نشرة “كنعان”، 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2022

السنة الثانية والعشرون – العدد 6406

في هذا العدد:

لأنهم لصوص بلا نفط…وأكثر، عادل سماره

كي لا ننسى، الطاهر المعز

  • المغرب – للذكرى 28 تشرين الأول/اكتوبر 2016 – 2022
  • ذكرى اغتيال المهدي بن بركة 

مع اقتراب موعد القمة العربية، د. موفق محادين

  • الجامعة العربية كما أرادتها بريطانيا

انتخابات الكنيست الصهيوني: “انا راح اصوت للتجمع”، شهد عامر

قراءة في كتاب “أولياء الشرق البعيد”، لمؤلفه الدكتور بشار الجعفري، قراءة نارام سرجون

✺ ✺ ✺

لأنهم لصوص بلا نفط…وأكثر

عادل سماره

رغم أن فؤاد السنيورة دفن موضوع نفط لبنان لعشر سنوات، لم يتكلم رافضو ترتيبات النفط اللبنانية الأخيرة. ورغم أن الاعتراف بالكيان حين كان نُطْفة ز.ن.ى سياسي معولم بدأ من أعوام 1916 و1917 و1918 وتواصل حتى المشاركة في حرب 1948 تحت قيادة خالقي الكيان، ورغم اتفاقات كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربه وتطبيع عريض امتد من أبو ظبي حتى حاكم المغرب، لم يتكلم كل المولولون إلا حينما حصلت ترتيبات عون وذي العمامة السوداء. هناك ترتيبات الهدنة منذ 1948 بين دول الطوق والكيان المحتل، وهي ترتيبات لا بد منها لأن عدم وجودها يعني أن يزحف الكيان ويسرق التراب، ولا يختلف ترتيب النفط عن هذا، وكليهما ليس اعترافا بالكيان. لكن الهجوم فقط على ترتيبات النفط اللبناني والزعم أن الكيان هو الرابح!
لم يتكلم أحد عن نفط العراق الذي يُصدر علانية منذ اغتيال الشهيد صدام حسين عبر كردستان العراق إلى تركيا ثم إلى الكيان، ولم يتحدث هؤلاء ولا غيرهم لأنهم سكرى باغتيال العراق!
وصل التشكيك من لصوص لبنان والطابور السادس الثقافي حد الزعم بأن الفريق اللبناني جلس مع الفريق الصهيوني! وغالبا هذه تسريبات سلطة الكيان وسيدته امريكا/العدو الأكبر. لكن، هل تعرفون كم حاكم ومثقف فلسطيني وعربي جلس مع الكيان سرا وعلانية!
حتى الطيبين يسألون وهل سوف يستفيد لبنان من النفط، أو هل سينقض الكيان الترتيبات لاحقاً حين يجد فرصة؟
ونقول بوضوح: الكيان ليس دولة ولا شعب، رغم كل تقدمه التقني الممنوح له، الكيان معسكر في حالة حرب، فرقة مسلحة بكل اسلحة العدو الغربي أُرسلت هنا في مهمة حربية اساساً، ولذا كل يوم يمكن أن يقوم بعدوان، ولا يتوانى سوى في حالة الصد أو العجز.
لكن، ما الحكمة في نقد الترتيبات لأن الكيان قد ينقضها؟
لماذا لا تكون الحكمة في:
فصل الترتيبات عن احتمال الحرب
والتذكر بأن الكيان أُرغم على الترتيبات وبأن من أرغمه قادر على منعه أو مواجهته.
صحيح أن بداية التشكيك كانت من حكام لبنان الخلفيين، الحقيقيين اي الذين ينسقون بل يتلقون التعليمات من السفارة الأمريكية تترجمها لهم السفارة السعودية والسفارة الفرنسية. وهؤلاء لا يحتاجون النفط، فمليارات الشعب اللبناني هي في حساباتهم البنكية خارج لبنان، لقد أخذوا نصيب الشعب في الدنيا ولا ندري ربما في الآخرة.
لذا وظيفتهم التشكيك وخاصة أنهم أثروا بلا حدود.
لكن من يؤيدونهم هم حالة قطيعية غريبة. فلنتخيل أن يكون مبرر بعض هؤلاء: “لا يجب التوصل للترتيبات النفطية في عهد عون”! هل يُعقل منع إفادة البلد من ثروته نكاية في رجل! هل يُعقل أن يقبل هذا عاقل! أليست هذه خيانة عظمى!
من مأثورات ماو تسي تونغ: “تجرَّأ على النصر” أما في هذه الحالة اللبنانية سواء نظام الظل ومثقفي الطابور السادس بل وفي كل الوطن فالشعار والممارسة “تجرَّأ على الخيانة” ويحصل.

✺ ✺ ✺

كي لا ننسى:

المغرب – للذكرى

28 تشرين الأول/اكتوبر 2016 – 2022

الطاهر المعز

ذكرى وفاة بائع السّمك “محسن فكري” الذي احتجزت السلطات أسْماكه (رأس ماله) بمدينة “الحُسَيْمَة”، بمنطقة الرّيف، شمال المغرب، مطحونًا داخل شاحنة نفايات، بأمر من ممثّل السّلطات المحلّية، وكانت هذه الحادثة المأساوية منطلقًا للتظاهرات التي عُرفت ب”حراك الرّيف” والتي دامت قرابة تسعة أشهر، وحازت تعاطفًا كبيرًا، داخل البلاد وخارجها، وواجهت السلطات المُحتجّين بالقمع والاعتقالات وأص​​درت المحاكم أحكامًا بالسّجن النّافذ، وصلت إلى عشرين سنة…

يُذْكَرُ أن منطقة الرّيف كانت تُشكل جزءًا من جمهورية ( 1921 – 1926) الثائر محمد بن عبد الكريم الخطابي (1882 – 1963) الذي حارب الجيوش الفرنسية والإسبانية وانتصر في معركة “أَنْوال” سنة 1920، فاستخدم الجيش الفرنسي، بقيادة فليب بيتان (عميل ألمانيا النّازية لاحقًا) والجيش الإسباني بقيادة الجنرال فرانكو الطيران الحربي والقنابل الحارقة والأسلحة المحرّمة، فانهزمت الجمهورية ونُفِيَ الخطابي إلى جزيرة “لاريونيون” (مستعمرة فرنسية، قرب مدغشقر) ثم انتقل إلى القاهرة سنة 1947، حيث أسّس مكتب تحرير المغرب العربي…   

أهملت الدّولة المغربية الحديثة منطقة الرّيف (كما العديد من المناطق الأخرى) التي شهدت سنتي 1958 و 1959، أول انتفاضة بعد الاستقلال (1956)، وهي الخَلْفِيّة التي يُذَكِّرُ بها البعض، لكن المطالب الاقتصادية والاجتماعية، كالعمل والتعليم والرعاية الصحية، تصدّرت المشهد في انتفاضة 1983/1984 ضد برنامج التّكَيُّف الهيكلي، كما في انتفاضة 2017/2017، كما حصل في احتجاجات المناطق الأخرى، سابقًا (سيدي إفني جنوب البلاد ( 2005 و2008 ) وطنجة سنة 2015، ولاحقًا في جرادة شرقي البلاد ( 2017/2018) وغيرها.

لم يتغيّر الوضع، بل زادت حدّة القمع ليشمل الصحافيين والفنانين، واتّضحت عمالة النظام المغربي عبر تعزيز علاقات التبعية للإمبريالية الأمريكية والأوروبية والكيان الصهيوني…  

ذكرى اغتيال المهدي بن بركة 

وُلد بمدينة الرّباط (كانون الثاني/يناير 1920) وتم اختطافه بباريس، واختفاؤه يوم 29 تشرين الأول/اكتوبر 1965 بتعاون بين أجهزة الاستخبارات الفرنسية والمغربية والصهيونية

كان خلال عقد الأربعينيات من القرن العشرين أحد رموز المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي، وبعد الاستقلال أصبح، بداية من سنة 1956، من أشدّ المُعارضين لسياسة الملك محمد الخامس ثم ابنه الحسن الثاني.

