من سوتشي 2018 إلى سوتشي 2022 … الموضوع أهم من سوريا، حسني محلي

لماذا قرر الرئيسان بوتين وإردوغان أن يلتقيا من جديد في سوتشي بعد 3 أسابيع من لقائهما الأخير في طهران؟

بعد 20 شهراً تقريباً من انطلاق مسار أستانة في كانون الثاني/يناير 2017 استضافت سوتشي في 17 أيلول/سبتمبر 2018 القمة الأولى بين الرئيسين بوتين وإردوغان، ووقّعا آنذاك الاتفاقية الخاصة بمناطق خفض التصعيد، ونزع السلاح الثقيل من مسلحي النصرة في إدلب وجوارها.

وبموجب هذه الاتفاقية أنشئ 12 مركز مراقبة عسكرية للجيش التركي في المنطقة التي عاشت تطورات مثيرة بعد ذلك التاريخ وقبله، وكل ذلك كان على حساب سوريا، فقد احتجّت أنقرة بخطر المليشيات الكردية في الشمال السوري فأمرت قواتها بالتوغل في المنطقة في كانون الثاني/يناير 2018 فسيطرت في نيسان/إبريل على مدينة عفرين والمناطق المجاورة لها.

 ومع أن اتفاقية سوتشي أمهلت أنقرة شهراً واحداً لالتزام تعهداتها في إدلب، إلا أن الرئيس إردوغان نسي أو تناسى هذه التعهدات فحشد قواته في المنطقة، وهدّد بالتصدي للجيش السوري في حال اقترابه من إدلب، ثم أمر الجيش التركي بالتوغل شرق الفرات في 9 تشرين الأول/أكتوبر عام 2019 بموافقة روسية-أميركية مشتركة، كما هي الحال في عفرين وجرابلس في آب عام 2016. فسيطرت القوات التركية بدعم من الفصائل السورية المختلفة على المنطقة الممتدة من تل أبيض إلى رأس العين بطول نحو 100 كيلومتر، وعمق يصل إلى 30 كيلومتراً لإبعاد المليشيات الكردية من الحدود مع تركيا.

ومع استمرار الرفض التركي لأي تحرك عملي على طريق التزام بنود اتفاقية سوتشي الأولى، فقد وقّع إردوغان وبوتين اتفاقية أخرى في سوتشي في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2019 وبعد أيام من توغل الجيش التركي في شرق الفرات، وهو ما جعل من تركيا عنصراً رئيساً في مجمل التطورات السورية، خصوصاً في الشمال،

سيطر حينذاك الجيش التركي بالتنسيق والتعاون مع ما يسمى “الجيش الوطني السوري”، الذي أُسّس في أنقرة في أيلول/سبتمبر عام 2019، على نحو 9% من الأراضي السورية شرق الفرات وغربه.

وجاءت مساعي الجيش السوري المدعوم إيرانياً وروسياً لتحرير بعض البلدات المجاورة في إدلب، اعتباراً من صيف 2019 لتضع أنقرة أمام امتحان جديد وحرج في علاقاتها بموسكو، خصوصاً بعد مقتل 36 عسكرياً تركياً في قصف جوي قرب إدلب في 27 شباط/فبراير 2020. ودفع ذلك الرئيس إردوغان إلى زيارة موسكو على عجل ليوقّع مع الرئيس بوتين في 5 آذار/مارس 2020 اتفاقاً جديداً بشأن إدلب وجوارها.

 ولكن من دون أي فائدة، بسبب الموقف التركي الرافض لأي تدخل سوري في المنطقة، على الرغم من اتفاقيات سوتشي وموسكو، بل وحتى القمم السبع بين بوتين وإردوغان وروحاني، ثم بوتين وإردوغان ورئيسي، وأكدت جميعاً احترام استقلال الجمهورية العربية السورية وسيادتها ووحدة أراضيها.

 والسؤال الآن هو ماذا عن قمة سوتشي الجديدة؟ ولماذا قرر الرئيسان بوتين وإردوغان أن يلتقيا من جديد في سوتشي بعد 3 أسابيع من لقائهما الأخير في طهران، الذي لم يخرج بأي نتائج عملية، فيما يخص إدلب والوجود التركي في سوريا عموماً.

بعد قمة طهران بيوم واحد اعترف إردوغان أنه والرئيسين بوتين ورئيسي لم يتفقا على كثير من الأمور التي نوقشت، واتّهم وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو روسيا وإيران وأميركا بالتهرب من مساعدة تركيا في حربها على الإرهاب، والمقصود به حزب العمال الكردستاني التركي، وذراعه السورية وحدات حماية الشعب الكردية. وأعلن جاويش أوغلو “استعدادهم لتقديم جميع أنواع الدعم السياسي للنظام في حربه على هذه الوحدات شريطة أن تكف دمشق عن اتهام فصائل المعارضة المعتدلة (ويقصد بها ما يسمى الجيش الوطني السوري) بالإرهابية”.

