مقطع من مذكراتي، عادل سماره

  • من 4 أكتوبر 1984 إلى 4 أكتوبر 1987

لم يكن هاجسي للدراسة للحصول على شهادة جامعية كي أجد وظيفة، وقد يبدو هذا غريباً. فقد دخلت العمل الحزبي منذ المرحلة الثانوية وكنت من حينها اشعر أن حياتي هي سياسية وطنية وليست حياة طالب مدرسة. أذكر عام 1963 حينما طلب الرفاق الطلبة في حركة القوميين العرب التوقف عن النشاط التنظيمي للاستعداد للتوجيهية كنت الوحيد الذي لم يعلق نشاطه. أنهيت التوجيهية بمعدل منخفض جدا 58%.

وفر لي أخي فريد الذي كان في الجيش الأردني وفُصل لأسباب سياسية بعثة للدراسة في جامعة القاهرة فرفضت لأن ذلك ثمنا لنضاله هو. غضب طبعاً.

دخلت الجامعة اللبنانية لأدرس الاقتصاد على غير رغبة والدي الذي كان يريدني محامياً وسجلت في نفس العام أدب عربي في جامعة دمشق بحيث أتقدم للامتحانات في الجامعة اللبنانية في حزيران وفي دمشق في نوفمبر للعلم 1963-64، لأن في الجامعة اللبنانية ودمشق دورتين للامتحانات كل سنة لكنني اعتقلت في الأردن بعد حزيران.

وبعد السجن واصلت الانتساب للجامعة اللبنانية للسنة الثانية لكنني اعتقلت مجدداً ولم أكمل السنة.

ولاحقاً اعتقلت في الأردن وسُحب جواز سفري ولم أحصل عليه سوى في أيلول 1966، وأعدت تسجيلي للعام الدراسي 1967 ولكن لم أتقدم للامتحانات لأن تنظيم أبطال العودة قرر عودتي للأردن للعمل على ضوء حصول الحرب المؤكدة فعدت يوم 3 حزيران 1067 أي قبل الحر بيومين.

خلاصة القول لم أكمل السنة الثانية الجامعية.

حاولت في السجن لدى الاحتلال الدراسة بالانتساب من خلال الصليب الأحمر في اية جامعة في الخارج لكن إدارة السجن رفضت.

بعد خمس سنوات في السجن سجلت في جامعة بير زيت لكنني لم أحضر سوى يوماً واحداً.

في محاضرة ل د. بندلي جوزي، سأل: متى وُلد لويس الرابع عشر؟ قلت وهل هذا يهمنا أم المهم فترته السياسية والإصلاحات الاقتصادية لروشيليو، فقال مش عاجبك أخرج. فخرجت. وفي محاضرة ل د. يسرى قواسمي في الأدب العربي بعنوان “الأدب الجاهلي” قلت هل يصح أن نسمي اجدادنا جهلة، وكانوا يقيمون سوق عكاظ وذي المجنة وغيرها ويعتبرون جدار الكعبة لوحة إعلانات شعرية حرة. فقالت تفضل أخرج فخرجت ولم أعد.

حاولت لاحقاً العودة للدراسة في جامعة بير زيت لكن لم أُقبل. حينها كان ألكسندر فلوريس محاضر ألماني يكتب عن الحزب الشيوعي الفلسطيني قال لي: أن د. س.ت قال له عادل سماره لن يدخل هذه الجامعة. حاولت في جامعة بيت لحم مع د. أنطون صنصور وكان بيننا تعارفاً، فقال لي “بتخرِّب الجامعة”. وحاولت في جامعة النجاح من خلال د. عبد اللطيف عقل وأخي عبد الكريم الذي كان يعمل هناك ايضاً، ولكن تم رفضي ايضاً.

اقترح علي مازن مصطفى وزوجته هامه نحاس الدراسة في جامعة لندن كلية بيركبك على أن أقدم للجامعة عينة من كتاباتي وتم القبول على أن أدرس سنة تحضيرية كاستكمال للبكالوريوس وأنتقل إلى الماجستير وهناك يسمونها ماستر اوف فيلوسوفي  MPhil . تمكن المحامي محمد نعامنه من الحصول على قرار من المحكمة العليا للكيان بأن اسافر لبريطانيا بشرط البقاء ثلاث سنوات وإذا عدت قبلها بيوم أو شهر أوسنة اقضي تلك المدة في السجن، فسافرت يوم 4 أكتوبر 1984 وعدت يوم 4 أكتوبر 1987. ولاحقاً عدت إلى لندن عدة مرات لإكمال البحث والدفاع.

  خلال السنة الأولى في جامعة لندن سنة الماجستير MPhil اختلفت مع المشرف سامي زبيده وهو عراقي من الديانة اليهودية كان شيوعيا وتحول إلى مدرسة ماكس فيبر، على ورقة كتبتها واقتطفت فيها من سمير امين كما اختلفنا في نقاشات أخرى ولكن أنهيت الماجستير في سنة واحدة وخلال اختلافنا طلبت عرض ورقة اختلفت عليها مع المشرف على محكميْن من الجامعة هما بول هيرست (نسيت اسم الآخر) فوضعوا عليه علامة عالية جدا.

بعدها فكرت في العودة وناقشت ذلك مع د. عزيز العظمة، فقال: لا، أكمل كي تكون لك وظيفة قوية في فلسطين. قلت له لن أتمكن من التعليم هناك. قال: ولماذا أتيت للحصول على شهادة؟ قلت كي أتطور.

 قررت الانتقال إلى جامعة إكستر بترتيب مع د. عزيز العظمة، وأنهيت الدكتوراة هناك.

لم تكن لدي منحة دراسية فاستدنت من الصديقة د. رحاب عيساوي 5000 دولار سددتها لاحقاً وعملت في لندن في البناء وقيادة سيارة سرفيس بلا رخصة ومحرر اقتصادي في جريدة العرب وترجمة كتب وإعدادها في حلقات للصحف لمركز دراسات للسيد عمر الحسن …الخ.

قبيل انتهاء مدة الحكم بالبقاء في الخارج ثلاث سنوات جرى اغتيال ناجي العلي عصر 22 تموز 1987، وكنت ممن كتبوا ضد التطبيع وضد اغتياله. وممن شارك في الجدل كان الراحل إميل حبيبي الذي اتهمني بالهروب من النضال إلى لندن! ولأن الشيء بالشيء يُذكر إتهمني “فتى المحرقة/الوريث السري لفتى الموساد في دمشق” بالهرب من النضال حيث سافرت إلى إسبانيا لمؤتمر قبل انتفاضة 2000 بيومين حيث موعد المؤتمر وكأن الانتفاضة كانت خطة انقلاب محددة اليوم والساعة!

 إثر الجدل مع المطبعين جرى تهديدي بالاغتيال فاضطررت لإعادة عناية وابنتي سمر وابني يزن للوطن على أن الحق بهم حين انتهاء مدة المنع. ولذا عدت يوم 4 أكتوبر 1987.

ملاحظة: ليس هذا كل شيء عن تلك الفترة ولكن حصرته فقط في ظروف السفر والعودة.

_________

ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف. ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.