نشرة “كنعان”، 16 أيلول (سبتمبر) 2022

كنعان النشرة الإلكترونية

السنة الثانية والعشرون – العدد 6382

16 أيلول (سبتمبر) 2022

في هذا العدد:

مسار جديد للوحدة الوطنيّة الفلسطينيّة، رشاد أبوشاور

في ذكري رحيل عالم عظيم: حامد ربيع أكبر منظري العلوم السياسية العرب … المنسيين!! د. رفعت سيد أحمد

هل نحن أمام هزيمة روسية أو عملية استدراج للجيش الأوكراني؟!  عمر معربوني

✺ ✺ ✺

مسار جديد للوحدة الوطنيّة الفلسطينيّة

رشاد أبوشاور

هناك مصطلح تفشى منذ سنوات، لنقل قليلة: ذئاب منفردة، أطلق في وصف عمليات فلسطينية منفردة بطولية، يتميّز منفذوها بشجاعة يمكن وصفها بالخارقة تخطيطا وتنفيذا وجسارة، و..مواجهة النتائج في الاشتباك مع أجهزة الاحتلال، والجاهزية لدفع أغلى ثمن: التضحية بالحياة بنفس راضية بعد أن حقق بطل العملية الفلسطينية، ولا أقول المنفرد، خطته في إيقاع أفدح الخسارات الأمنية، والنفسية، والمادية..في العدو، وكيانه الذي قام على الوهم منذ البداية، وراكم أعتى وسائل القوّة..وما زال في حلبة الصراع مع عرب فلسطين، وما زالت القضية الفلسطينية تملأ أسماع العالم..وهذا يعني أن المشروع الصهيوني لم يستقر، والسبب أن عرب فلسطين لم يندثروا ويذوبوا ويختفوا فيزيائيا بين الشعوب، كما أمّل مؤسسو الصهيونية.

وضع الصهاينة أيديهم على 78%من أرض فلسطين في ختام حرب ال1948 وهزيمة سبعة جيوش مسكينة عددا وعدّة وعتادا، تسلموها بمكر ودهاء وتآمر ودعم بريطاني بلا حدود تسليحا وتخطيطا لهم..وقهرا وقمعا وإفقارا ومطاردة وإعدامات لثوار فلسطين، وبقيت عيون الصهاينة تراقب الفلسطينيين، وتتابعهم، وتتآمر عليهم برعاية أمريكية من الإدارات الشريكة الرئيسة في المؤامرة والجريمة، و..باستخذاء من حكّام (عرب) كان همهم، وما زال، تدمير قدرات الفلسطينيين، وإحباطهم، وإنزال المصائب بهم بحيث ينفضوا أيديهم من قضيتهم، ولكن هذا الهدف الاستراتيجي الجهنمي لم يتحقق على مدى عقود، وما زال الصراع محتدما..فلم ييأس شعب فلسطين في ميدان المعركة، ولم يستقر الكيان الصهيوني على أرض لم تكن له يوما، ولن تكون…

عرب فلسطين، رغم كل ما مرّوا به، وما عانوه، لم تتزعزع قناعتهم بعودتهم لفلسطين وبعودة فلسطين لهم، وبأن فلسطين عربية، وبأنه بدونها لا تواصل بين مشرق الوطن العربي ومغربه، أي أنه لا وطن عرب واحد موحد سيّد قوي بدون تحرير فلسطين. ولهذا ثبت عرب فلسطين في الخط الأمامي من ميدان المعركة، وحافظوا على نار فلسطين مشتعلة تضئ وتنير وتُرشد من يرفعون أبصارهم صوب أرض المعركة وميدانها..بل وتكشف نارها من الصديق ومن العدو، وفلسطين كانت دائما هكذا وستبقى حتى تتحرر تماما، ويخرج القطار من القدس وحيفا ميمما طريقه إلى القاهرة..وكل بلاد العرب الأفريقية، كما كان الأمر قبل مؤامرة تسليم أغلبها لليهود الصهاينة.