غادر حزب الاستقلال وأسّس، سنة 1959، حزب “الاتحاد الوطني للقوات الشعبية” الذي يدعو إلى وضع حدّ للنظام الملكي وتأسيس الجمهورية المغربية، وتمت محاكمته عندما كان بالمنفى، بداية من سنة 1963، واتُهم بالخيانة العظمى وحُكِم عليه غيابيا بالإعدام بذريعة على تنظيم مؤامرة مزعومة ضد الملك الحسن الثاني، وتم اختطافه واغتياله عن 45 سنة (سنة 1965) ولم يُعْرَفْ بعدُ مكان وطريقة قتله وإخفاء جثمانه، ولا تزال المنظمات الحقوقية المغربية والفرنسية تطالب بكشف تفاصيل جريمة خطفه وقتله.

ذاع صيته في الخارج، خاصة في دول أمريكا الجنوبية والدّول العربية وبعض الدول الإفريقية والآسيوية، وكان قبل اختطافه واغتياله يستعد للالتحاق بـ”مؤتمر القارات الثلاث” في هافانا (عاصمة كوبا) الذي يجمع العشرات من حركات التحرير والمنظّمات الثورية والأحزاب المناهضة للاستعمار… 

✺ ✺ ✺

مع اقتراب موعد القمة العربية

الجامعة العربية كما أرادتها بريطانيا

د. موفق محادين

هل هناك ما يثير الدهشة من موقف الجامعة من التطبيع الخليجي وعدم اعتذارها حتى الان لسوريا، ومما وصلت إليه في سنواتها الأخيرة.

1. شهدت (جامعة الدول العربية) أكثر من محطة عند تأسيسها: بروتوكول الاسكندرية 1944م ثم ميثاق الجامعة 1945م الذي وقعته مصر، وسوريا، والأردن، واليمن، والسعودية، والعراق ولبنان، وقد تعاقب على أمانتها العامة: عبد الرحمن عزام حتى عام 1952 وهو مصري، ثم عبد الخالق حسونة طوال العهد الناصري ثم محمود ریاض ثم الشاذلي القليبي قبل ان تعود الى المصريين.

2. أما الجهات التي وقفت خلف تأسيسها فهي مراكز بريطانية مما انعكس في تنافس حكومات العراق ومصر (الصديقة) لبريطانيا آنذاك، وتحديدا حكومة نوري السعيد في العراق وحكومة مصطفى النحاس في مصر، حيث ادعى كل منهما أنه صاحب المبادرة، بينما صاحب المبادرة الحقيقي هو انطوني ايدن، وزير الخارجية البريطانية الذي صاغ المبادرة على طريقة وعد بلفور (تنظر بريطانيا بين العطف إلى رغبة العرب في شكل من الاتحاد.. الخ).

ومهندس الجامعة هذا السيد ایدن، هو مهندس العدوان المشترك مع العدو الصهيوني والاستعمار الفرنسي على مصر 1956 بعد أن قام زعيم الأمة وقائدها التاريخي جمال عبد الناصر بتأميم الشركة البريطانية – الفرنسية لقناة السويس وأعاد ملكيتها إلى الشعب المصري.

وقد سقط كل الذين تورطوا في هذا العدوان، ايدن في بريطانيا وبلوم في فرنسا، وقادة رجعيون أتراك وعرب.. ما يذكرنا أيضاً بالنسخة الحالية منهم في باريس ولندن وفي محمياتهم أيضاً، كما في اسطنبول (مندريس) الذي يشبه اردوغان وإسلامه الأمريكي الذي أسس قاعدة إنجرليك الامريكية.

3. إضافة للوظيفة البريطانية للجامعة في الالتفاف على فكرة الوحدة العربية بإنشاء اتحاد لكيانات عربية مبرمجه على مقاس اتفاقية سايكس بيكو وغيرها فقد وفرت في عقودها الأخيرة أخطر غطاء دولي وإقليمي للعدوان على الأمة وتمرير مشروعات التسويق الصهيوني، وكان هناك دائماً توافق بين أعداء الأمة والقوی الرجعية ومحميات نفطية معروفة ومن أخطر هذه المحطات: التغطية على العدوان الصهيوني على المقاومة الفلسطينية واللبنانية والجيش السوري في البقاع 1982 وذلك بتمرير ما عرف بمشروع أو مبادرة فاس الثانية ومشروع ريغان لتصفية القضية الفلسطينية، ثم التغطية على العدوان الأمريكي الأطلسي الرجعي على العراق مرتين 1996 و2003 ثم التغطية على عدوان مماثل على ليبيا، ثم التغطية على مشروع تدمير سوريا.

4. وكما تلاحظ دراسة الدكتور مجدي حماد حول الجامعة الصادرة عام 2004 فإن إحلال المظلة الخارجية ظل علاقة واضحة في عمل الجامعة منذ نهاية العهد الناصري وهيمنة الحقبة النفطية التي استدعت اضعاف وتدمير مراكز الامة الحضارية لصالح القوى لنفطية الصحراوية المتكاملة مع العدو الصهيوني.

وليس بلا معنى ان مراكز الامة الاساسية، اما مهمشة سياسيا، اما مدمرة مثل العراق، واما برسم الاستنزاف اليومي مثل سوريا ناهيك عن اخراجها من الجامعة مقابل الحضور المتزايد لعواصم التطبيع والتبعية والقواعد العسكرية الامريكية.

::::

المصدر: صفحة الكاتب على الفيس بوك

✺ ✺ ✺

انتخابات الكنيست الصهيوني: “انا راح اصوت للتجمع”

شاهد عمر

لفت نظري ما نشرته د. هنيده غانم كدعاية انتخابية لأحد المرشحين للكنيست الصهيوني”انا راح اصوت للتجمع..اعرف سامي ابو شحادة منذ اكثر من عقدين ، وبكل موضوعية وصراحة نادرًا ما قابلت انسان بدماثته وانتماءه ومصداقية. سامي وطني بلا ابتذال ، قيادي بلا شعبوية، وشجاع جدًا .ثقتي به عالية ، والحب الذي بحيطه به الناس بسبب خطابه اولا وصفاته الشخصية ثانيًا يدفئ القلب اتمنى ان ينجح سامي بخلق حالة وطنية جديدة تعيد الثقة للجيل الشاب بالنضال والنشاط الوطني، وتفتح افاق جديدة لاعادة بناء واسعة ..ابو الناجي يستحق دعمنا.. .”. لست أدري كيف يمكن لمحاضرة في مستوى جامعي تعيش تحت الاحتلال الذي اغتصب الأرض ويُمعن في شعبنا قتلا ويتمتع بذلك، كيف يمكن لها أن لا تقف ضد مجرد الترشح والانتخاب لهكذا برلمان! لكن السيدة هنيده هي من حزب عزمي بشاره فتى الموساد .وبشاره اليوم يُقيم امبراطورية إعلامية لتخريب الثقافة والسياسة العربية. وهنيده على طريق عزمي بشاره تقف ضد سوريا التي تتعرض منذ أكثر من عشر سنوات لإرهاب مسلح وإرهاب اقتصادي امريكي ينفذه تابعوها العرب. هنيده تقوم بنفس الدور الذي يقوم به فريق ما يسمى المسار الثوري البديل الذي يقف ضد سوريا ويزعم أنه بديلاً. وما يقوم به دُعاة دولة واحدة لنكون تحت احذية الصهاينة!!! والسؤال: ماذا يقول الطلبة والطالبات لهنيدة “هانم” حين تقف أمامهم وتعلمهم/، ماذا تعلمهم؟ غير حب الكيان الديمقراطي جدا جدا . حتى هنا “ماشي الحال”، ولكن تُرى، هل ستصل هنيدة من توزيع الثقافة الخطيرة إلى توزيع أموال قطر؟

:::::

المصدر: صفحة الفيس بوك للكاتبة

Shahd Amer

https://www.facebook.com/shahad.amer.71

✺ ✺ ✺

قراءة في كتاب “أولياء الشرق البعيد”

