إخوان تركيا، قدوة الإخوان المسلمين العرب، الطاهر المعز

لا بُدَّ من التّذكير بعُجالة باحتلال الدولة العثمانية ( مرجعية الحزب الحاكم حاليا في تركيا ) معظم أراضي الوطن العربي لفترة تزيد عن أربعة قُرُون، وما خلّفت سوى الدمار والخراب، ومُحاولات التّتْرِيك، والقضاء على اللغة والحضارة العربيتَيْن، خصوصًا في المشرق العربي، وبعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، بذل أول رئيس جمهورية “كمال أتاتورك” ما في وسعه للقضاء على الحَرف العربي، وعلى كل أثرٍ للعروبة في تركيا، وبعد تأسيس دولة الإحتلال الصهيوني، كانت تركيا من السباقين للإعتراف بها، قبل انتمائها لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، وكانت تركيا من ركائز “حلف بغداد” الإستعماري…

أصبح “نجم الدّين أربكان”، زعيم “حزب الرفاه” الإسلامي، رئيسًا للحكومة التركية، بين حزيران 1996 وحزيران/يونيو 1997، وهو مهندس ورأسمالي، صاحب شركة صناعية، ولكنه لم يكن من أنصار تطوير العلاقات مع الكيان الصهيوني، أما خلفاؤه في حزب “العدالة والتنمية” (الإخوان المسلمون، المُنشقُّون عن “حزب الفضيلة”)، الذي يحكم البلاد منذ 2002 (عبد الله غول وداود أوغلو ورجب طيب أردوغان)، فيعلنون موالاتهم للإمبريالية ويدعون إلى تعزيز العلاقات الإقتصادية والعسكرية والتجارية والسياحية مع الكيان الصهيوني، وأزاح “أردوغان” زملاءه المُؤَسِّسِين، وغيّر الدّستور، ليُصْبِح رئيسًا بصلاحيات واسعة، وتعلّل بمحاولة انقلاب مشبوهة وفاشلة، لشطب ما لا يقل عن 130 ألف موظف حكومي، من ضباط الجيش والشرطة والجامعيين والصحافيين والقُضاة، وغيرهم، واستبدالهم بالإخوان المسلمين أو المُقرّبين منهم، دون مراعاة المستوى العلمي والمؤهلات والخبرة…

تعتبر قاعدة “إنجرليك” من أكبر قواعد حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ويعتبر جيش تركيا، ثاني أكبر جيش في الحلف، وانتهزت حكومات الإخوان المسلمين فرصة احتلال العراق لتعزيز علاقاتها مع الإنفصاليين الأكراد، في شمال العراق، ونهب النفط العراقي المُهَرّب، منذ 2003، ودعمت المليشيات الإرهابية في وسط وغربي العراق، واحتلت أجزاء من شمال سوريا، في تقاسم للأدوار مع جيش الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، ولا تزال تركيا الإخوانية تنهب ثروات سوريا، وتدعم العديد من المليشيات الإرهابية، التي دخل عناصرها إلى سوريا، بعد أن تدرّبوا في تركيا، قادمين من الصين ومن منطقة القوقاز ومن أوروبا وآسيا والوطن العربي، ومن كافة مناطق العالم…

تدخّلت تركيا مؤخّرًا في ليبيا، لدعم فصيل الإخوان المسلمين، وهو واحد من الفصائل التي تقاسمت النفوذ، بدعم من القوى الأجنبية، ضد فصيل عميل آخر، يقوده الأمريكي (من أصل ليبي) “خليفة حفتر” المدعوم من حكومات عربية عميلة أخرى (مصر والإمارات والسعودية)، لتُهدّد تركيا منطقة المغرب العربي، وخاصة الجزائر، بدعم من حُكُومتَيْ الإخوان المسلمين في تونس والمغرب، وتتميز ليبيا باتساع رقعتها وبوفرة ثرواتها الطبيعية، من النفط والغاز والمياه الجوفية، وبعض المَعادن غَيْر المُسْتَغَلَّة، وتمكنت تركيا من تغيير ميزان القوى لصالح الإخوان المسلمين (“حكومة طرابلس”، بقيادة “فايز السّرّاج”)، عبر نقل كميات كبيرة من السلاح ومن مُرتزقة المليشيات الإرهابية، التي تمرّست في سوريا، ولا يتردد الرئيس التركي في الإعلان جَهْرًا وعَلَنا عن اهتمامه بالنفط والغاز اللِّيبِيَّيْن…