شعبنا المؤمن بعروبة فلسطين وبحتمية تحريرها، وبعودة من هم خارجها إلى مدنهم وقراهم ليبنوها ويعمروها ويزرعوا أرضها، ويجعلوها لائقة بتضحيات ودم ودموع وآلام كل من أعطوعا سواء نساء ورجال فلسطين وكل العرب الذين دمهم سقا أرضها، وعظامهم ما زالت وستبقى مغروسة في ثراها…

شعبنا لن ييأس، والدليل أن أزيد من مائة سنة مرّت على بدء الصراع مع بريطانيا المجرمة مؤسسته وراعيته و..مع الحركة الصهيونية وأميركا وارثة الدور البريطاني، وها قد دخلنا في المئوية الثانية من الصراع..وما زال مستمرا..وسيبقى حتى التحرير الناجز والعودة المظفرّة بانتصار أحرار وشرفاء وثوّار العرب المقاومين وكنس المشروع الصهيوني.

ولكن هذا الانتصار له شروط نعرفها، في مقدمتها: الوحدة الوطنية..التي هي ضمانة تحقق النصر التاريخي الحاسم بدون مساومة مع العدو الصهيوني ورعاته الذين هم وهو معا في الميدان تآمرا على فلسطين و..كل الوطن العربي.

الحتمية التاريخية لا تتحقق وحدها، بلا جهد مكلف، وبلا وعي، وبلا تضحية، وهذا ما وعاه شعبنا، وأحرار وشرفاء الأمة، وهكذا استمرت المعركة وخاضتها الأجيال جيلاً وراء جيل..ولهذا لم يهنأ العدو الصهيوني وكيانه ورعاته رغم كل ما لديهم من أسلحة ومال من أمريكا والغرب..ومؤخرا من حكّام التطبيع المتحكمين في ثروات الأمة!  

شعبنا بخبراته متيقن من أن الانتصار على الأعداء لا يمكن أن يتحقق والصفوف ممزقة منقسمة متنافرة متنافذة.. وهذا حدث مع كل الشعوب الثائرة: لا انتصار بدون وحدة وطنية، وهذه قاعدة ثابتة لايمكن تجاوزها.

وأحسب شخصيا، وهذا ليس مجرد اجتهاد شخصي، بأن العمليات الفردية، عمليات الذئاب المنفردة كما توصف، هي تجاوز للانقسام، بل رفض لثبات وديمومة الحالة التي تسببت بالضعف والارتباك وإتاحة الفرص لكل العابثين بالقضيّة الفلسطينية، واللاعبين على الخلافات الفلسطينيّة وتأجيجها.

إنني كمتابع، ومنخرط عضوي، في المقاومة الفلسطينية، على يقين أن هؤلاء الأبطال هم محرضون على التجاوز بالفعل لا بالأقوال، وأنهم يشقّون طريقا تجاوزيا للوحدة الوطنية في الميدان بالبطولات المبهرة والدم وإيقاع أفدح الخسائر بالكيان الصهيوني وجيش احتلاله المجرم الخارج على كل القيم والمتمتع بأحط الأخلاق الوحشيّة في ممارساته.

هؤلاء الأبطال منظمون قطعا..ولكن: كيف؟ هذا شأنهم، وهذا إبداعهم..ولذا هم ليسوا ذئابا منفردة، بل أبطال ينتمون لشعب، ويصونون تراثه الثوري ويراكمون بطولات على بطولاته، وينازلون عدوا يلحقون به ضربات تزعزعه وتفقده اليقين بالبقاء على أرض فلسطين، لأن شعب فلسطين لا يمكن أن يُهزم..ولأنه ينتمي إلى أمة حيّة رغم تآمر المتآمرين المُنصبين حكاما يفتحون أراض وسماوات عربية لعدو الأمة انطلاقا من مصالحهم كعائلات حاكمة لا شرعية لها.

شعب فلسطين يجدد باستمرار أساليبه الكفاحية الثورية المقاومة..ولنتأمل جيدا ما يبدعه أبطال هذا الشعب العربي العريق في السجون..وفي ابتكاراته للعمليات المنفردة، وغير المنفردة..ولنكن على ثقة بأن فلسطين ستبقى الدينامو الموّلد للثورة والمجدد لها، لا على ثرى فلسطين، ولكن على امتداد الوطن العربي كله..وحيث توجد قوى عدوان نهّابة..وعملاء يطبعون ويخونون…

وختاما: نحن أمام مسار جديد للوحدة الوطنية الفلسطينية..فلا تياسوا!   

✺ ✺ ✺

في ذكري رحيل عالم عظيم:

حامد ربيع أكبر منظري العلوم السياسية العرب …المنسيين!!