لمؤلفه الدكتور بشار الجعفري

قراءة نارام سرجون

من فضائل الهزائم انها تلقي علينا الدروس .. وتطرح علينا أسئلة كنا نتجاهلها ونعاملها بلامبالاة ان لم نطردها باحتقار كما يفعل الحمقى .. ورب هزيمة كانت خيرا من النصر اذا كان النصر سيقودنا الى جهالة وجهل او غرور وطيش وغفوة عن الزمان ..
ان تشريح الهزيمة هو جزء من البحث عن النصر .. ولاشك اننا لازلنا في بحث طويل يفسر لنا هذه الحالة التي نمر بها كمجتمعات مرت بنكبات وأهوال وهي تعيد انتاج نفس الاخطاء دون ان تتجنبها ..
ومثلي مثل كثيرين لاأزال أبحث في كتب التاريخ عن تلك الثقوب السوداء العملاقة التي تشبه الثقب الاسود الذي سيمتص كل الكون يوما .. في تاريخنا ثقوب سوداء مثل ثقب الفتنة الكبرى وثقب موت الفلسفة العقلية وثقب انتصار النص على العقل في طريقة تفكيرنا .. وهناك ثقب أسود كبير هو الثقب العثماني الذي سقطنا فيه 400 سنة كاملة .. وهناك الثقوب الاستعمارية التي تسببت في تدمير مجتمعاتنا وتفتيتها ..
فهذه الثقوب السوداء في تاريخنا تمتصنا ونسقط فيها كما نسقط في مجال مغناطيسي لكوكب .. فلهذه الثقوب السوداء قوانين جاذبيتها التي لاتقهر كلما اقتربنا منها .. وكلما اقتربنا منها امتصتنا بسرعة وهوينا الى مهاويها السحيقة لا حول لنا ولاقوة ..

وفي بحثي المستمر عن هذه الثقوب السود كنت ألوم الثقافة يوما وفي يوم آخر ألوم الدين والتراث .. واحيانا ألوم الاستعمار والغرب .. ولكن علينا نحن لوم يجب ان نتعرف عليه وهو أننا لم نضع خارطة للثقوب السوداء الرهيبة – كما خرائط الالغام – التي كلما اقترب منها المجتمع والناس سقطوا فيها كما تسقط الطائرات وتغوص السفن في دوامات مثلث برمودا وتختفي .. يجب علينا ان نضع أسوارا واسلاكا شائكة تمنع الناس من الاقتراب من تلك الثقوب لأنها للأسف خطرة جدا ومن يقترب منها ستسحبه تياراتها العنيفة وينتهي أمره .. وعلينا ان نقرأ الربيع العربي على انه فتح حقير للثقوب السوداء في العقل العربي لم نغلقها فسقطنا في دواماتها العنيفة ولم نخرج منها بعد .. ولايزال البعض يقف حارسا يمنعنا من أن نردم هذه الثقوب او أن نسيجها ونمنع الاقتراب منها ..

واجبنا كنخب وطبقة مثقفة معنية .. ان نبحث دوما في تشخيص عللنا ومشاكلنا وأن ننتهز فرصة الوجع والحمى وارتفاع درجة حرارة الأمة في عللها وسقمها من أجل دراسة دمها وتجرثمه في ساعة الحمى كي نعطيها الدواء الصحيح والمضاد الحيوي المناسب ..

في كل كتاب وفي كل عمل فكري هناك محاولة للرتق ومحاولة للتشخيص والعلاج .. ومن بين الاعمال الفكرية الهامة التي وقعت بين يدي كتاب هام جدا وبديع من تأليف من لم أتوقع ان يكون من أصحاب البحوث التاريخية العميقة التي تريد ردم الثقوب السوداء في العقل العربي .. وهو الديبلوماسي الأممي الدكتور بشار الجعفري .. نعم انه نفس الدكتور بشار الجعفري الذي عهدناه ديبلوماسيا رفيعا في الامم المتحدة .. وربما هذا الفهم لعقدة المشكلة في العقل العربي هو الذي قاده لفهم عقدة الخصم أيضا الذي كان يستهدف العقل العربي .. فناوره وبارزه وهو على دراية بما يبارز ..

سيفاجا الكثيرون بأن الدكتور بشار الجعفري يخفي شخصية أخرى مثيرة للاهتمام والاعجاب في ثنايا روحه لاتشبه مانعرفه عنه .. فصورته التي حفرت في الذاكرة لاتنسى وهو في مجلس الامن يتحدث في السياسة بالانكليزية ويقتبس بالفرنسية ويشكو العروبة والعرب بالعربية .. في ذاكرتي وذاكرة الجميع هو أستاذ الديبلوماسية المخضرم الذي كان يطلق النار الديبلوماسية في مجلس الامن وينسف الاقتحامات الانتحارية للمندوبين الغربيين الذين كانوا يهاجمون سورية ليلا نهارا .. في هجمات متتالية في تنسيق مع هجمات جبهة النصرة وداعش وموجات الانتحار البشري الذي كانت تقوم به فصائل المعارضة الارهابية بكل اشكالها .. ففي عقب كل هجوم على الجيش السوري او قبله كان لابد من قصف غربي امريكي تمهيدي بالمدفعية الديبلوماسية الثقيلة يترافق مع هجوم ديبلوماسي في مجلس الامن على المندوب السوري الذي خاض أقسى المواجهات وأعتاها مع عقول الشر والحرب .. وكان في موقع لايحسده عليه أحد وهو يتلقى السهام التي لاتتوقف عن الانهمار مثل المطر على موقف سورية الدولة الوطنية ..

ولكن ليس هذا هو كله الدكتور بشار الجعفري .. فهناك جانب مختلف فيه لم أتعرف عليه وهو انه باحث في التاريخ وروائي من طراز رفيع .. وقد قدم عملا روائيا تاريخيا مثيرا للدهشة في عمله الكتابي المسمى (أولياء الشرق البعيد) أساطير مجهولة في أقاصي المعمورة .. كتبه عندما كان في العمل الدبلوماسي في الشرق الأقصى.. وهو رواية تاريخية حول انتشار الاسلام في أرخبيل الملايو .. والحقيقة أن البحث حاول أن يفسر لنا طريقة وصول الاسلام الى أقاصي الشرق بعيدا عن التخمين وعشوائية التحليل فأعاد قراءة تلك المرحلة وشخصياتها .. صبها في قالب روائي فأعاد رواية التاريخ عبر رواية حقيقية.. ولكن وفيما هو يقدم تلك المرحلة وقع على كنز آخر .. وهو ان تاريخنا اليوم هو استعادة لتاريخنا بالأمس .. وأن ماعانيناه اليوم من فوضى ومن أزمات عقل وأزمات عقيدة هي من نفس منجم الخيبة .. والمرض الذي أصاب النفوس دوما .. في ذلك العمل البديع يتخلص الدكتور الجعفري من ثوب الديبلوماسي وربطة عنقه والقيود الرسمية للديبلوماسي الرصين ويشمر عن ساعديه ويبدأ في جس نبض التاريخ .. وفحص القلب والبطن والصدر .. وتدفق الدم في العروق .. ويقوم بعملية تحقيق مرهقة في أحداث تاريخية ويقوم بعملية نقل لها على شكل قصة وحكاية عن فترة اللااستقرار في المنطقة العربية في القرن الرابع والخامس الهجريين حيث الخلافة العباسية تعيش فترات من الفوضى والاضطرابات والمد والانحسار في قوتها .. ولكن يتبين للقارئ أن هذا الاضطراب والدوامات السياسية كانت سببا في دفع مجموعة من السادة الاشراف لمغادرة المنطقة العربية والابتعاد عن هذه الصراعات والتوترات السياسية والدينية والاستقرار في أقاصي الشرق .. ومن هناك بدأت عملية انتشار الاسلام .. التي لاتزال مصدرا للتساؤلات ولغزا من الالغاز .. وينسبها البعض للتجار المسلمين .. لكن الحقيقة هي انها نشاط دعوي ونموذج أخلاقي وانساني فذ لعائلات عربية أصيلة .. وهم الاولياء التسعة او (والي سونغو) رؤساء الدعوة الاسلامية في ارخبيل الملايو..

اذا ماقرأت الكتاب يساورك شعور غريب انك تقرأ مايعيشه الشرق اليوم من فوضى واقتتال وتنمر وطغيان الفئات على الفئات والنزعات الطائفية والتهافتات السياسية .. ولايخامرك شك ان معاهد الابحاث الغربية قد درست هذه الاحداث وحللت الشخصية العربية والمشرقية التي بنتها أحداث هذا التاريخ .. ولذلك كانت عملية احيائها سهله وثقب العقل العربي مجددا من تلك الثقوب القديمة بعد ان نجحت مرحلة الصراع مع الاستعمار الغربي في تحييد هذه النزعة التناحرية وهذه الانشقاقات الطائفية ..