تمكّنت حكومة الإخوان المسلمين في تركيا من تحويل الأنظار عن الأزمة الإقتصادية الدّاخلية وتوجيهها إلى الخارج، على بعد عدة آلاف من الكيلومترات، بحسب اتهامات المُعارضَة الداخلية التركية التي طالبت أردوغان وزوج ابنته، وزير المالية “براءت البيرق”، بنشر تفاصيل الإنفاق على التدخّلات العسكرية في سوريا وفي ليبيا، وكثيرًا ما وقع اتهام أردوغان وابناءه وأقاربه بالفساد، وبالتسبب في أزمة أدت إلى سيطرة المصارف الأجنبية على حوالي ثُلُثَيْ القطاع المصرفي، وعلى نحو 60% من تعاملات السوق المالية بإسطنبول، وإلى إغلاق ما لا يقل عن 230 ألف شركة ومؤسسة تجارية، خلال خمسة أشهر من سنة 2020، ما رفع نسبة البطالة الرسمية إلى 15% من القوى العاملة، وانخفضت قيمة الليرة التّركية، من 6,20 ليرة، منتصف شهر آذار/مارس، إلى 7,24 ليرة، مقابل الدّولار، منتصف شهر أيار/مايو 2020، واضطر المصرف المركزي لِضَخّ حوالي 12 مليار دولار، لدعم الليرة التي ارتفعت قيمتها خلال الأسبوع الثاني من حزيران/يونيو 2020 إلى 6,80 ليرة، مقابل الدولار، وأدّى تدخّل المصرف المركزي إلى انخفاض احتياطي العملات الأجنبية إلى 25 مليار دولار، بسبب انخفاض الصادرات، وإيرادات السياحة (حوالي 45 مليون سائح بإيرادات تفوق أربعين مليار دولارًا)، وهُروب حوالي 15 مليار دولارا من تركيا إلى الخارج، وسَحْب المواطنين مليار دولار من المصارف، ما قد يُشير إلى ضعف ثقة المواطنين والمُستثمرين الأجانب في العُملة المحلية وفي متانة الإقتصاد والنظام المَصْرِفي التّركي، وكانت قَطَر قد وعدَتْ، سنة 2018، بضخ 15 مِليار دولار من العُملات الأجنبية في الاقتصاد التركيّ، ولكن المبلغ انخفض إلى خمسة مليارات دولار، ما اضطر الرئيس “رجب طيب أردوغان” إلى طلب مساعدات مالية من الولايات المتحدة، في مناسبَتَيْن، خلال المباحثات بين الرئيسَيْن في الثالث والعشرين من أيار/مايو و08 حزيران/يونيو، ، مقابل تأجيل تفعيل صواريخ “أس -400” التي تسببت صفقة شرائها من روسيا في أزمة بين تركيا وأمريكا، الحَلِيفَيْن في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، لكن الولايات المتحدة تعاني من أزمة اقتصادية حادّة، ولجأت حكومة تركيا إلى طلب المُساعدة من قَطَر وبريطانيا والصين واليابان وغيرها، لكن الأزمة عَمّت كافة دول العالم، أما تركيا فتعاني من ارتفاع الدّيون الخارجية التي بلغت 460 مليار دولارا، وجب تسديد 168 مليار دولارا منها قبل نهاية سنة 2020، في ظل انكماش النمو الاقتصادي، وتراجع الحركة الإقتصادية والتجارية، وقد تواجه الحُكومة غضبًا مُتناميًا بسبب اعتزامها فرض ضرائب غير مباشرة، جديدة، على السلع (ومن بينها المحروقات والطاقة)، والخدمات، بالتوازي مع الحملة الإعلامية والسياسية التي يشنّها الحزب الحاكم ورئيسُهُ ضد نقابات العمال والمهندسين والمُحامين والأطباء، وغيرهم، واتهام قادتها بالتآمر عليه والتحريض، والحث على تنفيذ انقلاب ضده، ما يُنْبِئُ بحملة قَمْعِيّة، ضد الصحافيين والإعلاميين والنقابيين، بالتوازي مع استعداد الحكومة لتقديم قوانين تعسُّفِيّة جديدة، تفرض غرامات مرتفعة على من يتجرأ على نقد  سياسات الحكومة، ويدعو بعض قيادِيِّي حزب “العدالة والتنمية” الحاكم ( الإخوان المسلمون ) إلى توجيه تهمة “الخيانة الوطنية” لمن يتجرأ على نقد بعض الجوانب من سياسات الحكومة، وتهمة “التّجسّس” لمن ينشر معلومات عن مواقع الجيش التركي في سوريا وليبيا، وسبق أن وَجَّهَ القضاء تهمة “الخيانة الوطنية والتجسس” إلى مسْؤُولَيْن في قناتَيْن تلفزيونِيّتَيْن، ووقع اعتقالهما يوم الثامن من حُزيران/يونيو 2020، كما اعتقلت السلطات في بداية شهر حُزيران/يونيو 2020، نائِبَيْن مُنتخَبَيْن في البرلمان عن “حزب الشعوب الديموقراطي”، بتهمة الإرهاب، واعتقلت نائبًا آخر عن “حزب الشعب الجمهوري”، بتهمة الخيانة الوطنية والتجسّس، بعد حديثه عن دور المخابرات التركية في نقل الأسلحة إلى سوريا، وهدّدت المُخابرات نوابًا آخرين، أشاروا على تمويل وتدريب تركيا مليشيات إرهابية في سوريا (مثل ما يُسمّة “الجيش الوطني السّوري” )، ودعم فصائل إخوانية أخرى في العديد من الدول العربية، بهدف إعادة بعض أمْجاد الدولة العثمانية…