ومن دون أن يكون واضحاً فيما إذا كان جاويش أوغلو قد قصد النصرة أيضاً عندما تحدّث عن المعارضة المعتدلة، بعدما قامت بتغيير اسمها إلى هيئة تحرير الشام، مع مساعي أنقرة لتسويق هذه الهيئة إقليمياً ودولياً.

وبغياب الاهتمام الإعلامي بها فإن قضية المفاعلات النووية (بقيمة 30 مليار دولار) التي تبنيها روسيا في تركيا ستكون هذه المرة الموضوع الأهم في مباحثات الرئيسين إردوغان وبوتين، بعد أن ألغت الشركة الروسية (روس آتوم) التي تنفّذ المشروع عقدها مع الشركة التركية التي تتولى أعمال البناء.

وعدّت بعض الأوساط قرار الشركة الروسية موقفاً سياسياً اتخذته بتعليمات الرئيس بوتين، الذي يبدو أنه سيستخدم هذا الموضوع كورقة مساومة مع إردوغان، عندما سيذكره باتفاقية سوتشي الأولى. فانتقال ملكية الاستثمار كلها إلى الروس، وتعهّدات أنقرة بشراء الكهرباء من المفاعلات النووية بالسعر الذي ستقرره الشركة الروسية، يتوقع لها البعض أن تؤدي إلى أزمة جديدة في العلاقة بين أنقرة وموسكو.

 في الوقت الذي تتحدّث فيه المعلومات عن مساعي إردوغان لإقناع بوتين بالاستثمار في الأسواق المالية والقطاع المصرفي المربح (بما في ذلك شراء سندات الخزانة التركية) وقدّرت حجم هذه الاستثمارات بنحو 20 مليار دولار، إن اقتنع بها بوتين. وهو المبلغ الذي إن دخل تركيا، وأياً كان ثمنه السياسي، (في إدلب مثلاً) فسوف يسهم في إنقاذ إردوغان من ورطته المالية، وبتجاوزه إياها قد تزداد حظوظه للبقاء في السلطة في الانتخابات المنتظرة.

 ويعرف الجميع أن إردوغان قبل هذه الانتخابات لن يتّخذ أي موقف في سوريا، والمنطقة عموماً، قد يخل بحساباته الداخلية مع استمرار تدهور شعبيته بسبب أزمة اللاجئين السوريين.

 ويفسر ذلك عدم التزام أنقرة بنود اتفاقية سوتشي الأولى، بل هو استمر في السنوات الأربع الماضية في تنفيذ مشروعاته ومخطّطاته في الشمال السوري وسوريا عموماً؛ فقد عاد وزير الدفاع خلوصي آكار إلى حديثه التقليدي ليقول “إن تركيا ترعى وتساعد 9 ملايين سوري، 4 ملايين منهم في تركيا، والباقي في المناطق التي تسيطر عليها القوات التركية”.

 كل ذلك، مع عودة بعض الأوساط القومية بأحاديثها التقليدية عن خريطة الميثاق الوطني لعام 1920 التي ترى في الشمال السوري كله، بما في ذلك حلب والرقة ومنها إلى الموصل وكركوك والسليمانية وأربيل جزءاً من الأرض التركية الحالية.

 ويفسر ذلك أقوال وزير الداخلية سليمان صويلو قبل أيام، إذ قال: “إن تحقيق الأمن والاستقرار في دمشق وبغداد وحلب وطهران واليمن وليبيا بل وحتى البلقان والشرق الأوسط عموماً، هو من واجبنا ومسؤوليتنا التاريخية”.

وفي جميع الحالات، وأياً كانت نتائج قمة سوتشي، الجمعة، فالكل يعرف أن إردوغان لن يتراجع عن مقولاته وسياساته وتصرّفاته في سوريا، ما دام يعتقد أن مواقف الأنظمة العربية وموازين القوى الإقليمية والدولية الحالية (أوكرانيا وتايوان) ما زالت لمصلحته، ليس في سوريا وحسب، بل في العراق وليبيا، وفي قبرص أيضاً.

وكل ذلك على الرغم من بيانات الاستنكار العربية والأوروبية والدولية ضد أنقرة، التي لن تبالي بها، كما هي لم تبالِ بالاتفاقيات التي وقّعها إردوغان في سوتشي وموسكو وطهران وأنقرة. حيث التقى قبل سوتشي الأولى وبعدها بوتين، ما لا يقلّ عن 10 مرات، وتحدّث إليه هاتفياً أكثر من 20 مرة، ولكن وكما يقول المثل الشعبي “هو في واد، وبوتين في واد آخر”، فأحدهما لا يسمع والآخر قليل الكلام، والشعب السوري يصرخ “وا معتصماه”!

_________

“كنعان”  غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.