د. رفعت سيد أحمد

في مثل هذه الايام قبل ثلاثة وثلاثين عاما (9 سبتمبر 1989) رحل عن دنيانا واحد من أعظم العقول السياسية في مصر والامة العربية. رحل في صمت ومرت خلف موته عشرات السنين دون تقدير أو ذكر ..إنه أستاذ أساتذة العلوم السياسية في مصر…العالم الكبير الاستاذ الدكتور حامد ربيع (ولد في 24-4-1924)..كان حامد ربيع أحد أهم منظري الفكر السياسي العرب وأحد أبرز من درس وعلم وفهم  الصراع العربي الصهيوني وكانت ولا تزال كتبه مرجعا في فهم  نشأة إسرائيل وآليات صناعة القرار السياسي  بداخلها  ..كان لى ، ولجيلى، حظ التعلم فى مدرسة (حامد ربيع) للعلوم السياسية فنحن حين دخلنا كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة فى العام 1974 كان اسم العلامة الدكتور /حامد ربيع ملء السمع والبصر ، فهو الفقيه فى الفكر السياسي الإسلامي وهو العالم والمؤرخ القدير فى فهم طبيعة الصراع العربي الصهيوني، وآليات صنع القرار فيه وهو استاذ العلوم السلوكية والدراسات والحاصل على عدة درجات علمية فى هذا الفروع من الدراسات، على المستوى الدولى (حصل علي خمس درجات للدكتوراة(حصل من جامعة روما على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع التاريخي، والدكتوراه في فلسفة القانون، والدكتوراه في العلوم النقابية، وحاز درجة “الأستاذية” في القانون الروماني، وحصل من جامعة باريس على الدكتوراه في العلوم القانونية، ثم الدكتوراه في علوم السياسية، وحاز درجة “الأجريجاسيون” المرموقة من الجامعات الفرنسية) وهو فوق كل هذا العلم  وقبله استاذى واستاذ اجيال من الخبراء والعلماء والكتاب والباحثين فى الفكر العربى المعاصر الذين  تتلمذوا على يديه حتى لحظات رحيله الدرامى عن عالمنا عام 1989؛- بعد نشره لدراستين خطيرتين فى صحافة ذلك الزمان الاولى (عن اختراق العقل المصري) فى الاهرام الاقتصادى والثانية عن (الحرب القادمة بين العرب وإسرائيل) فى صحيفة الوفد وإثر وفاته اثيرت  شائعة ان الدراسة الاخيرة كانت سبباً فى وفاته لما تضمنته من اسرار مذهلة عما تخطط له إسرائيل وما لديها من أسلحة متقدمة وتفاصيل ووثائق التوطؤ الرسمى العربى معها؛ الامر الذى ادى الي  موته وهى شائعة نحسبها غير صحيحة وإن ظل العداء الاسرائيلي للرجل حقيقة ثابتة تؤكدها الوثائق وتؤكدها السيرة العطرة المجاهدة لعالمنا وشيخنا الاستاذ الدكتور حامد ربيع

*****  *****                                                                                                    

ومن المناصب التي تقلدها د. حامد ربيع أنه عام 1961م عمل مساعدا للمستشار الشخصي العلمي للرئيس جمال عبد الناصر. وفي عام 1979م عمل  مدير لمعهد البحوث والدراسات العربية ببغداد  ولاحقا  صار    أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية في جامعة القاهرة.

وعمل كأستاذ خارجي في جامعات الخرطوم، وبغداد، وروما، وباريس، وجامعات دمشق والجزائر والكويت وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وجامعة ميتشيجان الأمريكية.

قام بإنشاء مركز الدراسات الإنمائية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة وأشرف على إنشاء المعهد الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية المصرية

ومن أهم مؤلفاته:

    -مدخل في دراسة التراث السياسي الإسلامي.

   – إطار الحركة السياسية في المجتمع الإسرائيلي.

   – مصر تدخل عصر النفايات الذرية.

   – الثقافة العربية بين الغزو الصهيوني وإرادة التكامل القومي.

    -اتفاقيات كامب ديفيد، قصة حوار بين الثعلب والذئب.

    -الاستعمار والصهيونية وجمع المعلومات عن مصر.

   – من يتحكم في تل أبيب؟

    -النموذج الإسرائيلي للممارسة السياسية.

   – نظرية الامن القومي والتطور المعاصر للتعامل الدولي في منطقة الشرق الأوسط، دار الموقف العربي 1984م.

   – سلوك المالك في تدبير الممالك – تحقيق.

   – نحو ثورة القرن الواحد والعشرين: الإسلام والقوى الدولية.