هذه المرحلة القلقة من التاريخ اليوم ليست وليدة اليوم بل جذورها قديمة … فثورات الزنج وثورات القرامطة والثورات الداخلية والصراعات والدسائس التي لانهاية لها تشبه في منطقها وطبيعتها اليوم مانطلق عليه الربيع العربي .. فهناك كم كبير من العنف والاستهتار بحياة الناس .. وهناك حركة نزوح كبيرة ولجوء كبير الى دول الجوار .. وهناك هجرة ورحيل الى أقاصي الارض بحثا عن الأمان من فجور الثورات وفجور الساسة والسياسيين .. وهو في النهاية تفجر المجتمعات بسبب تدني المستوى القيمي والاخلاقي في أوساط نخبها وأجيالها .. فيسقط الجميع في الانهيار الاخلاقي الذي يتلوه انهيار اقتصادي وفقر وهذا سيتلوه نزاعات وحروب ومطاحن ومعارك تزيد الفقر فقرا وتزيد الجهل جهلا وتأكل من مخزون الاخلاق أكثر .. فيزداد الأمر سوءا على سوء وتعيد الازمات انتاج نفسها .. وربما كانت كلمة السر في هذه الفوضى في تلك المرحلة هي في تدني المستوى الاخلاقي للنخب السياسية والثقافية والسياسية .. انه انهيار شامل في القيم الاخلاقية بين شرائح النخب والحكم ..

ماحدث اليوم حدث بالأمس .. فرغم ان هناك اليوم صراعا لفصل الدين عن الدولة منذ زمن الا انه لاتوجد محاولة لربط الدين بالأخلاق .. فكي نحل أزمة الدين عندما يفصل عن الدولة يجب ان نربطه بالأخلاق .. فنقرأ في الكتاب كيف ان ضعف الدولة المركزية وتشتت قواها بسبب تشتت رأيها وانفصال الدين عن الاخلاق وارتباطه بالدولة وفسادها .. أوصل صبيان الحكم الى حلبة السلطة وهم الذين كانوا يتقافزون ويتقاتلون من أجل المناصب والمال ويتناهشون البلاد (حيث تفلت الصيدة منهم) .. وهم أنفسهم أصحاب تلك المرحلة القديمة التي أنتجت اليوم شيوخ النفط وأمراء النفط وملوك النفط والاخوان المسلمين الحاليين الانتهازيين .. ويكاد القارئ يشهق ويجحظ بعينيه من حجم التطابق بين تلك المرحلة وبين هذه المرحلة وكأنه يقرأ الربيع العربي بنسخة القرون الهجرية الأولى وبغياب أسماء برنار هنري ليفي ومجلس الأمن ولكن ذلك الزمان كان فيه تدخلات خارجية داخل قصر الخلافة العباسية وداخل الوزارات ولهم برنارهم ومجلس أمنهم في ذلك الزمان .. وكانت هناك انشقاقات وتمردات ودسائس .. لاتنتهي ولاتتوقف .. وكأنك تقرأ عن دسائس دول الخليج وعن كواليس جامعة الدول العربية المعيبة ..

الكتاب مذهل ومدهش في سرده لدور آلاف الشخصيات والأسماء التاريخية التي يمر عليها الكتاب في صناعتها للتاريخ والاحداث والجغرافيا .. في شكل مكثف وسرد مبسط .. وهناك كم كبير من الهوامش الثورية بالمعلومات اليقينية التاريخية.. ولكنه رسالة كثيفة جدا من أن الهزيمة الحقيقية تأتي من الداخل ومن طريقة التفكير ومن عدم قدرة الناس على التمييز بين الغث والسمين وبين الحق والباطل وبين الخديعة والذريعة .. وبين الدين والاخلاق .. وهذا ماسلط قوى الشر عليهم ..
في هذا الكتاب الثمين والكثيف الذاكرة تضع يدك على كم هائل من الثقوب في الشخصية والثقافة العربية .. ولكن أعظم هذه الثقوب هو الثقب الاخلاقي الذي نجم عن فصل الدين عن الاخلاق .. فهناك مشكلة في ان الدين الذي تولاه وعاظ السلاطين والساسة والخلفاء لايعترف بالأخلاق الا على انها صادرة عنه وأنه أبو الاخلاق ومالكها وهي ملك يمينه ويحق له التصرف بها وتغييرها .. فتصبح الخيانة والغدر والدسائس مبررة لأن لها غطاء دينيا من الصلاة والزكاة والنفاق كما اليوم .. فيسقط الدين وتسقط الدولة والمجتمع .. ولذلك فان الدين هو الذي كان يفصّل الاخلاق على مقاسه دوما في كل الفترات .. ولايعترف بسطوتها ومكانتها الا على انه فرع منه ..رغم ان الدين هو أحد فروع الاخلاق الانسانية .. مع ان الدين مكمل لها والاخلاق هي قلب الدين .. واذا كانت الاخلاق مثل الماء فان الدين هو ذلك الوعاء الذي يحويها ويحتويها ونشربها منه .. ولكن الاهتمام بالوعاء وزخارفه جعله مثقوبا .. بلا ماء .. فماذا ينفعنا ذهب الوعاء اذا كان الوعاء بلا ماء؟؟ عندما تنفصل الاخلاق عن الدين فان الدين يصبح بلا أخلاق .. وتصبح الأخلاق منفلتة تبحث عن وعائها الذي انكسر . فتسير على تراب الارض وتتحول الى مستنقعات وبرك آسنة للبعوض والحشرات ..

المدهش في قصة انتقال الاسلام عبر القيم الاخلاقية التي حملها الاوائل الهاربون من الاضطهاد الديني في الشرق العربي نحو أقاصي الشرق الاسيوي انه قدم نموذجا بديعا للاسلام الروحي الصوفي المتسامح المشبع بالاخلاق والتسامح والذي حمل الأخلاق معه .. وترى البيت الواحد فيه الأخ مسلم وأخته مسيحية دون ان يكون هناك قتل وتكفير .. وذبح وحروب ..

نحن سنبقى غير قادرين على رتق ثقوبنا العقلية لأنه لايزال يمكن للدين ان يفعل مايشاء طالما انه ينفذ الوصايا العبادية من صلوات وزكاة وحج .. وهذا ماحدث عندما تقرر ان الاسلام بني على خمس .. وكل أركانه الخمسة طقوس تؤدى للخالق وليس هناك اي التزام للمخلوق .. وليس هناك اي قاعدة لاعلاء شأن الاخلاق الفردية .. بذريعة ان الخوف من الخالق سيحمي المخلوق من قلة الاخلاق لأنه سيطيع تعاليم الخالق .. ولكن هذا الشيء هو ماتسبب بالخلل في قراءة الاسلام والاديان عموما .. اذ ان ربط الدين بالأخلاق هو مايحمي الدين من السقوط الاخلاقي .. ولذلك فان المسيحية تآكلت عقائديا عندما صارت الأخلاق فيها هي جمع المال لبناء الكنائس فنهض مارتين لوثير متمردا ليرتق الثقب الذي صنعته الكنيسة في أخلاق الايمان المسيحي .. وهذه الثورة كانت ثورة أخلاقية في جوهرها .. واستمرت في سلطتها على الضمير المسيحي الذي أطلق عصر النهضة .. واستمرت في انتاج النهضة والتطور الفكري الى أن سقطت المسيحية في اوروبة عندما انتصرت أخلاق الهيكل عليها وأخلاق راسالمال اليهودي .. وهي أخلاق الصيارفة والمرابين وأصحاب فكر الغزو والاستعمار .. فصارت اوروبة تابعة للهيكل .. في اميريكا .. كما هو اسلام هذا الزمان.. اسلام في خدمة الهيكل..

:::::

مدونة الكاتب

الثقوب السوداء في الكون العربي .. كتاب غير ديبلوماسي للديبلوماسي الأول

__­­­­­_____

تابعونا على:

  • على موقعنا:
  • توتير:
  • فيس بوك:
  • ملاحظة من “كنعان”:

“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.

ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org

السنة الثانية والعشرون – العدد 6406

في هذا العدد:

لأنهم لصوص بلا نفط…وأكثر، عادل سماره

كي لا ننسى، الطاهر المعز

  • المغرب – للذكرى 28 تشرين الأول/اكتوبر 2016 – 2022
  • ذكرى اغتيال المهدي بن بركة 

مع اقتراب موعد القمة العربية، د. موفق محادين

  • الجامعة العربية كما أرادتها بريطانيا

انتخابات الكنيست الصهيوني: “انا راح اصوت للتجمع”، شاهد عمر

قراءة في كتاب “أولياء الشرق البعيد”، لمؤلفه الدكتور بشار الجعفري، قراءة نارام سرجون

✺ ✺ ✺

لأنهم لصوص بلا نفط…وأكثر

عادل سماره

رغم أن فؤاد السنيورة دفن موضوع نفط لبنان لعشر سنوات، لم يتكلم رافضو ترتيبات النفط اللبنانية الأخيرة. ورغم أن الاعتراف بالكيان حين كان نُطْفة ز.ن.ى سياسي معولم بدأ من أعوام 1916 و1917 و1918 وتواصل حتى المشاركة في حرب 1948 تحت قيادة خالقي الكيان، ورغم اتفاقات كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربه وتطبيع عريض امتد من أبو ظبي حتى حاكم المغرب، لم يتكلم كل المولولون إلا حينما حصلت ترتيبات عون وذي العمامة السوداء. هناك ترتيبات الهدنة منذ 1948 بين دول الطوق والكيان المحتل، وهي ترتيبات لا بد منها لأن عدم وجودها يعني أن يزحف الكيان ويسرق التراب، ولا يختلف ترتيب النفط عن هذا، وكليهما ليس اعترافا بالكيان. لكن الهجوم فقط على ترتيبات النفط اللبناني والزعم أن الكيان هو الرابح!
لم يتكلم أحد عن نفط العراق الذي يُصدر علانية منذ اغتيال الشهيد صدام حسين عبر كردستان العراق إلى تركيا ثم إلى الكيان، ولم يتحدث هؤلاء ولا غيرهم لأنهم سكرى باغتيال العراق!
وصل التشكيك من لصوص لبنان والطابور السادس الثقافي حد الزعم بأن الفريق اللبناني جلس مع الفريق الصهيوني! وغالبا هذه تسريبات سلطة الكيان وسيدته امريكا/العدو الأكبر. لكن، هل تعرفون كم حاكم ومثقف فلسطيني وعربي جلس مع الكيان سرا وعلانية!
حتى الطيبين يسألون وهل سوف يستفيد لبنان من النفط، أو هل سينقض الكيان الترتيبات لاحقاً حين يجد فرصة؟
ونقول بوضوح: الكيان ليس دولة ولا شعب، رغم كل تقدمه التقني الممنوح له، الكيان معسكر في حالة حرب، فرقة مسلحة بكل اسلحة العدو الغربي أُرسلت هنا في مهمة حربية اساساً، ولذا كل يوم يمكن أن يقوم بعدوان، ولا يتوانى سوى في حالة الصد أو العجز.
لكن، ما الحكمة في نقد الترتيبات لأن الكيان قد ينقضها؟
لماذا لا تكون الحكمة في:
فصل الترتيبات عن احتمال الحرب
والتذكر بأن الكيان أُرغم على الترتيبات وبأن من أرغمه قادر على منعه أو مواجهته.
صحيح أن بداية التشكيك كانت من حكام لبنان الخلفيين، الحقيقيين اي الذين ينسقون بل يتلقون التعليمات من السفارة الأمريكية تترجمها لهم السفارة السعودية والسفارة الفرنسية. وهؤلاء لا يحتاجون النفط، فمليارات الشعب اللبناني هي في حساباتهم البنكية خارج لبنان، لقد أخذوا نصيب الشعب في الدنيا ولا ندري ربما في الآخرة.
لذا وظيفتهم التشكيك وخاصة أنهم أثروا بلا حدود.
لكن من يؤيدونهم هم حالة قطيعية غريبة. فلنتخيل أن يكون مبرر بعض هؤلاء: “لا يجب التوصل للترتيبات النفطية في عهد عون”! هل يُعقل منع إفادة البلد من ثروته نكاية في رجل! هل يُعقل أن يقبل هذا عاقل! أليست هذه خيانة عظمى!
من مأثورات ماو تسي تونغ: “تجرَّأ على النصر” أما في هذه الحالة اللبنانية سواء نظام الظل ومثقفي الطابور السادس بل وفي كل الوطن فالشعار والممارسة “تجرَّأ على الخيانة” ويحصل.

✺ ✺ ✺

كي لا ننسى:

المغرب – للذكرى

28 تشرين الأول/اكتوبر 2016 – 2022

الطاهر المعز

ذكرى وفاة بائع السّمك “محسن فكري” الذي احتجزت السلطات أسْماكه (رأس ماله) بمدينة “الحُسَيْمَة”، بمنطقة الرّيف، شمال المغرب، مطحونًا داخل شاحنة نفايات، بأمر من ممثّل السّلطات المحلّية، وكانت هذه الحادثة المأساوية منطلقًا للتظاهرات التي عُرفت ب”حراك الرّيف” والتي دامت قرابة تسعة أشهر، وحازت تعاطفًا كبيرًا، داخل البلاد وخارجها، وواجهت السلطات المُحتجّين بالقمع والاعتقالات وأص​​درت المحاكم أحكامًا بالسّجن النّافذ، وصلت إلى عشرين سنة…

يُذْكَرُ أن منطقة الرّيف كانت تُشكل جزءًا من جمهورية ( 1921 – 1926) الثائر محمد بن عبد الكريم الخطابي (1882 – 1963) الذي حارب الجيوش الفرنسية والإسبانية وانتصر في معركة “أَنْوال” سنة 1920، فاستخدم الجيش الفرنسي، بقيادة فليب بيتان (عميل ألمانيا النّازية لاحقًا) والجيش الإسباني بقيادة الجنرال فرانكو الطيران الحربي والقنابل الحارقة والأسلحة المحرّمة، فانهزمت الجمهورية ونُفِيَ الخطابي إلى جزيرة “لاريونيون” (مستعمرة فرنسية، قرب مدغشقر) ثم انتقل إلى القاهرة سنة 1947، حيث أسّس مكتب تحرير المغرب العربي…   

أهملت الدّولة المغربية الحديثة منطقة الرّيف (كما العديد من المناطق الأخرى) التي شهدت سنتي 1958 و 1959، أول انتفاضة بعد الاستقلال (1956)، وهي الخَلْفِيّة التي يُذَكِّرُ بها البعض، لكن المطالب الاقتصادية والاجتماعية، كالعمل والتعليم والرعاية الصحية، تصدّرت المشهد في انتفاضة 1983/1984 ضد برنامج التّكَيُّف الهيكلي، كما في انتفاضة 2017/2017، كما حصل في احتجاجات المناطق الأخرى، سابقًا (سيدي إفني جنوب البلاد ( 2005 و2008 ) وطنجة سنة 2015، ولاحقًا في جرادة شرقي البلاد ( 2017/2018) وغيرها.

لم يتغيّر الوضع، بل زادت حدّة القمع ليشمل الصحافيين والفنانين، واتّضحت عمالة النظام المغربي عبر تعزيز علاقات التبعية للإمبريالية الأمريكية والأوروبية والكيان الصهيوني…  

ذكرى اغتيال المهدي بن بركة 

وُلد بمدينة الرّباط (كانون الثاني/يناير 1920) وتم اختطافه بباريس، واختفاؤه يوم 29 تشرين الأول/اكتوبر 1965 بتعاون بين أجهزة الاستخبارات الفرنسية والمغربية والصهيونية

كان خلال عقد الأربعينيات من القرن العشرين أحد رموز المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي، وبعد الاستقلال أصبح، بداية من سنة 1956، من أشدّ المُعارضين لسياسة الملك محمد الخامس ثم ابنه الحسن الثاني.

