الدولة الواحدة … تأجيل الواجب بالاستقواء بالضعف وسفاح قربى ومعولم، (حلقة 1)، عادل سماره

(حلقة 1)

ملاحظة: مرفق بها فيديو بنفس النص.

■ ■ ■

ليس أمرا محيرا أن يتزايد الدعاء لدولة واحدة بيننا وبين المحتل بمستوطنية منذ مائة عام وحتى غدٍ متواكبا مع تزايد التطبيع.

ونِصف محير تزايد دُعاة هذه الدولة من أوساط اليسار، ولا اقول الشيوعي او الماركسي لأن الفارق بين يساري وشيوعي أوسع منه بين يميني ويساري.

تطبيع الحكام ومثقفي الطابور السادس والمثقف المنشبك يمكننا وصفه باستدخال الهزيمة، بمعنى أن هؤلاء بلا مواربة وبلا مديح منا هم واضحون تماماً. ولذا لا تُعجزك معرفة ما يريدون.

هل يحتاج آل سعود والهاشميون توضيحا لمواقفهم التي أُعلنت منذ 1918 أي بعد بلفوربسنة وبسنتين بعد سايكس بيكو؟ هل يعجزك موقف السوفييت باعترافهم بالكيان ومن ثم لُحاق الشيوعية العربية التابعة بهم؟

قد يعيقك قليلا موقف هذا النظام القطري أو ذاك وهو يرطن لتحرير فلسطين بينما هو قطري قَبِلَ بما منحته سايكس-بيكو  قطراً أو كياناً ضد دولة الوحدة ويقيم علاقات تجارة أي خاصة إستيراد وصداقة مع الغرب الراسمالي الذي خلق ويرعى الكيان برمش العين وقد يعيقك أنه قاتل قليلا خرمشة في فلسطين.

لا يعيقك إدراك إعتراف النظام المصري والطبقة الحاكمة المالكة هناك بالكيان ولا اعتراف م.ت.ف والنظام الأردني وهما يحكمان شُقف/شظايا/كِسَرْ مجتمعات مقارنة بمصر البلد المكتمل ثقافيا وبنيويا.

لا يعيقك طبعاً تسونامي التطبيع الجاري من قطر إلى دُبي إلى الرباط وضربات التطبيع من تحت الخصر من الرياض إلا إذا كنت تعتقد أن هذه الكيانات والممالك عروبية وبالتالي اصابها  صدفة مسٌ من الجنون، فجأة اليوم ، لا حول ولا قوة إلا بالله فتعذرهم.

إذا صحّـت مزاعمي هذه كلها أو بعضها، دعك منها، فالحديث ليس عن مستدخلي الهزيمة لأنهم يرتبطون بحبل سُرِّي بالكيان منذ  الحمل والوضع بهم:

· الحمل بأنظمة سايكس بيكو منذ 1916 الأنظمة القطرية والكيان معا وسويا بدايةً ومصيراً، لا تزعلوا

· والحمل ب بيكو بدون سايكس/أي فرنسا العدو في خمسينات القرن العشرين للحيلولة دون توسع الثورة الجزائرية في المغرب الكبير

· والحمل التدريجي ب سايكس بدون بيكو / أي بريطانيا العدو  منذ خمسينات حتى سبعينات القرن العشرين بتوليد كيانات خليجية صهيونية حد التطابق مع الكيان (لهذا حديث خاص).

· وبالتوازي مع كل من هذه الهجمات الثلاثة وجود طابور سادس ثقافي إما يُنظِّر لها أو يهتف بضحالة وغباء.

· وأخيرا ورث البيت الأبيض  الجمل بما حمل.

أطلتُ  وابتعدتُ، لا بأس، فالحديث الآن عن ظاهرة أو فرق اسميهم فرق “الاستقواء بالضعف”.

هذه فرق طريفة، وبينهم ظرفاء وظريفات طبعا، فهم/ن:

· يرفعون يافطات أغلبها حمراء، ولكن ما أن تبتل ببعض الندى أو البُصاق حتى تغدو رايات بيضاء من غير سوء

· هجومهم ضد الأنظمة القطرية والكمبرادور والحكام التوابع  من الجمال إلى  الجت (هل هناك أكثر من هذا التناقض بالقفز ألفي عام في عمر شخص)، هجوماً  اشد من هجوم عبد الناصر أو لينين

· هجومهم ضد الإمبريالية اشد من هجوم تشي جيفارا وبن بيلا.

