المنظمات “غير الحكومية”، إحدى دعامات الهيمنة الألمانية، الطاهر المعز

نَشَر موقع الإذاعة الألمانية “دويتشه فيللّه” باللغة العربية، يومي الخامس من آذار/مارس والتاسع من نيسان/ابريل 2021، بعض البيانات عن أهم المنظمات الألمانية، الموصوفة ب”غير الحكومية”، العاملة في الوطن العربي، وجميعها تابعة لأحزاب مُمَثَّلَة في البرلمان الإتحادي (بوندستاغ)، ومُمَوَّلَة من ميزانية الدّولة، وهي تُقَدِّمُ بدورِها دعما ماليا لجمعيات محلية، وتقتصر هذه الفقرات القصيرة على جزء من عَمل المنظمات الألمانية المَوْصُوفَة، زُرًا وبُهْتانًا، “غير حُكُومية” في بلاد العرب، حيث تُوفِّرُ تمويلات ودورات تدريب لتعليم العرب مفاهيم “المُساواة” و “الدّيمقراطية” و “التّسامُح”، أي قُبُول المُسْتَعْمَر بهيمنة مع المُسْتَعْمِرِين، وتوفر منحا دراسية لمن لا يُثِيرُون مسائل الهيمنة الإمبريالية واضطهاد الشُّعُوب، وحدث أن أثارت المنظمات “غير الحكومية”، العابرة للقارات، مهما كانت الدّولة الراعية لها (أو الحزب أو الجهة) تحفُّظات السُّلُطات المحلية، في المغرب أو تونس أو مصر وغيرها.

تمتلك ست منظمات ألمانية كُبْرى فُرُوعًا لها في البلدان العربية، ولها مواقع إلكترونية ومنشورات تُمْعِنُ في ادّعاء “استقلالية القَرار”، رغم ارتباطها رسميًّا بأحزاب ألمانية، ورغم تلقي الدّعم المالي من الحكومة الإتحادية الألمانية، وأهم هذه المنظمات:

أسس الإتحاد المسيحي الديمقراطي، سنة 1964، منظمته “مؤسسة كونراد أديناور”( 1876 – 1967 ) تحمل اسم أول مستشار لألمانيا الغربية، وهو أحد من قادوا ألمانيا في ظل الإحتلال الأمريكي، وحاربوا أي شخص أو فِكْر يمت بصلة، من قريب أو من بعيد للشيوعية، وهو ليس استثناءً في المناخ السياسي السّائد بألمانيا، منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، انبثقت المُؤسّسة عن “جمعية العمل التّعليمي المسيحي الديمقراطي” التي تأسست سنة 1955، واعتبر مؤسسة كونراد أديناور أكبر منظمة ألمانية، وهي تُعَرِّفُ نفسها كمنظمة سياسية، ولها 120 مكتبا في العالم، منها 16 بألمانيا وخمسة بالدّول العربية، وتنشُرُ المنظمة القيم الرّجعية (كما جل المنظمات الألمانية والأمريكية) والخُنوع، و”سيادة القانون”، باسم “دعم السلام ونَشْر قِيم الحرية والديمقراطية، ونَبذ العُنف…”، وفي أوروبا “تعمل المُؤسسة على توحيد أوروبا ودعم العلاقات بين ضِفَّتَيْ المحيط الأطلسي”، أي تعزيز هيمنة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على أوروبا، ونشطت المؤسسة كثيرًا في أوروبا الشرقية، وبالأخص في بولندا، منذ سنة 1980، ولتعزيز الأفكار المُناهضة للشيوعية.

تُعْتَبَرُ مؤسسة “فريدريك إيبرت” أقدم منظمة، وهي تابعة للحزب الدّيمقراطي الإجتماعي الألماني، ولذلك سُمِّيَتْ على إسم زعيم هذا الحزب ( SPD ، و”فريدريك إيبرت” هو أول رئيس منتخب لجمهورية “فايمار” التي استمرت من 1918 حتى سنة 1933، أي حتى  فوز النّازِيِّين بانتخابات 1933، وتم اغتيال الشيوعِيِّين في عهد “إيبرت” وائتلافه الحاكم بزعامة الحزب الديمقراطي الإجتماعي، سنة 1919، ومن أشهرهم “روزا لكسمبورغ” و “كارل ليبنيخت”، ولهذه المنظمة عشْرُ فُرُوعٍ في البلدان العربي، وتدّعِي أنها تعمل على نشر قِيَم الحُرِّيّة والتّضامن، وتحتكر تدريب النقابيين بتونس على “العمل السّلمي، وتجنّب الإضرابات والعُنف”، واعتبار أرباب العمل المدعومين من قبل أجهزة الدّولة “شُرَكاء” وليسو أعداء طبَقِيِّين للعُمّال، واعتبار أجهزة الدّولة “حَكَمًا” بين الطبقات وليست جُزْءًا من التحالف الطبقي المُسْتَغِل والمُضْطَهِد.

