإثنين 08 حزيران/يونيو 2020)، لكن هذه الخطوات الرّمزية تهدف في معظمها تهدئة الخواطر، ونزع فتيل الغضب الذي انتشر بين أوساط الفُقراء وبعض الفئات الوُسْطى والشباب، ولن تنال هذه المبادرات الرمزية من جوهر طبيعة النظام الرأسمالي في الولايات المتحدة، الذي بُنِيَ على العُنف والإضطهاد والعُنصُرية التي وصلت حد اغتيال “مارتن لوثر كينغ” (سنة 1968)، الذي كان يدعو للنضال السّلمي، من أجل الحقوق المدنية… لذا فالمطلوب نقاش طبيعة المنظومة الإقتصادية والسياسية التي وَلّدت الإستغلال والإضطهاد والعُنصُرية وتهميش جزء كبير من المواطنين، معظمهم من السود، أحفاد العَبيد الذي نشأت وترعرعت الرأسمالية الأمريكية على حساب صحتهم وحيواتهم، وأصبح زعماء الحزب الجمهوري، وعناصر الشرطة والمنظمات الفاشية ينعتون أحفادهم ب”الإنهازيين والكُسالى، الذين لا يُنْتِجُون، ويعتاشون من المساعدات الإجتماعية…”، فيما هَدّد الرئيس الملياردير، “دونالد ترامب، بنشر الجيش في الشوارع والساحات، لمحاربة “العَدُوّ الدّاخلي”، أي المواطنين الذين يُطالبون بالمُساواة، وبالعدالة الإجتماعية، بين المواطنين “الأنغلوسكسونيين” (البروتستنت البيض، من اصل أوروبي) والمواطنين الآخرين، ومن ضمنهم السُّود، الذين يُعانون من حِدّة الفَوارق الطّبَقِية، ومن غياب أو سوء خدمات التعليم والرعاية الصحية وغيرها…

إن البنية الطبقية الأمريكية والأوروبية تعتمد على تراتبية السّكّان، حتى داخل نفس الطبقية، للتفريق بين العُمال المَحَلِّيِّين والمُهاجرين، وفي داخل فئة المَحَلِّيِّين، تتم التفرقة على أساس الجنس ( بين النساء والرجال)، وعلى أساس الدين أو اللون، أو غير ذلك، ما يجعل انتشار العُنصُرية نتيجة مَنْطِقِية لهذه التقسيمات، بهدف عرقلة اتحاد المُسْتَغَلِّين، فيما يُشكّل الرأسماليون طبقة مُوَحَّدَة، تدعمها أجهزة الدّولة.

أما في الخارج فإن الإعلام والإيديولوجيا الرأسمالية السائدة، يُشوّهان صورة أي نظام من البلدان الفقيرة، يُحاول السيطرة على الثروات، ويحاول اتخاذ القرارات الخاصة بدولته وشَعبِه، باستقلالية، لتبرر الإمبريالية الأمريكية والأوروبية (وحلف شمال الأطلسي “ناتو” ) سياسات الغطرسة والعُدوان، والحِصار الإقتصادي، والحَظْر، وتنظيم الإنقلابات الرجعية، واحتلال البلدان، دفاعًا عن مصالح المصارف والشركات الإحتكارية العابرة للقارات…

أما بخصوص الإمبريالية الأمريكية، بالذات، فإنها استغلت دخولها المُتأخر للحرب العالمية الثانية، وعدم تعرضها في تاريخها إلى أي حرب عدوانية على أراضيها، لتقوم بدور الجنرال أو الزعيم المُتغطرِس، الذي يفرض رأيه ومصالحه، حتى على الحلفاء، من خلال زيادة القواعد العسكرية في ألمانيا وإيطاليا وبولندا واليونان والبلدان الواقعة على حدود الإتحاد السوفييتي، وفي اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، وغيرها من المناطق القريبة من الصين، ناهيك عن القواعد الأخرى في المناطق التي تحتلها ( أفغانستان والعراق وسوريا والخليج وإفريقيا، ضمن برنامج “أفريكوم” )، وقد تتأثّر مكانتها من جراء الاحتجاجات التي فَضَحت حقيقة “الديمقراطية” التي تَزْعم نَشْرَها (بالقوة) على الشّعوب، وجعلت سِجِلّ أمريكا في حقوق الإنسان، غير مختلف عن سِجِلِّ الأنظمة التي تستهدفها منظمة “هيومن رايتس ووتش” (تمويل وكالة التنمية الدولية، أي وزارة الخارجية الأمريكية ) أو منظمة العفو الدولية…

يتضمن سجل أمريكا، في الدّاخل المُعاملة السيئة للمواطنين السود وللنساء (ضحايا العُنف والقتل بالسلاح الناري)، وتبرير ذلك بسوء سُلوكهم، وبفساد أخلاقهم، وتعددت حوادث قتل المراهقين والكهول من المواطنين السود، بسلاح رجال الشرطة، دون أي رادع.