· هجومهم ضد الصهيوني يكاد يُخيل لك أنه لا ساميين

ولكنهم في النهاية يقاتلون الكيان الصهيوني بالورود والنصائح والغنج والتفكيك اللغوي أي يتمرغون أمامه كما يتمرغ قط أليف على ظهره أمام صاحبه.

للاستقواء بالضعف تاريخ طويل ومعولم ولكنه ارتكز دائماً على قرار عدم المقاومة، أي استدخال الهزيمة مع تغليفها بباقة ورد أي مساومة النظام الراسمالي العالمي باسم الإنسانية والسلام… فأي هبل!

وإن اردت البحث ستجد وراء كل هذا التيار صهاينة مدهونين بالأحمر أكثرهم من ما تسمى أديان الشبح أبراهام الذي كما يقول أتباعه ساوم بزوجته وها هم يُساومون بوطن. أليست المرأة بقداسة وطن؟

حين تهالك الاتحاد السوفييتي بعد ستالين (طبعا دون أن نغفر له جريمة الاعتراف بالكيان حيث غرس جرثومة في شيوعيي العرب اثرها شبيه بالشيب chip التي يجهزها بل جيتس للبشرية) أي في فترة خروتشوف وما أُسمي بالتعايش السلمي، أو أنظمة التطور اللارأسمالي…الخ.

كم كنت أكره الإعلام الناصري حين كان يلقب عبد الناصر بطل السلام طبعا هذا بلا شك من تنظيرات هيكل  وأضرابه.

الاستقواء بالضعف فلسطينيا هو الأخطر، فهو تلميذ كل هؤلاء.

في بدايات قرائتنا للماركسية السياسية  السوفييتية كنا نوافق على مقولات خبيثة من طراز، مش مهم الأرض المهم الاشتراكية. طبعا هُزمت الأنظمة الاشتراكية وفاز الكيان بالأرض أي كما قالت العرب “وفاز بالإبل” طبعا كانت الإبل حينها حاملة طائرات اليوم.

لذا، ستجدون محور كل ما تطرحه فرق الاستقواء بالضعف هو التفريط بالأرض سواء

· تقاسم الوطن مع المغتصب في حالة الدولتين

· أو التبرع للمغتصب بكل الأرض في حالة فرق الدولة الواحدة.

وهل تريد الصهيونية غير الأرض.

فالاستقواء بالضعف هو التفاخر بأن أصحاب هذا الطرح لم يعودوا يطالبون بتحرير الوطن ، أي التفاخر بأنهم أقوياء بالاستسلام أو كما قال أحدهم “كسرنا تابو التحرير الشامل”!

ولا يطالبون بعودة اللاجئين إلى ممتلكاتهم وديارهم بل يلفون ويدورون حول هذه المسألة بصيغ سنوردها لاحقاً جميعها حول التفريط بالأرض ومن ثم نيل السلالالالالام. وصف لينين هؤلاء ب “القط الذي يدور حول صحن من المرق الساخن”. ولا ننسى ان العديد منهم  يزعمون أنهم ورثة لينين.

أقول ممتلكاتهم اي الأرض قبل المساكن، لأن من لا يملك الأرض لا يبني مسكنا ببساطة.

يعاني هؤلاء من مسألة “الاعتراف” فمبتغاهم أن يقوموا بالتكيف المتواصل حتى يعترف بهم الغرب سواء ثقافيا، فكرياً سلوكيا…المهم أن يُصبحوا مقبولين في دوائره السياسية  والأكاديمية والصهيونية بل يذهب البعض إلى الترويج لاحتضان والتربيت على أقفية المثليين كما يروج سماح إدريس في مجلة الآداب وجماعة  بي.دي. اس.

مشكلة المتعطشين للاعتراف أنهم يقرؤون دائما نصف الصفحة. فمثقفو وأكاديميو الغرب الراسمالي يكررون بوقاحة جملتين:

· على العالم الثالث أن يتبنى الثقافة الغربية

· ولكن هذا العالم الثالث لا يستطيع إتقانها.

حيرتونا: طيب شو نعمل يا عمي إذن!

جماعتنا يقرؤون الجملة الأولى.

جماعة الاستقواء بالضعف دائما يذكرونني برفيق ، طيب والله طيب، كنت اتحدث معه عن شخص اسميته “فتى الموشاف” حيث كان يعيش مع سيدة مستوطنة يهودية الديانة، هي ارقى منه شخصيا وثقافيا بالمناسبة، حيث عبرت عن رفضي أن يعيش فلسطيني بين مستوطنين على الأقل من منظور عروبي قومي.