غادر حزب الاستقلال وأسّس، سنة 1959، حزب “الاتحاد الوطني للقوات الشعبية” الذي يدعو إلى وضع حدّ للنظام الملكي وتأسيس الجمهورية المغربية، وتمت محاكمته عندما كان بالمنفى، بداية من سنة 1963، واتُهم بالخيانة العظمى وحُكِم عليه غيابيا بالإعدام بذريعة على تنظيم مؤامرة مزعومة ضد الملك الحسن الثاني، وتم اختطافه واغتياله عن 45 سنة (سنة 1965) ولم يُعْرَفْ بعدُ مكان وطريقة قتله وإخفاء جثمانه، ولا تزال المنظمات الحقوقية المغربية والفرنسية تطالب بكشف تفاصيل جريمة خطفه وقتله.

ذاع صيته في الخارج، خاصة في دول أمريكا الجنوبية والدّول العربية وبعض الدول الإفريقية والآسيوية، وكان قبل اختطافه واغتياله يستعد للالتحاق بـ”مؤتمر القارات الثلاث” في هافانا (عاصمة كوبا) الذي يجمع العشرات من حركات التحرير والمنظّمات الثورية والأحزاب المناهضة للاستعمار… 

✺ ✺ ✺

مع اقتراب موعد القمة العربية

الجامعة العربية كما أرادتها بريطانيا

د. موفق محادين

هل هناك ما يثير الدهشة من موقف الجامعة من التطبيع الخليجي وعدم اعتذارها حتى الان لسوريا، ومما وصلت إليه في سنواتها الأخيرة.

1. شهدت (جامعة الدول العربية) أكثر من محطة عند تأسيسها: بروتوكول الاسكندرية 1944م ثم ميثاق الجامعة 1945م الذي وقعته مصر، وسوريا، والأردن، واليمن، والسعودية، والعراق ولبنان، وقد تعاقب على أمانتها العامة: عبد الرحمن عزام حتى عام 1952 وهو مصري، ثم عبد الخالق حسونة طوال العهد الناصري ثم محمود ریاض ثم الشاذلي القليبي قبل ان تعود الى المصريين.

2. أما الجهات التي وقفت خلف تأسيسها فهي مراكز بريطانية مما انعكس في تنافس حكومات العراق ومصر (الصديقة) لبريطانيا آنذاك، وتحديدا حكومة نوري السعيد في العراق وحكومة مصطفى النحاس في مصر، حيث ادعى كل منهما أنه صاحب المبادرة، بينما صاحب المبادرة الحقيقي هو انطوني ايدن، وزير الخارجية البريطانية الذي صاغ المبادرة على طريقة وعد بلفور (تنظر بريطانيا بين العطف إلى رغبة العرب في شكل من الاتحاد.. الخ).

ومهندس الجامعة هذا السيد ایدن، هو مهندس العدوان المشترك مع العدو الصهيوني والاستعمار الفرنسي على مصر 1956 بعد أن قام زعيم الأمة وقائدها التاريخي جمال عبد الناصر بتأميم الشركة البريطانية – الفرنسية لقناة السويس وأعاد ملكيتها إلى الشعب المصري.

وقد سقط كل الذين تورطوا في هذا العدوان، ايدن في بريطانيا وبلوم في فرنسا، وقادة رجعيون أتراك وعرب.. ما يذكرنا أيضاً بالنسخة الحالية منهم في باريس ولندن وفي محمياتهم أيضاً، كما في اسطنبول (مندريس) الذي يشبه اردوغان وإسلامه الأمريكي الذي أسس قاعدة إنجرليك الامريكية.

3. إضافة للوظيفة البريطانية للجامعة في الالتفاف على فكرة الوحدة العربية بإنشاء اتحاد لكيانات عربية مبرمجه على مقاس اتفاقية سايكس بيكو وغيرها فقد وفرت في عقودها الأخيرة أخطر غطاء دولي وإقليمي للعدوان على الأمة وتمرير مشروعات التسويق الصهيوني، وكان هناك دائماً توافق بين أعداء الأمة والقوی الرجعية ومحميات نفطية معروفة ومن أخطر هذه المحطات: التغطية على العدوان الصهيوني على المقاومة الفلسطينية واللبنانية والجيش السوري في البقاع 1982 وذلك بتمرير ما عرف بمشروع أو مبادرة فاس الثانية ومشروع ريغان لتصفية القضية الفلسطينية، ثم التغطية على العدوان الأمريكي الأطلسي الرجعي على العراق مرتين 1996 و2003 ثم التغطية على عدوان مماثل على ليبيا، ثم التغطية على مشروع تدمير سوريا.

4. وكما تلاحظ دراسة الدكتور مجدي حماد حول الجامعة الصادرة عام 2004 فإن إحلال المظلة الخارجية ظل علاقة واضحة في عمل الجامعة منذ نهاية العهد الناصري وهيمنة الحقبة النفطية التي استدعت اضعاف وتدمير مراكز الامة الحضارية لصالح القوى لنفطية الصحراوية المتكاملة مع العدو الصهيوني.

وليس بلا معنى ان مراكز الامة الاساسية، اما مهمشة سياسيا، اما مدمرة مثل العراق، واما برسم الاستنزاف اليومي مثل سوريا ناهيك عن اخراجها من الجامعة مقابل الحضور المتزايد لعواصم التطبيع والتبعية والقواعد العسكرية الامريكية.

::::

المصدر: صفحة الكاتب على الفيس بوك

✺ ✺ ✺

انتخابات الكنيست الصهيوني: “انا راح اصوت للتجمع”

شاهد عمر

لفت نظري ما نشرته د. هنيده غانم كدعاية انتخابية لأحد المرشحين للكنيست الصهيوني”انا راح اصوت للتجمع..اعرف سامي ابو شحادة منذ اكثر من عقدين ، وبكل موضوعية وصراحة نادرًا ما قابلت انسان بدماثته وانتماءه ومصداقية. سامي وطني بلا ابتذال ، قيادي بلا شعبوية، وشجاع جدًا .ثقتي به عالية ، والحب الذي بحيطه به الناس بسبب خطابه اولا وصفاته الشخصية ثانيًا يدفئ القلب اتمنى ان ينجح سامي بخلق حالة وطنية جديدة تعيد الثقة للجيل الشاب بالنضال والنشاط الوطني، وتفتح افاق جديدة لاعادة بناء واسعة ..ابو الناجي يستحق دعمنا.. .”. لست أدري كيف يمكن لمحاضرة في مستوى جامعي تعيش تحت الاحتلال الذي اغتصب الأرض ويُمعن في شعبنا قتلا ويتمتع بذلك، كيف يمكن لها أن لا تقف ضد مجرد الترشح والانتخاب لهكذا برلمان! لكن السيدة هنيده هي من حزب عزمي بشاره فتى الموساد .وبشاره اليوم يُقيم امبراطورية إعلامية لتخريب الثقافة والسياسة العربية. وهنيده على طريق عزمي بشاره تقف ضد سوريا التي تتعرض منذ أكثر من عشر سنوات لإرهاب مسلح وإرهاب اقتصادي امريكي ينفذه تابعوها العرب. هنيده تقوم بنفس الدور الذي يقوم به فريق ما يسمى المسار الثوري البديل الذي يقف ضد سوريا ويزعم أنه بديلاً. وما يقوم به دُعاة دولة واحدة لنكون تحت احذية الصهاينة!!! والسؤال: ماذا يقول الطلبة والطالبات لهنيدة “هانم” حين تقف أمامهم وتعلمهم/، ماذا تعلمهم؟ غير حب الكيان الديمقراطي جدا جدا . حتى هنا “ماشي الحال”، ولكن تُرى، هل ستصل هنيدة من توزيع الثقافة الخطيرة إلى توزيع أموال قطر؟

:::::

المصدر: صفحة الفيس بوك للكاتبة

Shahd Amer

✺ ✺ ✺

قراءة في كتاب “أولياء الشرق البعيد”

