تطبيع لنسيان الدم واستدخال الهزيمة … فأيُّ تزامن! عادل سماره

مدهش هذا القَدَر الذي زامن بين ارتقاء الأسود ومسيل دم جرحاهم وبطولات فدائيين أفراداً الصواف والأعرج والتميمي وبين إدخال “فنانين” في التطبيع من مصر وتونس والمغرب إلى نفس مدينة نابلس وإلى الحواري القديمة التي هز ابطالها الكوكب ببسالتهم. ليمروا بجوار منازل الماجدات فتزكم انوفهن رائحة السقوط.

هل هناك يد خفية رتبت هذا؟

لا يمكن أن يكون ذلك فعلا قدريا بل إنسانياً؟

فلا بد لكل نقيض من تحريك نقيضه، هذا مسار التاريخ. فحين يُعلى الوطن، يجب أن يُدفع لمن يطمسون ذلك. فمقابل الزهور هناك القمامة.

لم تُقصف الأرض المحتلة بمستدخلي الهزيمة اليوم فقط، ولم يتم استدعاء هؤلاء اليوم فقط. ولكن اليوم فقط نتساءل: لماذا اليوم؟ لماذا يسير في حارات نابلس ثعالب بعد أن سارت الأسود؟ وكيف يلتقي هذه الثعالب بعض أهل البلد بسذاجة ودهشة بينما جنود الاحتلال يطاردون بالدبابات والمصفحات والدرونز نفس ابناء البلد؟

كيف يحصل هذا المشهد السوريالي بالمطلق؟

إبَّان عز نشوة الانتفاضة الكبرى التي اشتعلت نهاية 1987 نشرت مجلة الدراسات الفلسطينية بالإنجليزية في عددها لخريف 1989 مقالاً ل ثعلب الفكر الإمبريالي محترف تفريغ القوى الثورية من شحنتها المدعو جين شارب، من كادر جامعة هارفرد الداعي لبقاء الانتفاضة سلمية، وبأن هذا هو السبيل لتحقيق السلام والعدل. وبالطبع السلام كما يراه هو مسالمة الكيان وتجرُّع الموت بهدوء وربما بمتعة. ما الذي أغرى كادر هذه المجلة بنشر دعوة شارب رغم عسف الاحتلال؟ قد لا ندري!!!

في عام 2007 نشرت دار “بلاتو برس/لندن” كتاباً ل غادة كرمي الذي تدعو فيه الفلسطينيين لدولة واحدة مع الكيان. كيف اكتشفت كرمي سحر الاندماج بل الذوبان في معدة الكيان؟ لا ندري ولكن حبذا لو تقل لنا إذا كانت على قيد الأنفس الحية، ما رأيها في موقفها السابق وفي القتل على الرصيف ضد شعبنا! لكن، بنمط تفكيرها الذي رأينا، غالباً ستكون مثل شارب، فهي لا شك نموذج التخارج الثقافي.

قبل أربع سنوات كان واسيني الأعرج يُنظِّر في الأدب والكتابة وكتابة السيرة الغيرية على شعبنا في الناصرة والضفة الغربية، وهو الآتي من البلد الذي لم يكن ليبقى لولا ثورة السلاح اي الجزائر، وكأنه جاء ليعبِّر عن الندم لفرنسا ويعظنا بالصمت على الموت، بينما بالمقابل تقوم اليوم حتى سلطة الجزائر بفرك أنف فرنسا لتعيد للجزائر بعض ثروتها المنهوبة ولتعتذر عن جرائمها!

لم تكن هذه الأمثلة لا الأولى ولا وحدها على الترويج الخبيث لاستدخال الهزمية وإدخالها أو دحشها أو إيلاجها في بنية الشعب العربي الفلسطيني.

قبل سنوات مشى في نفس شوارع نابلس عمرو موسى وزير خارجية مبارك ومستدعي تدمير العراق والملتزم بكامب ديفيد التزامه بعشقه أن يبقى على قيد التسوية والهزيمة، ومشى معه رامي ليفي التاجر الصهيوني فكانت الزيارة تسويق التطبيع وتسويق منتجات الكيان معاً وسار معهم بعض الناس، واي ناس. واليوم يمشي هشام الجخ في نفس الشوارع قبيل أن يجف وينتهي عبق دم الشهداء!

