نشرة “كنعان”، 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2022

السنة الثانية والعشرون – العدد 6422

في هذا العدد:

وحده المثقف هو الذي يخون وعيه بوعي، عادل سماره

  • الوعي الخداج

نبذة عن مسار الثورة الفلسطينية، محمود فنون  

الرياضة “أفيون الشعوب”؟ الطاهر المعز

  • على هامش بطولة العالم لكرة القدم 2022 في قَطَر

✺ ✺ ✺

وحده المثقف هو الذي يخون وعيه بوعي

الوعي الخداج

عادل سماره

لا يمضي يوم إلا ويكتب كل من يفك الحرف كلمة عن المثقفين وغالباً باللوم أو التقريع أو الذم أو المطالبة بما ليس في وسع المثقفين أو ليس بوسعهم وحدهم انجازه.

وراء هذا الضخ المهول غالبا حُرقة مواطن وطني عروبي ولكن في أحيان كثيرة تقف وراء هذه الهجمة قوى وأجهزة أنظمة محلية ودولية تهدف أخذ الناس بعيداً عن هدفها الحقيقي والتاريخي فينحصر الاشتباك في ساحة المثقفين على ضيقها عدداً وإمكانات.

قلَّما تقرأ تحليلاً طبقياً، وفي الاقتصاد السياسي، تحليل لمواقف الأنظمة وبُناها الطبقية وارتباطاتها وسياساتها. وقلما تقرأ نقدا للإمبريالية وممارساتها بل عدوانها.

ربما لأن تناول المثقفين خفيف من جهة وغير مكلف أمنياً على من يكتب من جهة ثانية هذا لن لم نقل أن ما يكتبه يلقى الترحيب.

ولكن، هل هناك حق في نقد المثقفين أو لنقل مثقفين؟ بالطبع نعم.

لن أتحدث هنا عن مصطلح المثقف المشتبك الذي صغته منذ عقدين ونيِّف بل عن:

  • المثقف المنشبك
  • والطابور السادس
  • وخاصة طبعتهما المخفية.

فبينما لا يخرج المثقف المنشبك عن الخط او الثلْم لأنه مثابة ناطق ثقافي باسم نظام حكم أو حزب أو حركة م.ق.ا.و.م.ة حيث يتزلف لها بحجة أنه يقف معها لكنه يقف على أكتافها. ذلك لأن تزلفه الممجوج حتى الغثيان لا يفيد هذه أو تلك ولكن يضيف إلى جلده بعض اللمعان.

وبالمقابل، فمثقف الطابور السادس يُطالعك بسحنة لا ماء حياء فيها فهو أشبه بالرقص العاري تماماً حيث فيه جنس لا فنَّاً.

سُئل رائد الطابور السادس ذات يوم: لماذا لا توجد ديمقراطية في قطر؟ فأجاب: “الشعب لم يطلب”!!.

 بينما في قطر كثير من السجناء على الرأي وبمطلب ديمقراطي. إنما اللافت: “فطالما أنت تفيض صحفك وإذاعاتك عن المحيط إلى الخليج، فلماذا لم “تُعلمهم المطالبة بالديمقراطية”؟ بل تنشر الأموال على كل من يلعب دور فئران نخر خشب سفينة العروبة والثورة وال.م.ق.ا.وم.ة بل يقف ضدها.

لعل الأخطر من المنشبك ومثقف الطابور السادس أولئك المثقفين الذين دخلوا مطهر المال في الدولة خاصة وفي كثير من إسطبلات التمويل العربي الرسمي الإماراتي مثلاً لا حصراً والأجنبي بما في ذلك في الأكاديميا الغربية حيث يكتب هؤلاء لغة لا هي كنعانية ولا لغة كنده ولا هي العربية الحالية ولا هي إحدى الأعجميات… مما يضطرك لقراءة ما كتب أكثر من مرة لتلتقط بأنه يشكل ظل الطابور السادس أو جناحه المخفي وهذا بالطبع يؤثر في الوعي الجمعي بخبثه الذي يمكنك أن تقرأ ما كتب إلى اليمين وإلى اليسار! إلى الوطنية وإلى الخيانة، إلى القُطرية وإلى العروبة…الخ.