فقال: لا يا أخي انا ماركسي مش قومي.

طبعا نجد كثيرين بيننا من الأمميتين لا عروبيين:

· الأممية التحريفية (الموسكوفية والتروتسكية) التي لم تفهم أن الماركسية ليست في إشكال مع القومية التي تناضل ضد الاستعمار والاستيطان.

· واممية الدين السياسي التي تلغي الوطن وتستميت من أجل السلطان لذا لحيتها شرقية وراسها بقبعة الكاو بوي.

تجهل أو تتجاهل فرق الاستقواء بالضعف أن التأسيس السوفييتي للاعتراف بالكيان بل ودعم الكيان، وهو طبعا ممتدٌ في شرايين فلاديمير بوتين بعكس فلاديمير لينين، أن لهذا التأسيس الخطير أكثر من تفسير:

· التفسير الأسهل: أن كثيرا من اليهود الصهاينة كانوا ذوي قرار وسيطرة ثقافية في الحزب البلشفي منذ ثورة أكتوبر وبأنهم صهينوا كثيرا من مواقف السوفييت تجاه فلسطينن بينما مثلا لم يكن كهؤلاء لدى ماو أو كاسترو أو كيم إيل سونج ولا حتى فيتنام خلال الثورة وحتى الانتصار. على كل حال هذا التفسير يحتاج أجهزة مخابرات او إطلاع على الأرشيف وأحيانا تجدونه في كثير من مقابلات خالد الرشد في برنامج رحلة في الذاكرة.

· التفسير الأهم هو قُصور التحليل من قِبَل السوفييت في الاقتصاد السياسي الماركسي الذي تتناقض الألف باء فيه مع الاستيطان الراسمالي الأبيض سواء الولايات المتحدة، كندا، استراليا، نيوزيلندا، جنوب إفريقيا والكيان الصهيوني، ناهيك عن الاستيطان الأبيض الذي لم يتمكن من التحول إلى دول بيضاء كليا في امريكا اللاتينية او الذي أقتلع كما في الجزائر كينيا  ليبيا…الخ. المهم أن الاستيطان الراسمالي، وهو راسمالي، لا يمكن أن يُولِّد اشتراكية لأنه أولا راسمالي وثانيا اغتصاب أرض شعب آخر. بل يولد قتل وتشريد شعب واحتجاز تطور كل من يحيط بالمستوطنة، وهذا ما لم يفهمه كثير من العرب الطيبين.

ومع ذلك جماعات الاستقواء بالضعف تقرر التبرع بالوطن للعدو وهم بهذا عرب من أحفاد بلفور لأنهم يتبرعون بوطن لا يمكن امتلاكه على اساس فردي ولا حتى شخصي ولا حزبي ولا طبقي.

من المهم أن لا ننسى بأن فرَّاخة الاستقواء بالضعف تطبيقيا وباكراً تمثلت في عضوية عرب في برلمان الكيان اي الكنيست. فهؤلاء تخيلوا أنهم حققوا “نظرية الاعتراف” اعتراف عقيدة إيديولوجيا الكيان الصهيوني بهم! ومنهم من دخل الحزب الشيوعي الإسرائيلي متخيلا الاعتراف به، اي انه صار مثلهم!!! حالة كاريكاتورية طبعا.

لكن خطورة عضوية الكنيست أنها سوَّقت هؤلاء عربيا فاصبحوا مثابة مناضلين سواء في أوساط المقاومة الفلسطينية أو اللبنانية وطبعا في الوطن العربي بشكل عام. وهذا يتكثف في هيمنة عزمي بشارة حتى على كثير من الشرفاء حيث لم يتنبهوا إلى أو طنَّشوا:

· أن الكنيست برلمان دولة اليهود وهذا مضمون ما أقسموا عليه كأعضاء برلمان

· وأنه يعتبر كل فلسطين ناهيك عن خريطة من النيل إلى الفرات بأنها يجب ان تكون دولة يهودية نقية بين قوسين

· أما اليوم، وبعد التطبيع الخليجي فالكيان يروج أن أملاكه تمتد من أعالي النيل إلى أربيل.

طبعاً يثرثر أعضاء الكنيست العرب عن حل الدولتين في برلمان يقول لهم كل الأرض لنا! لذا ، مثلا لجأ احمد الطيبي إلى الأذان في الكنيست. لا باس فإن داعش ايضا تمارس الأذان.