أسَّسَ “حزب الخُضْر” منظمته المُسَمّاة “هاينريش بول” (Heinrich Böll  – 1917 – 1985)، على إسم الأديب الألماني صاحب رواية “شرف كاتارينا بلوم الضّائع” وحصل على جائزة نوبل سنة 1972، وهي إحدى أصْغَر المنظمات “غير الحكومية” الألمانية التي لها فُرُوع بالخارج (أي عابرة للقارات) ولها خمس مكاتب بالبلدان العربية (منها المغرب وتونس)، وورد في موقع المُنَظّمة أنها “تُرَوّجُ لقيم التنمية الديمقراطية والمستدامة ولحقوق الإنسان والمساواة وحماية البيئة”، وتوفر منحا للطلاب من أجل الدراسة في ألمانيا…

أسّس “الحزب الدّيمقراطي الحر” (رأسمالي ليبرالي)، سنة 1958، مؤسسة فريدريش ناومان (1860 – 1919) وهو سياسي وداعي لاهوتي للمسيحية اللبروتستنتية، وللمنظمة فُرُوع بالمغرب والجزائر وتونس ومصر والأردن وغيرها، ويُوضّح موقعها أنها منظمة سياسية تعمل على تنشئة الشباب على نشر القيَم السياسية الليبرالي، وريادة الأعمال، من خلال النّدَوات ودورات التّدريب، وهي كغيرها من المُنظّمات الألمانية والأمريكية، تٌدّم مِنَحًا لعدد محدود من الطّلبة لمواصلة تعليمهم وبُحوثهم بألمانيا.

مؤسسة روزا لوكسومبورغ تحمل اسم القيادية الشيوعية الألمانية المغتالة عام 1919. تتبع المنظمة لحزب اليسار الألماني (دي لينكه). تدّعي المنظمة “العمل على خلق نموذج يساري يواجه الأنظمة الرأسمالية وعلى دعم الحركات النسائية، ومواجهة الامبريالية”، ولها مكاتب في تونس ولبنان ورام الله، وتخصصت في تلقين ما تبقى من اليسار العربي دُرُوسًا في “الإبتعاد عن التّطرّف” وفي التعايش مع الكيان الصهيوني والتحاور مع المُسْتَوْطِنِين بدل مُحاربة الإحتلال، وهي مثل غيرها من المنظمات الألمانية، مُمَوَّلَة من المال العام ومن الحُكومة الإتحادية الألمانية التي تُحارب الفكر الإشتراكي والشيوعي منذ الحرب العالمية الأولى…  

مؤسسة هانس سايدل تحمل اسم ثالث رؤساء وزراء ولاية بافاريا في تاريخها، وهي تابعة لحزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي الذي ينشط في بافاريا، وتتَبَنّى المنظّمة نفس مبادئ وأهداف منظمة كونراد أديناور، مع التّأكيد على القِيَم المسيحية والاجتماعية، وتُرَكِّزُ فُرُوعها في المغرب وتونس ومصر على “تعزيز سيادة القانون، وعلى التعليم والتدريب على الإدارة وتقديم المشورة لصانعي القرار في السياسة “…

اكتسبت ألمانيا موقعًا مًهيْمِنًا بأوروبا بفعل إرادة الولايات المتحدة التي أنشأت بها قواعد عسكرية ضخمة، منذ الحرب العالمية الثانية، ووجهت أمريكا اقتصاد ألمانيا (وكذلك اليابان وكوريا الجنوبية) نحو الإستثمار في الصناعة والتكنولوجيا، وتقديمها كمرآة للمنظومة الرأسمالية في مواجهة بلدان أوروبا الشرقية والصّين، وشكّلت المنظمات “غير الحكومية” ركيزة من ركائز الدّعاية الإيديولوجية وعمل الإستخبارات وجَمْع البيانات، وإحدى أعمدة الهيمنة الإقتصادية والسياسية للبلدان الغنية، ومنها ألمانيا، ولا يقل نفوذها عن نفوذ الشركات العابرة للقارات ووسائل الإعلام، وأصبحت هذه المنظمات “غير الحكومية” مُنتشرة في الوطن العربي، وخصوصًا في البلدان الواقعة تحت الإحتلال المُباشر (فلسطين والعراق واليمن وسوريا…) وتعدّدت مجالات تدخّلها، باسم العمل الخيري والإنساني، في الاقتصاد والسياسة والتّعليم والتّدريب والثقافة، وجميع جوانب الحياة الاجتماعية، وأصبحت “المنظمات غير حكومية” رديفًا لوزارات الخارجية وللإستخبارات، وتُشكّل القوة الناعمة التي تتدخّل في حياة البُلْدان والشُّعُوب من خلال الدعم المالي ودَوْرات التّأهيل، وتقديم المنح الدّراسية وتقديم المَشُورة القانونية لبعض الأحزاب والقوى بذريعة “تعزيز الدّيمقراطية ودَعْم المُجتمع المَدَني”.

ملاحظة: وردت معظم المعلومات بمواقع المُنظمات المذكورة 

_________

“كنعان”  غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.