حينما تتجه بوصلة المثقفين المشتبكين ضد التطبيع من هذا النظام أو ذاك، وحين تُسلط الأضواء على مثقف تطبيعي يجتث جذور الوعي الجمعي ويولج فيه ما يقوده إلى الاستسلام أو المتعة أو العبثية أو الكفر بالعروبة، تجد ظل الطابور السادس وقد عُقد لسانه، وأحيانا يهمس لمن حوله بأنه “أعلى من هذه الأمور”. طبعاً بوسع كل امرئ أن يتخيل بأنه قمة عالية، لكن: هو الذي يتخيل.

هذه الفئة من المثقفين تغطي نفسها أحيانا بتصنيع تناقضات بقدر قامتهم وتقيسها على الوطن، فيقول لك:

  • أنا مع احتلال العراق وتدمير سوريا واحتلال ليبيا لأنها أنظمة غير ديمقراطية.
  • وهو نفسه يكتب بأنه مع ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة! وتحرير فلسطين!
  • وهو مع المثليين في علانيتهم ومطالبهم بأن يُدرجوا في برامج الأنظمة والأحزاب قبل التنمية وقبل الطبقة وقبل التحرر والتحرير. اي وضع القفا محل الدماغ.

نعم هذه الأنظمة غير ديمقراطية، لكنها وطنية وشبه علمانية وقطعت شوطا تنمويا. والأهم أن تدميرها وإسقاطها أخذ اقطارها إلى الجوع والفقر والرشى وانقطاع النفط وهي نفطية وانقطاع الكهرباء والماء وكانتا موجودتين، واقام في العراق وليبيا خاصة أنظمة قوى الدين السياسي التي لا تمر بالوطن إلا كمطية متلفعة بالله وتقفز من غرفة نومها إلى السماء تاركة الوطن لخالقها الأرضي اي الإمبريالية التي أوصلتها إلى الحكم عبر مشروع الاستشراق الإرهابي.

لا تسأل هذه الفئة نفسها، هل يمكن لمن يشارك في تدمير اقطار عربية أن يؤمن بتحرير فلسطين؟ ولا تملك سوى أن تقول له: إن اي تيار قُطري هو مشروع خيانة ملفوف بالسوليفان. وبأن تحرير فلسطين ليس مسؤولية جامعة الدول الفلسطينية وحدها ولا تصل قامتها إلى هناك بل هو مشروع عروبي، والجمهوريات التي لا يحب دائما أقرب إلى فلسطين من الممالك والمهالك.

ضمن مشروع الاستشراق الإرهابي تجد بالضرورة “حقوق”المثليين وطبعته المحلية في “جهاد النكاح”. وسواء المثليين أو المدافعين عن إعلاء شأنهم فوق الطبقات والتحرير والتنمية…الخ هم أقل حتى من فهم: “إذا بُليتم فاستتروا” لأنهم يعتقدون بأنهم يقدمون مساهمة في الحرية لم يصلها سوى الراسخون في الشبق.

جاء صحافي إيطالي إلى كوبا فاستضافه كاسترو في بيته وأعد له معكرونه.

الصحافي: لماذا انت ضد المثليين

كاسترو: وهل أتيت من إيطاليا لى هنا ليكون هذا سؤالك الرئيسي!!!

وبعد، أمام هذه الفوضى المعممة يتمرد علينا السؤال التالي: لماذا كل هذا؟

أستطيع الإفتاء بقدرٍ من الثقة بأن وراء هذا الكثير من الداخل والخارج من الماضي والحاضر … الخ وخاصة الوعي الخداج.

فالوعي الخداج دائما وعي لا يكتمل بحده الأدنى، فهو شعاراتي، سطحي تهويشي أو هلوشة من هنا ومن هناك وبالتالي، هو حالة زلِقة تتغير طبقاً لمؤثرات حتى من مستوى أو طراز تافه.

الوعي الخداج هو درجة من الوعي، ولكن خطورته أن يخون وعيه بوعيٍ! فهو يعرف أنه يخون، ومن هنا دناءته وإسفافه.

لا شك أن للبيئة والمرحلة اثرها في تنفيس هذا الوعي أو تخديجه. نعم للحزب دور، وللجامعة دور، وللنقابة دور، ناهيك طبعا عن قوى الثورة المضادة.

