فدائي فرد ثم فدائي مثقف مشتبك فرداً! عادل سماره

  • رسالة إلى الصديق مراد السوداني

أحد الفوارق بين الإنسان والحيوان أن كثيرا من الحيوانات حين تُهزم إما تهرب فيقولوا “وضع ذيله بين رجليه وهرب” أو تستعطف قاهرها وهو ما يسمونه في الريف (التعويص). لذا يقول الفلاح في مناكفته مع خصمه: “بنشوف مين إللي بعوَّص”.

في حروب الأمم هناك ما يقارب الإجماع على أنها تبدأ بالثقافة وبالتالي تبدأ الهزيمة بهزيمة أو استخذاء أو حتى عمالة مثقفين. فالثقافة ليست كتلة مادية يمكن الإمساك بها ومعايرتها ومن ثم بيعها وشرائها ليُقال هُزمت. بينما المثقف قابل لكل هذا، وليس بالطبع كل مثقف.

دعنا يا صديقي لا نكذب على أنفسنا، ودعنا لا نعود إلى صراع الشرق والغرب، الصراع المؤبد، تفصيلا بل تعداداً:

  • الغزو اليوناني، رغم الخلاف إن كانت اثينا سوداء أم لا
  • والغزو الروماني
  • والغزو الفرنجي فرنجة الإقطاع
  • واليوم فرنجة راس المال

رددنا عليهم بالصد الأموي في الأندلس ثم فقدناه. واقول لك ما يُغضب البعض، كان الأمويون أول وأشهر مدرسة عروبية دولانية في تاريخنا قبل الدعوة الهجرية وبعدها.

منذ ثلاثة قرون تقوم فرنجة راس المال بحرب متواصلة استئصالية ضد أمتنا دون توقف وأخصها أو مقدمتها، راسها النووي: الثقافة. ولذا، من يتوقع أن هذا العدو بعد كل الهزائم سوف يعفُّ عنا، هو بسيط وساذج أو مشتبه به. لن يتوقف. وهذا يغريني بالقول: لأولا اننا أمة ترهبهم لما واصلوا هذا الذبح.

هنا أسجل للراحل أنور عبد الملك أول من كتب ورقة في كشف الاستشراق ثم بعده ببضع سنوات كان العمل التاريخي للراحل إدوارد سعيد في تثبيت الغرب الإمبريالي على كتفيه، كما يقولوا في المصارعة “تثبيت أكتاف”. ولكن للأسف لم يتبنى هو شخصيا ما اكتشفه فكان كمن عثر على منجم الذهب ولم يستغله فذهب في الاتجاه الآخر: اي المساومة الثقافية ضد عدو هو اكتشف وشرح لنا خطورته.

لكن لعنة مساومة المثقف ليس سعيداً اولها ولا مؤسسها كي لا نهز جدثه اليوم. فالمساومة الثقافية كانت أثناء غزوات نابليون، وسايكس-بيكو، ومشاركة كثير من الشيوعيين مع شيوعيي العدو ا.ل.ص,ه.ي.و،ن.ي في مدارس ومؤتمرات التحريفية السوفييتية وخاصة في براغ التي، ويا للمفارقة أول بلد حاولت الهرولة إلى الغرب ومنها أنبتوا أكثر من ربيع بعد ربيع براغ.

دعني أتجنى وأقول أن هذه المدرسة هي التي اسست بقوة لتوليد مثقفين بين ظهرانينا أعداء لأمتهم بلا حاجة لشرح. فهل هناك أوضح من القول بأن أرضنا لهم؟ فهذا معنى ومضمون ومحمول أممية تعترف بكيان رأسمالي ابيض استيطاني إقتلاعي وتدافع عنه بالنواجذ! وباسم الفكر المفترض أن يكون ضد كل هذا!

ربما من خنعوا بالقول بأن “أرضنا لهم” هم ممَّن جرى حقنهم، أو حقنوا أنفسهم بأخطر عبارة وحشية وجشع غربي التي تقول: “كيف حصل أن نفطنا وُجد في أرضهم”! فهل يفجأك بعد هذا تعري كُويتبٍ لهم؟

وبالمناسبة، إليك هذه المعترضة: هل تعلم أن أموال الأنجزة التي تدفقت إلى الأر ض المحتلة منذ منتصف السبعينات وُجهت إلى اليسار بقيادة مؤسسة نوفيب NOVEB الهولندية وهولندا عدو مؤدلج رغم ضآلة حجمه وسرِّية ما يفعل، ثم جاءت موجة التمويل مع بدء انتفاضة 1987 وخاصة إلى اليسار، ثم جاء التمويل القطري وإلى اليسار أيضاً!

ولم يكن هذا التوجه عبثا ولا هبلاً، فالمألوف أو المفترض أو الدارج أو الوهم أن اليسار هو الأكثر جذرية والخصم بل العدو للغرب الرأسمالي ولذا فإن اختراقه لا بد أن يفتح أبوابا بلا دفات بل ثغرات لدخول العديد من الناس تحت اعتقاد او يافطة:

“طالما اليسار قد دخل فالأمر جيد، طبيعي، او في اسوا الأحوال مغطى”.

ومن حينها، أخذ الكثير من مختلف المثقفين والسياسيين يقيسون على هذه القاعدة ويغوصون في دمنا باسم الثقافة والسياسة. ولذا فإن أخطر خاصرتين في وطننا الصغير والكبير هما:

  • الخاصرة الثقافية
  • والخاصرة السياسية.