أما ما يمكن تَبويبه ضمن الروتين العنصري الأمريكي، فنذكر بعض الإحصاءات الواردة في بيانات رسمية وشبه رسمية، ومن بينها:

إنّ المواطن الأمريكي الأسود أكثر عرضةً للتوقيف من قبل الشرطة بخمس وسبعين مرةً من الأبيض، ويؤدّي المَيْز العنصري في مجال القضاء، إلى سجن مواطن أسود واحد من بين كل عشرة مواطنين سود، تجاوزوا الثلاثين من العُمُر، وترتفع نسبة احتمال سجْن للمواطنين البالغين من العمر 19 سنة إلى 32% لدى السود مقابل 6% بين البيض، فيما يتمّ الحكم بتشديد العقوبات للسود بنسبة 20%، في المحاكم الجنائية، مقارنة بالأحكام الصادرة في حق المواطنين البيض، ويُشكل المواطنون السود نحو 12% والسكان البيض نسبة 66% من سُكّان الولايات المتحدة وأظهرت دراسة أُنْجِزَت سنة 2019 أن 60% من الرجال السود الذين أوقفتهم الشرطة أوقفوا ظلمًا، وبدون أي مبرر قانوني، ويميل القُضاة إلى مُجاراة تقارير الشرطة التي تُلَفِّقُ التُّهم، بدون إثباتات أحيانًا، ولا يتثبّتُ القُضاة كثيرًا في الحُجَج التي يُقدّمها المُتّهمون السود، فيقضون بسجنهم، مع تشديد العقوبة، ما يُفسّرُ ارتفاع عدد السجناء السود، الذين يمثلون ما بين 30% و 50% من المساجين مقارنة بنسبتهم من العدد الإجمالي للسكان، والتي لا تتجاوز 12% من العدد الإجمالي لسكان الولايات المتحدة، وأظهرت الدراسات أيضا أن 37% من الأطفال السود يعيشون في فقر مدقع، مقابل 10% من الأطفال البيض، ويَقِلُّ متوسّط أجر العُمّال السّود عن نظرائهم من البيض، لنفس الوظيفة، بنحو 20%، ويبلغ عدد العاطلين من السود، ضعف عدد العاطلين من البيض، وتُمارس بقية المُؤسسات الأخرى المَيْز العنصري والطبقي، بنفس الدّرجة تقريبًا، ففي مجال التّعليم، تفصل المنظومة التربوية، في مختلف مراحل التعليم، المُتَعَلِّمين السود، بنسبة ثلاثة أضعافٍ الطلاب البيض، وأدّت شيْطَنَة وازدراء المواطنين السود إلى نشر الحقد والكراهية المَجانية، حيث يُصرّح (تشكل مباشر أو غير مباشر) 51% من الأميركيين (أي قرابة نصف إجمالي السّكّان) إنهم يكرهون السود، سنة 2012، خلال فترة حُكْم الرئيس “باراك أوباما” (من أم بيضاء وأب أسود)، وفي مجال الصحة، فاقت نسبة الوفيات بين الأميركيين السود بسبب وباء “كوفيد 19” فيروس كورونا، ثلاثة أضعاف نسبتها لدى المواطنين البيض…