لمؤلفه الدكتور بشار الجعفري

قراءة نارام سرجون

من فضائل الهزائم انها تلقي علينا الدروس .. وتطرح علينا أسئلة كنا نتجاهلها ونعاملها بلامبالاة ان لم نطردها باحتقار كما يفعل الحمقى .. ورب هزيمة كانت خيرا من النصر اذا كان النصر سيقودنا الى جهالة وجهل او غرور وطيش وغفوة عن الزمان ..
ان تشريح الهزيمة هو جزء من البحث عن النصر .. ولاشك اننا لازلنا في بحث طويل يفسر لنا هذه الحالة التي نمر بها كمجتمعات مرت بنكبات وأهوال وهي تعيد انتاج نفس الاخطاء دون ان تتجنبها ..
ومثلي مثل كثيرين لاأزال أبحث في كتب التاريخ عن تلك الثقوب السوداء العملاقة التي تشبه الثقب الاسود الذي سيمتص كل الكون يوما .. في تاريخنا ثقوب سوداء مثل ثقب الفتنة الكبرى وثقب موت الفلسفة العقلية وثقب انتصار النص على العقل في طريقة تفكيرنا .. وهناك ثقب أسود كبير هو الثقب العثماني الذي سقطنا فيه 400 سنة كاملة .. وهناك الثقوب الاستعمارية التي تسببت في تدمير مجتمعاتنا وتفتيتها ..
فهذه الثقوب السوداء في تاريخنا تمتصنا ونسقط فيها كما نسقط في مجال مغناطيسي لكوكب .. فلهذه الثقوب السوداء قوانين جاذبيتها التي لاتقهر كلما اقتربنا منها .. وكلما اقتربنا منها امتصتنا بسرعة وهوينا الى مهاويها السحيقة لا حول لنا ولاقوة ..

وفي بحثي المستمر عن هذه الثقوب السود كنت ألوم الثقافة يوما وفي يوم آخر ألوم الدين والتراث .. واحيانا ألوم الاستعمار والغرب .. ولكن علينا نحن لوم يجب ان نتعرف عليه وهو أننا لم نضع خارطة للثقوب السوداء الرهيبة – كما خرائط الالغام – التي كلما اقترب منها المجتمع والناس سقطوا فيها كما تسقط الطائرات وتغوص السفن في دوامات مثلث برمودا وتختفي .. يجب علينا ان نضع أسوارا واسلاكا شائكة تمنع الناس من الاقتراب من تلك الثقوب لأنها للأسف خطرة جدا ومن يقترب منها ستسحبه تياراتها العنيفة وينتهي أمره .. وعلينا ان نقرأ الربيع العربي على انه فتح حقير للثقوب السوداء في العقل العربي لم نغلقها فسقطنا في دواماتها العنيفة ولم نخرج منها بعد .. ولايزال البعض يقف حارسا يمنعنا من أن نردم هذه الثقوب او أن نسيجها ونمنع الاقتراب منها ..

واجبنا كنخب وطبقة مثقفة معنية .. ان نبحث دوما في تشخيص عللنا ومشاكلنا وأن ننتهز فرصة الوجع والحمى وارتفاع درجة حرارة الأمة في عللها وسقمها من أجل دراسة دمها وتجرثمه في ساعة الحمى كي نعطيها الدواء الصحيح والمضاد الحيوي المناسب ..

في كل كتاب وفي كل عمل فكري هناك محاولة للرتق ومحاولة للتشخيص والعلاج .. ومن بين الاعمال الفكرية الهامة التي وقعت بين يدي كتاب هام جدا وبديع من تأليف من لم أتوقع ان يكون من أصحاب البحوث التاريخية العميقة التي تريد ردم الثقوب السوداء في العقل العربي .. وهو الديبلوماسي الأممي الدكتور بشار الجعفري .. نعم انه نفس الدكتور بشار الجعفري الذي عهدناه ديبلوماسيا رفيعا في الامم المتحدة .. وربما هذا الفهم لعقدة المشكلة في العقل العربي هو الذي قاده لفهم عقدة الخصم أيضا الذي كان يستهدف العقل العربي .. فناوره وبارزه وهو على دراية بما يبارز ..

سيفاجا الكثيرون بأن الدكتور بشار الجعفري يخفي شخصية أخرى مثيرة للاهتمام والاعجاب في ثنايا روحه لاتشبه مانعرفه عنه .. فصورته التي حفرت في الذاكرة لاتنسى وهو في مجلس الامن يتحدث في السياسة بالانكليزية ويقتبس بالفرنسية ويشكو العروبة والعرب بالعربية .. في ذاكرتي وذاكرة الجميع هو أستاذ الديبلوماسية المخضرم الذي كان يطلق النار الديبلوماسية في مجلس الامن وينسف الاقتحامات الانتحارية للمندوبين الغربيين الذين كانوا يهاجمون سورية ليلا نهارا .. في هجمات متتالية في تنسيق مع هجمات جبهة النصرة وداعش وموجات الانتحار البشري الذي كانت تقوم به فصائل المعارضة الارهابية بكل اشكالها .. ففي عقب كل هجوم على الجيش السوري او قبله كان لابد من قصف غربي امريكي تمهيدي بالمدفعية الديبلوماسية الثقيلة يترافق مع هجوم ديبلوماسي في مجلس الامن على المندوب السوري الذي خاض أقسى المواجهات وأعتاها مع عقول الشر والحرب .. وكان في موقع لايحسده عليه أحد وهو يتلقى السهام التي لاتتوقف عن الانهمار مثل المطر على موقف سورية الدولة الوطنية ..

ولكن ليس هذا هو كله الدكتور بشار الجعفري .. فهناك جانب مختلف فيه لم أتعرف عليه وهو انه باحث في التاريخ وروائي من طراز رفيع .. وقد قدم عملا روائيا تاريخيا مثيرا للدهشة في عمله الكتابي المسمى (أولياء الشرق البعيد) أساطير مجهولة في أقاصي المعمورة .. كتبه عندما كان في العمل الدبلوماسي في الشرق الأقصى.. وهو رواية تاريخية حول انتشار الاسلام في أرخبيل الملايو .. والحقيقة أن البحث حاول أن يفسر لنا طريقة وصول الاسلام الى أقاصي الشرق بعيدا عن التخمين وعشوائية التحليل فأعاد قراءة تلك المرحلة وشخصياتها .. صبها في قالب روائي فأعاد رواية التاريخ عبر رواية حقيقية.. ولكن وفيما هو يقدم تلك المرحلة وقع على كنز آخر .. وهو ان تاريخنا اليوم هو استعادة لتاريخنا بالأمس .. وأن ماعانيناه اليوم من فوضى ومن أزمات عقل وأزمات عقيدة هي من نفس منجم الخيبة .. والمرض الذي أصاب النفوس دوما .. في ذلك العمل البديع يتخلص الدكتور الجعفري من ثوب الديبلوماسي وربطة عنقه والقيود الرسمية للديبلوماسي الرصين ويشمر عن ساعديه ويبدأ في جس نبض التاريخ .. وفحص القلب والبطن والصدر .. وتدفق الدم في العروق .. ويقوم بعملية تحقيق مرهقة في أحداث تاريخية ويقوم بعملية نقل لها على شكل قصة وحكاية عن فترة اللااستقرار في المنطقة العربية في القرن الرابع والخامس الهجريين حيث الخلافة العباسية تعيش فترات من الفوضى والاضطرابات والمد والانحسار في قوتها .. ولكن يتبين للقارئ أن هذا الاضطراب والدوامات السياسية كانت سببا في دفع مجموعة من السادة الاشراف لمغادرة المنطقة العربية والابتعاد عن هذه الصراعات والتوترات السياسية والدينية والاستقرار في أقاصي الشرق .. ومن هناك بدأت عملية انتشار الاسلام .. التي لاتزال مصدرا للتساؤلات ولغزا من الالغاز .. وينسبها البعض للتجار المسلمين .. لكن الحقيقة هي انها نشاط دعوي ونموذج أخلاقي وانساني فذ لعائلات عربية أصيلة .. وهم الاولياء التسعة او (والي سونغو) رؤساء الدعوة الاسلامية في ارخبيل الملايو..

اذا ماقرأت الكتاب يساورك شعور غريب انك تقرأ مايعيشه الشرق اليوم من فوضى واقتتال وتنمر وطغيان الفئات على الفئات والنزعات الطائفية والتهافتات السياسية .. ولايخامرك شك ان معاهد الابحاث الغربية قد درست هذه الاحداث وحللت الشخصية العربية والمشرقية التي بنتها أحداث هذا التاريخ .. ولذلك كانت عملية احيائها سهله وثقب العقل العربي مجددا من تلك الثقوب القديمة بعد ان نجحت مرحلة الصراع مع الاستعمار الغربي في تحييد هذه النزعة التناحرية وهذه الانشقاقات الطائفية ..