   – التجديد الفكري للتراث الإسلامي وعملية إحياء الوعي القومي.

   – التعاون العربي والسياسة البترولية المعاصرة. هذا وقد قدّم أكثر من 45 كتابًا وكتب أكثر من 350 دراسة منشورة باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية والإيطالية واللاتينية

    كما كان له في نهاية أيامه مقالات مهمة للغاية ومثيرة للجدل في مجلة الاهرام الاقتصادي وجريدتي الأهرام والوفد ونشرت دار الشروق الدولية بمصر مجلدين كبيرين يضمان بعض أعمال الدكتور حامد ربيع، مما لم ينشر من قبل وذلك بجهود تلاميذه في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بالقاهرة.                                                                         *********

هذا ونتذكر أنه في آخر مقالاته التي عنونها بـ”سوف أظل عربيًا”، أشار د. حامد ربيع وبعبقرية المفكر الذي ينظر بعيدا إلى أن هناك 3 قوى تنخر في جسدنا، وتتسلل في منطقتنا العربية ، لتكون نوعًا من السرطان الذي هو وحده قادر على شل الإرادة، هي:

أولًا: القيادات غير الواعية.

ثانيًا: الثروة التي وضعت في أيدٍ غير صالحة وغير أمينة على استغلالها.

ثالثًا: أهل الفكر الذين خانوا قضية أمتهم، وأضحوا أبواقًا وظيفتها القيام بعملية الزفة السياسية للحاكم أو للمستعمر الذي لا يزال ينشب بأظفاره في جسدنا، ولم نستطع بعد أن نزيله كلية عن قدراتها الحقيقية.

                                                 ******                                                                                     

اليوم نتذكر العلامة د. حامد ربيع بعد أن نسيه الجميع تقريباً ونذكر به.. لعل من بقي من تلاميذه ومحبيه يعيدون بحث وبعث أفكاره مجددا.. ويعيدون الاحتفاء بها بما يليق بالرجل كأحد أبرز أساتذة العلوم السياسية في الوطن العربي.. وصاحب الرؤي والافكار المؤسسة في البحث الاجتماعي والسياسي وهي أفكار في تقديرنا لم تمت بل لا زالت حية في جوهرها. قوية في عمقها ونصاعة فكرها خاصة تلك المتعلقة بالامن القومي العربي وصراع القوى الكبري حول وبداخل منطقتنا ومخططات إسرائيل ومشروعها في بلاد العرب.

رحم الله استاذنا د. حامد ربيع القيمة والقامة في تاريخ الفكر السياسي العربي المعاصر في ذكراه الثالثة والثلاثين!

✺ ✺ ✺

هل نحن أمام هزيمة روسية أو عملية استدراج للجيش الأوكراني؟!

عمر معربوني

باحث في الشؤون السياسية والعسكرية


بداية لا بدّ من التذكير بأهداف العملية الروسية الخاصّة في أوكرانيا، والانطلاق من هذه الأهداف بعد تعريفها الى توصيف الوقائع والمستجدات الميدانية وتأثيرها على المستوى الإستراتيجي للعملية الروسية، كذلك من المهم التأكيد على أن معركة روسيا الحالية في الجانب العسكري مؤجلة في زخمها ووتيرة تنفيذها إلى الشتاء حيث تبدو المعركة الكبرى التي تسبق الحسم العسكري هي معركة الغاز، ولهذا السبب يتجه الجيش الروسي لتثبيت خطوطه الأساسية في الدونباس، والاستمرار بنفس الوتيرة البطيئة على محاور القتال الحالية في جمهورية دونيتسك وتحصين خطوط الدفاع عن جمهورية لوغانسك المُحرّرة بالكامل.

مع بداية انطلاق العملية الروسية اعلن الرئيس فلاديمير بوتين أهداف العملية الروسية على الشكل التالي:
1ـ الوصول الى مرحلة حياد أوكرانيا وعدم انضمامها إلى أية أحلاف.
2ـ منع عسكرة أوكرانيا ومنعها من تصنيع قنابل نووية.
3ـ حماية إقليم الدونباس .
4ـ استئصال النازية.

أـ في البند الأول يمكن الجزم انه بعد انتهاء العمليات لن تستطيع أوكرانيا الإنضمام الى حلف الناتو، ولن تتوفر حتى على المدى البعيد أي موافقة أوروبية وأميركية لضم أوكرانيا الى الناتو لأن ذلك وباعتراف الغرب سيؤدي الى مواجهة نووية ستكون كارثية على البشرية.