تُنفذ سلطات وحزب الإخوان المسلمين في تركيا مَشْرُوعًا قَوْمِيًّا، يهدف الهيمنة على المُحيط العربي، واستعادة الدّور المُهَيْمِن للدولة العُثمانية، في الوطن العربي، باسم الإسلام، أما الإخوان المسلمون العرب، سواء في مصر أو الذين يحكمون حاليا في تونس والمغرب، أو من يُساهمون في تخريب بلدانهم، في السودان وفي اليمن (حزب الإصلاح)، فلا مشروع وطنيًّا لديهم، بل هم عُملاء للإمبريالية الأمريكية والأوروبية، ورهنوا البلدان لصندوق النقد الدّولي والبنك العالمي وغيرهما، وقَطع الإخوان المسلمون العرب ومن وراءهم (حُكّام قطر) أشواطًا في التطبيع وفي الإنبطاح، ونهب موارد بلدانهم…

سبق أن حاول بعض مُدّعي التّقدّمِيّة (وحتى من يدعي تبنّي الشيوعية)، سنة 2005، في سوريا ومصر وتونس، إيهامنا بحدوث تحولات جذرية في عقيدة الإخوان المسلمين، ووقع إسباغ صفات الديمقراطية والوطنية عليهم، تعسُّفًا، ولم يُقدّم زعماء هذه القوى التقدمية أي نقد أو تقويم عَلَنِي لهذه الأخطاء السياسية الفادحة، بعد انفصام حَبْل الوِدّ بين الفُرَقاء، وتجدر الإشارة أن تيارات الإسلام السياسي لا تتضامن مع غيرها، ولا ترُدُّ الجميل لمن يتضامن معها أو يُدافع عن حقها في الوجود وفي التعبير عن الرأي، والمُشاركة في الحياة السياسية، ولذلك، بدل الجَرْي وراء السّراب، يُستحْسَن (ربما “يَجِبُ”) وضع أُسُسٍ لجبهات تقدّمية، ومشاريع مُشتركة قصيرة المدى (ذات بُعْد تكتيكي )، ومُستقبلية ذات أفق استراتيجي…  

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.