قد تُؤَثِّرُ الإحتجاجات بالسّلْب على الحزب الجمهوري، وعلى انتخاب “دونالد ترامب”، في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، لكن لم يخترع “دونالد ريغن” أو “جورج بوش” الأب أو الإبن، ولا “دونالد ترامب” العنصرية، بل هي مُتأصّلة في التاريخ وفي المجتمع الأمريكي، تمت “قَوْنَنَتُها” (أي تَشْرِيعها عبر القوانين) و”مأْسَسَتُها” (لتصبح مكونًا أساسيا لمؤسسات الدّولة والمجتمع)، ما يجعل من عُنْف وهمجية وعُنصرية الشرطة نتيجةً، وليس سَبَبًا، فما جهاز الشرطة سوى أداة لتثبيت الوضع القائم، باسم “المحافظة على النظام والأمن”، ورَدْعِ من يُهدّدُ أو يَخِلُّ بالنظام، وما العُنْفُ، المادّي والمعنوي، سوى ضرورة لإخضاع المُتَمَرِّدين، وتعظيم أرباح رأس المال، عبر تقسيم المُستَغَلِّين والمُضْطَهَدِين، داخل الولايات المتحدة (وأي بلد رأسمالي آخر)، وعبر العنف المُسلّح والإيديولوجي والإعلامي، في الخارج، وهو ضروري للهيمنة على ثروات الشعوب وإخضاعها، عبر الجيوش الغازية والإغتيال بالطائرات الآلية، ونَشْر الأساطير عن هذه المجموعات (التي لم تَرْتَقِ إلى درجة الشعوب)، “المُتخلفة” و “المتهمجة”، التي وجب تَقْوِيم سُلوكها، بواسطة الجيوش والصواريخ، وذلك لنفس الغرض، أي تعظيم أرباح الشركات والمصارف والإحتكارات، فيَتكامل دَوْر الشرطة ل”فَرْض النظام” في الدّاخل، مع دور الجيش لفَرْض الهيمنة على “الدّول المارِقَة” في الخارج، باسم نَشْر قِيَم الحضارة والتقدّم…         

بينما كانت قوات جهاز الحماية الرئاسية، وأجهزة الأمن الفيدرالية، وقوات من الحرس القومي وطائرات مروحية عسكرية، تحاصر وتَقْمع المتظاهرين سلميا، قريبًا من “البيت الأبيض”، باستخدام الرصاص المطاطي، والقنابل الصوتية، ورذاذ الفلفل، كانت وسائل الإعلام ( الوجه الآخر للعسكر، أو القمع والعُنف “النّاعم” ) تَبُثُّ صورة “دونالد ترامب”، أمام “كنيسة القِدّيس يوحَنَّا”، القريبة من البيت الأبيض أيضًا، حاملًا الإنجيل… فالرأسمالية، في عصر الإمبريالية والعولمة، تمتلك قوة إيديولوجية وإعلامية هائلة، تُمكّنها من إعادة إنتاج أساليب الإستغلال والإضطهاد والعُنصرية، ومن بث الأوهام (عبر الأحزاب السياسية والنقابات والمؤسسة الأكاديمية، والمؤسسة الدينية…) بإمكانية إصلاحها، من خلال نيل “الحُقُوق المدنية”، و”حُقُوق المُواطَنَة”، واستخدام المؤسسات الدّينية لإنتاج وإعادة إنتاج “القِيَم الأخلاقية” المتماشية مع العَصْر، منها اعتبار العنصرية مسألة “أخلاقية”، ومُجرّد “تجاوزات” يقوم بها بعض الأفراد، وليست من طبيعة ووظيفة أجهزة الدّولة الرأسمالية (الشرطة والقضاء والتشريع والإعلام والفنون والتّعليم…) وبذلك يتم نَفْيُ علاقة الرأسمالية بالعنصرية، ونَفْي علاقة الرأسمالية بالسياسات العُدوانية، واحتقار الشّعوب، في الخارج، وتكمن المشكلة الأساسية في هيمنة الإيديولوجيا الرأسمالية (الإستهلاكية)، وفي غياب البديل الأيديولوجي والعملي القادر على الرّبط بين الرأسمالية والعُنصرية والإستعمار، والذي يطمح إلى تغيير البُنْيَة الإقتصادية ( التحتية) والعقائدية (الفَوقية)، وإلى البحث في سُبُل تقويض الواقع الإستعماري والرأسمالي، وإنجاز تحالفات بين المُستغَلِّين والمُضْطَهَدِين، في الدّاخل وفي الخارج، وعدم الإنسياق وراء “الخيارات” التي لا تَخْرُج عن حُدُود الليبرالية بنسختها “المُحافظة” أو “الديمقراطية الإجتماعية”، أو ما يُسمّى “الطريق الثالث”، والعمل من أجل تحقيق العدالة للجميع، وبَيْن الجميع.    

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.