ب ـ أما بما يرتبط بالبند الثاني وهو منع عسكرة أوكرانيا فقد تم تدمير البنية العسكرية الأساسية للجيش الأوكراني الذي بات يعتمد بشكل شبه كامل على الأسلحة والعتاد الغربي، ويمكن التأكيد ان 90% من طائرات سلاح الجو الأوكراني خرجت من الخدمة، وكذلك دبابات وعربات القتال الرئيسية، وأعداد كبيرة من قطع المدفعية والراجمات الأساسية سواء تلك الموروثة من حقبة الإتحاد السوفياتي او حتى المصنّعة في أوكرانيا.
وفي هذا البند يمكن التأكيد ايضاً ان الأسلحة الرئيسية في الجيش الأوكراني الآن هي بنسبة 75% غربية تأتي من اميركا وأوروبا و الباقي سوفياتية تأتي من دول حلف وارسو السابق.
ايضاً بات الجيش الأوكراني يعتمد على راجمات هايمارس الأميركية الموجهة بنظام الملاحة GPS ومدافع الهاوتزر M777 الأميركية وقيصر الفرنسية، إضافة الى أنظمة الدفاع الجوي ستينغر الأميركية، وغيبارد الألمانية، إضافة الى أنظمة جافلين الأميركية المضادة للدروع وأنظمة أخرى أوروبية بأعداد هائلة وكبيرة.
مجموع الأسلحة الموَّردة الى أوكرانيا يتم استهدافها ايضاً بشكل منتظم وهي تتناقص دوماً ويتم تعويضها من المخازن الأميركية والأوروبية وهذا يعني الوصول قريباً الى مرحلة استنزاف المخازن وتناقص حجم التوريدات.

ج ـ بما يرتبط بالبند الثالث وهو حماية الدونباس فقد تحقق منه تحرير كامل جمهورية لوغانسك وحوالي 60% من أراضي جمهورية دونيتسك وهي عملية مستمرة حتى الوصول الى تحقيقها بالكامل.

د ـ في موضوع استئصال النازية من أوكرانيا يبدو هذا الهدف هو الأصعب على الإطلاق لأن المسألة مرتبطة بعملية تحوُّل تحتاج الى جيلين في الحد الأدنى والشرط الأساسي هو تغيير نظام الحكم في أوكرانيا، والبدء بعملية تصحيح طويلة الأمد لإنهاء عملية تسميم العقول المستمرة منذ عقدين وأكثر والروس فوبيا التي ترسخت في أذهان الشباب الأوكراني.

في تقييم ما تحقق من أهداف يبدو مؤكداً انه مهما طالت العمليات فإن حياد أوكرانيا سيكون البند الأول في أية اتفاقية أو تسوية ورضي به الأوكران في اجتماع اسطمبول مع عدم الدخول في أية احلاف عسكرية، وتراجعوا عنه لاحقاً بسبب الضغوط والرفض الأميركي لأن توقيع اتفاق في آذار/ مارس الفائت كان من شأنه وقف العمليات والبدء بمسار جديد يحقق أهداف روسيا في الحفاظ على أمنها القومي وهو ما لا ترغب به اميركا.

إضافة ما تقدّم باتت روسيا الآن تسيطر على كامل شواطىء بحر آزوف وأكثر من نصف شواطئ أوكرانيا على البحر الأسود وعلى غالبية مقاطعات جنوب أوكرانيا حيث في لوغانسك الاحتياطي الكبير من الفحم والمعادن وحيث الأهمية الحيوية للجنوب الأوكراني في تأمين الحماية لشبه جزيرة القرم.

وبالانتقال إلى ما يحصل منذ أسبوعين على الجبهات والخرق الذي حقّقته القوات الأوكرانية في قطاع خاركوف لا بدّ من الرجوع الى جدول الأولويات الموضوعة من قبل القيادة الروسية وطريقة التعاطي مع الميدان بحسب أهميته.

ومن خلال متابعة مسار العملية نفذّت الوحدات الروسية نوعين من إعادة التموضع:

ـ إعادة تموضع طوعية شملت مقاطعات كييف وتشرنيغوف وسومي وشمال خاركوف كبادرة حسن نية، إضافة الى ان العمليات في هذه المقاطعات كان هدفها اصلاً تنفيذ مناورة تثبيت قوات نجحت الى حد كبير في منع حركة القوات الأوكرانية باتجاه الشرق والجنوب عبر إبقاء التهديد على هذه المقاطعات قائماً، بحيث تصبح القوات الأوكرانية مجبرة على البقاء في خطوطها، علماً ان هذا التدبير يمنع حوالي 35 % من عديد الجيش الأوكراني من تنظيم أي عمليات دعم لجبهات الشرق والجنوب.