وتم اختراق حرمة الحرم القدسي بمطبعين من رجال الدين السياسي السنة وتزويقهم برجل دين سياسي شيعي ايضا! واليوم صار طبيعيا ان تُخترق حرمة المسجد الأقصى بالمستوطنين/ات.

نعم اليوم، يأتي شاعر محسوب على مصر كذب علينا كثيراً في القول وكما قال بشر بن المعتمر قبل أكثر من ألف عام “إن أعذب الشعر أكذبه”، وامتطى اللحظة بما اسكرنا بكذبه البليغ كلامياً كي لا نلاحظ كيف انسل صغيرا ميكروسكوبيا أميبياً لا يُرى بالعين المجردة وهو يلملم كرامته وبلاغته من تحت نعل الجندي المحتل للوطن الذي ختم عليه المرور نحو ترويج الهزيمة.

ثم ليتصنع محبة نابلس وأهلها. ويترجى الناس السماح له بالسير في نابلس! كل هذا كي ينسوا أن من ادخله ليست الناس، فقد جُلِبَ وأُدخل، وجرت تعبئته بما يسمح له أن يأكل طويلا وينتفخ لاحقاً.

قافلة طويلة ممن يُشتَرَوا ليأتوا، وقائمة أطول ممن استقبلوهم. ترى من الذي ضد الشعب أكثر؟

بالتأكيد الذين يحتضنونهم هنا ويُشعرونهم بأن كل شيء عادي حتى الضحك تحت النعال!

أذكر عام 2009 أن جاء أحدهم تطبيعا هنا، لم يعد يستحق ذكر اسمه، كما يمكنه أن يقيم ضدي دعوى، كما يجري اليوم، وحين كتبت عنه كتب ينعتني ب ” قنَّاص الجسر” وجرى استقباله هنا كشاعر كبييير. وهو نفسه مع بداية العدوان المعولم ضد سوريا نشر بيانا باسم مجموعة “كُتاب” عشقا وتاييدا للغزاة من قوى الدين السياسي والإمبريالية والصهيونية!

كم نحتاج لجيش من قناصي حرب الغوار لردع هؤلاء.

بعض من يستقبل هؤلاء يصل به كره الوطن حد الظهور العلني مع هؤلاء الأوغاد، والبعض يندس وينسل في علاقات تطبيع سياسية وأكاديمية وثقافية ونفسية وأبعد وهؤلاء بالطبع من الجنسين هي/هو.

أما من ترسلهم أنظمة التطبيع فلا يخجلون في علانية ما يقترفون، لنتذكر مثال الآلوسي ومحمد جعفر (التروتسك العتيق) من العراق الأمريكي وأنور عشقي ممثل عائلة آل سعود النفطية التي ساهمت في بناء الكيان أكثر من الحركة الصهيونية وتلبس ثوب العفاف عن التطبيع لكن قماشه عنكبويا يشف عن كل ما تحته! أما المفارقة، فقول أدوات آل سعود: “عشقي قام بذلك بقرار فردي” يا للهول لم نكن ندري بهذه الحرية المستفاضة في بلاد العتمة! لا نتذكر هنا سوى ان صمت الإعلام عنه كما صمت الإعلام عن المطبعين اليوم، والأخطر شكوى الأسود من طمس الإعلام لما يقومون به من مجد! لكن من يتغطى بشطارة الشاطر حسن هي تطبيعية إمارة قطر.

كنت في مؤتمر “العالم في مواجهة الإمبريالية” في جامعة نانط في فرنسا عام 1995، شارك فيه الراحل سمير امين. بقدر ما كنت سعيدا بلقائنا فوجئت بسعادته لأن معلمين من جامعة بير زيت دعوه إلى الجامعة للحديث! وأي معلمين!

كانوا قد هيئوا له بأن الضفة والقطاع تحررتا باتفاقات أوسلو. كان لا بد من حديث هادئ ليعرف أمين أن من دعوه ليسوا امناء على الوطن ولا على شخصه وفكره. دُهش الرجل، والقى بالدعوة في سلة مهملات الثقافة التي يعشون فيها.

خلاصة القول، متى يفهم من يكذبون علينا فيبكون بدموعهم وكلامهم بأننا نعلم بأنهم خريجو مدارس علم نفس الإمبريالية وبأن براعة وبلاغة كذبهم لا تخدع شرفاء شعب لم ينحني ولم يتغير.

_________

ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….