هذه المرحلة القلقة من التاريخ اليوم ليست وليدة اليوم بل جذورها قديمة … فثورات الزنج وثورات القرامطة والثورات الداخلية والصراعات والدسائس التي لانهاية لها تشبه في منطقها وطبيعتها اليوم مانطلق عليه الربيع العربي .. فهناك كم كبير من العنف والاستهتار بحياة الناس .. وهناك حركة نزوح كبيرة ولجوء كبير الى دول الجوار .. وهناك هجرة ورحيل الى أقاصي الارض بحثا عن الأمان من فجور الثورات وفجور الساسة والسياسيين .. وهو في النهاية تفجر المجتمعات بسبب تدني المستوى القيمي والاخلاقي في أوساط نخبها وأجيالها .. فيسقط الجميع في الانهيار الاخلاقي الذي يتلوه انهيار اقتصادي وفقر وهذا سيتلوه نزاعات وحروب ومطاحن ومعارك تزيد الفقر فقرا وتزيد الجهل جهلا وتأكل من مخزون الاخلاق أكثر .. فيزداد الأمر سوءا على سوء وتعيد الازمات انتاج نفسها .. وربما كانت كلمة السر في هذه الفوضى في تلك المرحلة هي في تدني المستوى الاخلاقي للنخب السياسية والثقافية والسياسية .. انه انهيار شامل في القيم الاخلاقية بين شرائح النخب والحكم ..

ماحدث اليوم حدث بالأمس .. فرغم ان هناك اليوم صراعا لفصل الدين عن الدولة منذ زمن الا انه لاتوجد محاولة لربط الدين بالأخلاق .. فكي نحل أزمة الدين عندما يفصل عن الدولة يجب ان نربطه بالأخلاق .. فنقرأ في الكتاب كيف ان ضعف الدولة المركزية وتشتت قواها بسبب تشتت رأيها وانفصال الدين عن الاخلاق وارتباطه بالدولة وفسادها .. أوصل صبيان الحكم الى حلبة السلطة وهم الذين كانوا يتقافزون ويتقاتلون من أجل المناصب والمال ويتناهشون البلاد (حيث تفلت الصيدة منهم) .. وهم أنفسهم أصحاب تلك المرحلة القديمة التي أنتجت اليوم شيوخ النفط وأمراء النفط وملوك النفط والاخوان المسلمين الحاليين الانتهازيين .. ويكاد القارئ يشهق ويجحظ بعينيه من حجم التطابق بين تلك المرحلة وبين هذه المرحلة وكأنه يقرأ الربيع العربي بنسخة القرون الهجرية الأولى وبغياب أسماء برنار هنري ليفي ومجلس الأمن ولكن ذلك الزمان كان فيه تدخلات خارجية داخل قصر الخلافة العباسية وداخل الوزارات ولهم برنارهم ومجلس أمنهم في ذلك الزمان .. وكانت هناك انشقاقات وتمردات ودسائس .. لاتنتهي ولاتتوقف .. وكأنك تقرأ عن دسائس دول الخليج وعن كواليس جامعة الدول العربية المعيبة ..

الكتاب مذهل ومدهش في سرده لدور آلاف الشخصيات والأسماء التاريخية التي يمر عليها الكتاب في صناعتها للتاريخ والاحداث والجغرافيا .. في شكل مكثف وسرد مبسط .. وهناك كم كبير من الهوامش الثورية بالمعلومات اليقينية التاريخية.. ولكنه رسالة كثيفة جدا من أن الهزيمة الحقيقية تأتي من الداخل ومن طريقة التفكير ومن عدم قدرة الناس على التمييز بين الغث والسمين وبين الحق والباطل وبين الخديعة والذريعة .. وبين الدين والاخلاق .. وهذا ماسلط قوى الشر عليهم ..
في هذا الكتاب الثمين والكثيف الذاكرة تضع يدك على كم هائل من الثقوب في الشخصية والثقافة العربية .. ولكن أعظم هذه الثقوب هو الثقب الاخلاقي الذي نجم عن فصل الدين عن الاخلاق .. فهناك مشكلة في ان الدين الذي تولاه وعاظ السلاطين والساسة والخلفاء لايعترف بالأخلاق الا على انها صادرة عنه وأنه أبو الاخلاق ومالكها وهي ملك يمينه ويحق له التصرف بها وتغييرها .. فتصبح الخيانة والغدر والدسائس مبررة لأن لها غطاء دينيا من الصلاة والزكاة والنفاق كما اليوم .. فيسقط الدين وتسقط الدولة والمجتمع .. ولذلك فان الدين هو الذي كان يفصّل الاخلاق على مقاسه دوما في كل الفترات .. ولايعترف بسطوتها ومكانتها الا على انه فرع منه ..رغم ان الدين هو أحد فروع الاخلاق الانسانية .. مع ان الدين مكمل لها والاخلاق هي قلب الدين .. واذا كانت الاخلاق مثل الماء فان الدين هو ذلك الوعاء الذي يحويها ويحتويها ونشربها منه .. ولكن الاهتمام بالوعاء وزخارفه جعله مثقوبا .. بلا ماء .. فماذا ينفعنا ذهب الوعاء اذا كان الوعاء بلا ماء؟؟ عندما تنفصل الاخلاق عن الدين فان الدين يصبح بلا أخلاق .. وتصبح الأخلاق منفلتة تبحث عن وعائها الذي انكسر . فتسير على تراب الارض وتتحول الى مستنقعات وبرك آسنة للبعوض والحشرات ..

المدهش في قصة انتقال الاسلام عبر القيم الاخلاقية التي حملها الاوائل الهاربون من الاضطهاد الديني في الشرق العربي نحو أقاصي الشرق الاسيوي انه قدم نموذجا بديعا للاسلام الروحي الصوفي المتسامح المشبع بالاخلاق والتسامح والذي حمل الأخلاق معه .. وترى البيت الواحد فيه الأخ مسلم وأخته مسيحية دون ان يكون هناك قتل وتكفير .. وذبح وحروب ..

نحن سنبقى غير قادرين على رتق ثقوبنا العقلية لأنه لايزال يمكن للدين ان يفعل مايشاء طالما انه ينفذ الوصايا العبادية من صلوات وزكاة وحج .. وهذا ماحدث عندما تقرر ان الاسلام بني على خمس .. وكل أركانه الخمسة طقوس تؤدى للخالق وليس هناك اي التزام للمخلوق .. وليس هناك اي قاعدة لاعلاء شأن الاخلاق الفردية .. بذريعة ان الخوف من الخالق سيحمي المخلوق من قلة الاخلاق لأنه سيطيع تعاليم الخالق .. ولكن هذا الشيء هو ماتسبب بالخلل في قراءة الاسلام والاديان عموما .. اذ ان ربط الدين بالأخلاق هو مايحمي الدين من السقوط الاخلاقي .. ولذلك فان المسيحية تآكلت عقائديا عندما صارت الأخلاق فيها هي جمع المال لبناء الكنائس فنهض مارتين لوثير متمردا ليرتق الثقب الذي صنعته الكنيسة في أخلاق الايمان المسيحي .. وهذه الثورة كانت ثورة أخلاقية في جوهرها .. واستمرت في سلطتها على الضمير المسيحي الذي أطلق عصر النهضة .. واستمرت في انتاج النهضة والتطور الفكري الى أن سقطت المسيحية في اوروبة عندما انتصرت أخلاق الهيكل عليها وأخلاق راسالمال اليهودي .. وهي أخلاق الصيارفة والمرابين وأصحاب فكر الغزو والاستعمار .. فصارت اوروبة تابعة للهيكل .. في اميريكا .. كما هو اسلام هذا الزمان.. اسلام في خدمة الهيكل..

:::::

مدونة الكاتب

الثقوب السوداء في الكون العربي .. كتاب غير ديبلوماسي للديبلوماسي الأول

__­­­­­_____

تابعونا على:

  • على موقعنا:

https://kanaanonline.org/

  • توتير:
  • فيس بوك:

https://www.facebook.com/kanaanonline/

  • ملاحظة من “كنعان”:

“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.

ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org