ـ إعادة التموضع الأخيرة في مقاطعة خاركوف وتراجع الجيش الروسي من ايزيوم وبالاكليا وكراسني ليمان لتصبح خارطة التموضع الجديدة مرتبطة بضفتي نهر سيفرسكي دونيتسك، حيث بات التموضع الروسي كلياً على الضفة اليمنى والتموضع الأوكراني على الضفة اليسرى.

حتى مساء البارحة كنت كغيري اعتقد ان هزيمة حلّت بالوحدات الروسية الى ان بدأت عمليات استهداف واسعة للبنية التحتية في مقاطعة خاركوف ووسط وغرب أوكرانيا لمحطات الكهرباء، وبعض عقد السكة الحديدية ومراكز الاتصال وهو ما يأخذنا نحو تحليل جديد يرتبط بنمط من أنماط الهجوم اسمه الهجوم الإستدراجي بعد اغراء العدو بالتقدم لاستدراجه الى منطقة قتل نموذجية.
وما يرجّح هذا الإجراء ان المنطقة التي استعادتها القوات الأوكرانية هي منطقة مفتوحة الى حد كبير بحيث ان استقرار القوات الأوكرانية فيها سيكون مكلفاً بعد إتمام قطع خطوط الإمداد لخطوط السكة الحديدية والجسور التي بدأ الجيش الروسي باستهدافها.

وحتى في حال عدم استعادة هذه المناطق من قبل الجيش الروسي، فإن عديداً كبيراً من القوات الأوكرانية لن يكون قادراً على المشاركة في دعم معارك الدفاع عن المحاور لجمهورية دونيتسك التي تتعرض منذ فترة لهجمات روسية، وتحديداً على المحور الممتد من سيفرسك شمالاً حتى كوردوميفكا جنوباً مروراً ب سوليدار وارتيوموفسك (باخموت) وعلى محور سلافيانسك ـ كراماتورسك من الشمال وصولاً حتى افييديفكا جنوباً.

ومن المفيد التأكيد على أمر مهم وهو أن الجيش الروسي يمكن ان ينفذ تدبير إعادة التموضع لمجموعة من الضرورات الا بما يرتبط بجغرافيا إقليم الدونباس ومناطق الجنوب الأوكراني، وما يؤكد هذا الأمر هو تحطيم الهجوم الأوكراني على محور خيرسون ـ نيكولاييف لارتباط الأمر بخطوط حمراء ترتبط بأهداف العملية التي اعلنها الرئيس بوتين.

وحتى لو اعتبرنا ان ما حصل هو انسحاب قسري وليس انسحاباً مخططاً له، فإن استيعاب الهجوم الأوكراني ممكن بالنظر الى الهيمنة الجوية الروسية لأن أي عبور لنهر سيفرسكي دونيتسك من قبل القوات الأوكرانية سيكون مكلفاً وكارثياً، وهذا يعني تثبيت الوضع على ما هو عليه، وبذلك تكون القوات الأوكرانية قد ثبتت عدداً كبيراً من القوات خارج منطقة العمليات الرئيسية وهو ما سيساعد الجيش الروسي على تفعيل عملياته بشكل افضل في المرحلة القادمة.

ختاماً، وبالنظر الى مشاركة الجيش الروسي الفاعلة في الدفاع عن سورية وبحسب ما اكتسبه الضباط الروس في سورية تجدر الإشارة الى ان قادة الجبهات الثلاث في أوكرانيا هم من الضباط الذين تناوبوا على قيادة القوات الروسية في سورية، وهو ما يدفعنا للقول ان تكراراً للتكتيكات في سورية نشاهده في أوكرانيا، وهو عامل آخر يؤكد توقعنا باننا أمام عملية استدراج للقوات الأوكرانية على غرار ما حصل مع الجماعات الإرهابية في معركة الكليات العسكرية في مدينة حلب.

:::::

12/09/2022

_______

  • تابعوا “كنعان اون لاين” Kana’an Online على موقعنا: https://kanaanonline.org/
  • ملاحظة من “كنعان”:

“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف”.

ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org