وإذا كان حل الدولتين هو تقاسم الوطن مع المغتصِب

فإن حل الدولة الواحدة هو التبرع بالوطن لعدو مع مطلب متواضع أن يكون أصحاب الوطن حطابين وسقائين كما كتب هيرتسل وجابوتنسكي وبلغة اليوم كمبرادور بكل المعاني.

اما الكيان فينفذ  منذ مساء 5 حزيران 1967 تحويل فلسطين كلها إلى دولة لكل مستوطنيها أو كما نشرت هآرتس مؤخرا: إسرائيل الكبرى بحيث تضم كل ما تريد ويبقى الفلسطينيون في مهاجع المدن وبعض القرى ضمنها وليس ضمنها.

ماذا عن عشرات المشاريع والاقتراحات من مبادرة بريجينيف أو مبادة فهد بالمناسبة فهد لا يقرأ وبالطبع لا يكتب وما تسمى مبادرة عبد الله ومضمونها السلام خيار استراتيجي، فقد امتلأت سلال النفايات الإسرائيلية منها

في سياق آخر، تستخدم فرق الاستقواء بالضعف خطابا يلوي أعناق المصطلحات بمهارة فهم كما تم استخدام مصطلح العولمة باشكال متناقضة:

· العولمة بمعنى العالمية وبشكل إنساني وتاريخي

· والعولمة بمعناها الحاضر أي سيطرة الغرب الراسمالي على العالم اقتصاديا واحتوائه واستغلاله بمختلف المستويات

يستخدمون مصطلح التفكيك بعدة معاني بقصد النهش،  مثلاً اعتماد تفكيك الكيان الصهيوني،  على طريقة ديريدا، أي التفكيك اللغوي وربما الفكري المجرد، وهو التفكيك الذي أخذه ديريدا، بل ربما صاغه خصيصاً، إلى تفكيك حق الجزائر في محاكمة الإمبريالية الفرنسية على طغيانها جرائمها داعيا إلى التسامح مع الاستعمار والاستيطان. ولكن، إذا كان التسامح مع الماضي ممكنا، مع أنه يجب ان لا يكون ممكنا، فإن التسامح مع الاستيطان الجاري والممتد لا معنى له غير الاستسلام.

فتفكيك الكيان الصهيوني يعني هزيمته، وهزيمته لا تأتي بدون تحرير فلسطين والتحرير هو أولا بالكفاح المسلح وملحقاته.

لقد استخدمت أنا نفسي هذا المصطلح بمعنى التحرير، فانبرى من أسميته “فتى المحرقة/الهلكوست”  حيث ينكر محرقة النازية لليهود، ليتهمني بأنني تطبيعي، أما هو فما أن لمس الأمن الأردني خده حتى طار إلى سوريا ليتحول إلى وكيل لعزمي بشاره بدل سلامه كيله  وإلى كمبرادور ينقل أصحاب صرخة التعايش مع المستوطنين إلى الشام وبيروت.

لست أدري ما هي مصلحة الفلسطيني والعربي في إنكار المحرقة؟ ربما لأنهم غاضبون من هتلر لأنه لم يحرق كل يهود العالم!

لكن المحرقة حدث كأية محرقة أخرى في التاريخ بل وأقل  من كثيرات وخاصة محارق الغرب وفي عصر راس المال خاصة، من حريق الأصلانيين في شمال امريكا وحتى حنوبها، وفي الفلبين والجزائر واستراليا وجنوب إفريقيا والحربين الإمبرياليتين الكبريين وفيتنام وسوريا والعراق وبلاد الأفغان…الخ هذا ناهيك عن حريق وطننا 400 سنة من العثماني ومحرقة أكثر من مليون أرمني على يده ايضا، ولم يتوقف الغرب عن حرائقه بل يجهز نفسه ضد الصين اليوم  ويثرثر الغرب بسماجة واستغباء للبشر  عن” القيم الغربية وحقوق الإنسان والتعددية والديمقراطية…الخ” وايديه تقطر دماً.

لقد عانى يهود من المحرقة المشتدة

وها هم منذ قرن يمارسون ضد شعبنا المحرقة الممتدة.

أختم بالسؤال:

ترى: هل صار علينا ان نكافىء الكيان الصهيوني بعد هذه المحرقة الممتدة بمجرد إعلانه التخلي عن الإيديولوجيا الصهيونية وكفى الله المؤمنين شر القتال؟

أم نأخذ العبرة من الرفض الشعبي العربي والفلسطيني للتطبيع أي استدخال الهزيمة، وهو الرفض الذي تجلى في العمليات الفردية والإضرابات الفردية الماراثونية التي هي روافع لتجاوز الأزمة.

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.