وما يسمى باليسار هو الذي شرعن المساومة الثقافية والإيديولوجية مع الكيان. ولذا، وجد مثقفو الإقليمية والكمبرادور وما بعد الحداثة واللبراليين والطائفيين ومثقفو الدين السياسي وحتى المثليين طريقاً معبَّدة باسم اليسار! ولن أذكر لك إسم أحدهم في لبنان رحل مؤخراً: كان يسارا، ومثليا وعدو لسوريا وضد التطبيع ويتغزل بصاحب العمامة؟ كيف جميعاً؟ لا أدرى.

نشر إنتاج فلسطينيين وعربا

داعي ما كتبت اعلاه ما يدور هذه الأيام عن نشر العدو كتابات لفلسطينيين وعرباً، أقول فلسطينيين وعرباً، ولا اقول كُتَّاباً، فليس شرطاً أنهم جميعا كُتاباً بالمعنى الفني والعميق للكتابة، ففي كتابة أو ثقافة الإمبريالية والعنصرية والمساومة والخيانة توجد كتابات عميقة. أليست كتابات ليفي شتراوس وفوكوياما وهنتجتون عميقة جريميا أو إجرامياً؟

إستثمر العدو في هذا كي يُسجل أنه اخترق ثقافتنا وبالغ في ذلك بل وصل حد فضح الذين نشر لهم بعد أن تحدثوا وهاتفوا ووافقوا وقبضوا وتمنوا على العدو أن”يحفظ السر”. ولم ولن يحفظ لأنه يسير حسب توقيته هو.

لقد بالغ الكيان بهؤلاء الصغار، بل وصل الكيان درجة الاحتفاء والاحتفال حتى بفرد عربي عادي كتب مقالة أو زار الكيان مما يؤكد أزمته في عدم وصول الطبقات الشعبية العربية ولن يصل.

لذا، بدأ بفضح بعضهم حتى قبل مرور ثلاثة عقود على التورط والورطة لأنه يعتبر هؤلاء “دسبوزال Disposal”   أي للرمي لللإطِّراح بعد الجماع الثقافي أو حتى لو دون أن يًصاب العدو برشح أو انفلونزا. لا يهمه انتحابهم على ابوبه سراً. لذا بدأت قولي هذا بالفارق بين الإنسان والحيوان في حال الهزيمة.

لا يخصي تبجح العدو وحرق هؤلاء سوى التعالي عليهما. نعم، هناك بيننا من هؤلاء. وهذا موجود في كل بلد. هل تعلم أن هناك في روسيا اليوم وهي تخوض حرب وجود مع الغرب جيوشا من هؤلاء ينهشونها علانيةً وكثير منهم من القومية الروسية. هل تعلم أن في الصين أكاديميين ومثقفين وكُتابا يقول بعضهم: “اتمنى أن اكون جندياً أمريكياً”! فلنبارك للعدو بهذه القمامة.

فلا قيمة لما كتبوا حتى في نظر العدو، إذ لا قيمة لتابع لدى عدوه، وربما تعرف قصة “شيخ جواسيس نابليون”. قد يفيد فضحهم بعض بسطاء العدو بالاعتقاد: “أن العربي يركع”.

الترجمة، وربما عدم النشر، ليس لخربشات هؤلاء وهذيانهم الدوني، بل في ترجمة الشخصية الوطنية والكفاحية للشعب. هذه التي تُترجم وتُدرَّس وتناقَش مع سادة الكيان لأنهم تتعلق بالصراع بل بالتناقض التناحري بيننا وبينهم. أعتقد أن هذا ما يجب أن نأخذه بالاعتبار كل يوم لأن صراعنا مع العدو هو في كل يوم.

أعلم أن همَّك المؤلم هو تصليب الجبهة الثقافية. نعم، ولكن هذا المناخ مجافٍ ربما كلياً. ورغم ذلك لا بد كما قال أعربي: “لا بد من مواصلة السير” وكما قالت العرب: “لا بد من صنعا وإن طال السفر”.

ولأن المناخ هكذا، لا بد أن أؤكد ما أعتقده:

حين يكون السقف النضالي العام هابطاً، ينبري الفدائي الفرد لرفعه سواء بالعمليات الفردية، مهند، باسل،عُدي…الخ أو بالإضرابات الماراثونية عن الطعام خضر ، سامر، كايد…الخ.

وحين يكون المناخ الثقافي بايدي فايروسات يضطر المثقف المشتبك أن يكون فردياً.

وكظاهرة عامة فإن الفدائئ الفرد مع العمر يغدو مثقفاً مشتبكا فرديا.

هل القاعدة تاريخيا هكذا؟لا.

فالمألوف أن الوضع الطبيعي للمقاتل أو الحزبي أو المفكر أن يكون ضمن إطار، ضمن جماعة. ولكن حينما تكون القوى الطاردة قد أغلقت صنبور الأوكسجين الوطني صار لا بد من فتح كُوَّةٍ للتنفس لعل بالوسع توسيعها.

سبقنا يا عزيزي الفدائيون الجدد فوسعوا الكوة إلى عرين الأسود والكتائب. فاين كتائب المثقفين/ات!

دعنا نقلق على هؤلاء كي لا يتم اغتيالهم فرادى أو كتائباً لأنهم هم الروافع لتجاوز الأزمة وعلى أمل، ربما لن يحصل، الحيلولة دون اغتيال المثقف المشتبك ايضاً.

_________

ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….