إن أوضح أمثلة على تقلبات الوعي الخداج في الحالة الفلسطينية عدد لا باس به من اليسار سواء:

  • يسار التحريفية السوفييتية الذي يحلم بصهيونية شيوعية
  • ويسار الم.ق.ا.و.م.ة  الذي جرى اختراقه منذ التسعينات فانتهى ينادي بدولة واحدة وهي طبعا مع المستوطنين، وقفز على عنق سوريا فورا بداية الإرهاب ثم تراجع بخزي ولكن ظل يلدغ في الظلام. أو بعضه الذي يخطب على الفضائيات ولكن لا يؤذي أحداً!
  • أما عالمياً فيكفي أن نقرأ كيف تحولت معظم كوادر الحزب الشيوعي السوفييتي من نومنكلاتورا إلى راسماليين جشعين ترسملوا بالنهب.

يتسائل كثيرون: ما العمل تجاه هؤلاء؟

وهي كلمة: الصد والأحذية.  فمن لا يخجل بموقفه لا تخجل منه وكما قال لينين: الخجل عاطفة ثورية. كلما تتصدى لهؤلا ء ينتقل وعيك إلى التجذير لأنك سوف تقرأ وتُحاوِر وتجهز ذخيرتك لسلاحك.

✺ ✺ ✺

نبذة عن مسار الثورة الفلسطينية

 محمود فنون  

تاريخ النشر: 2011-05-15  

ما أن انطلقت الثورة الفلسطينية مباشرة بعد حرب1967، حتى رسخت وجودها التنظيمي والعسكري والسياسي والجماهيري في الساحة الأردنية، ورفعت شعار – عمان الطريق إلى القدس. لا غرو في في ذلك، فالأغلبية الساحقة من سكان شرقي الأردن هم فلسطينيون، وعلى أطول حدود اشتباك مع العدو في فلسطين، ومثلت عمقا جماهيريا وسياسيا وجغرافيا للثورة الفلسطينية، وأصبحت عمان عاصمة للثورة وخطوط الهدنة مشتعلة.
لا بد من تذكر تلك الفترة الزمنية كي ندرك ما معنى الخسارة التي منيت بها الثورة الفلسطينية حينما خسرت الساحة الأردنية. إن خسران الساحة الأردنية بالطريقة التي حصلت عام 1970 و1971 , قد كسرت عظام الثورة وحطمت الكثير من الأحلام والقيم الثورية، والخطط، والمخططات. لقد خاضت الثورة الفلسطينية صراعا مريرا دفاعا عن وجودها في وجه النظام الأردني، ثم خسرت كل شيء.
لقد اندحرت الثورة من الأردن بعد أن غرقت في حمام من الدم، مخلفة ورائها حالة من الرجعية العميقة المصحوبة بالقمع والإرهاب والطمس والعداء، مخلفة ورائها حدودا ساكنة محمية من النظام الأردني كما هي محمية من إسرائيل.
لم تكن الأحوال في سوريا مواتية لإقامة قواعد الثورة هناك بديلا عن الساحة الأردنية، وفقط سمحت سوريا بعبور الفدائيين إلى لبنان، وإقامة بعض القواعد العسكرية للتدريب والأمور اللوجستية، وأغلقت حدود جبهة الجولان عن أي عمل عسكري، واكتفت بتقديم الدعم السياسي والعسكري والمعنوي للثورة.
أما في لبنان فلم تكن الحال أفضل , ولم تكن اتفاقية القاهرة عام 1969 بكافية لحماية وجود الثورة الفلسطينية على الساحة اللبنانية وتنظيم علاقاتها مع السلطات اللبنانية . وإذا كانت القوى الوطنية والتقدمية قد رحبت بقدوم مقاتلي الثورة من الأردن عبر سوريا، إلا أن الثورة ثبتت وجودها على الساحة اللبنانية في سباق حالة صراعية عدائية من الدولة والقوى الانعزالية. فلا غرابة أن ترفع الثورة بعد ذلك شعار حماية البندقية الفلسطينية في لبنان. ومنذ عام 1972 وحتى عام 1982 م خاضت الثورة الفلسطينية معركة متصلة دفاعا عن وجودها ودفاعا عن البندقية الفلسطينية في لبنان، ثم خسرت هذه المعركة بتظافر جهود القوى الرجعية اللبنانية والاجتياح الإسرائيلي الذي اخترق الحدود اللبنانية حتى بيروت. وظل الاحتلال يحاصر بيروت الغربية ويقصفها إلى أن فرض شروطه على قيادة الثورة وأصر على خروجها من لبنان إلى شتى المنافي , دافنه ورائها كل فرص التصادم المباشر مع العدو من الحدود الخارجية الأردنية والسورية اللبنانية معا .
أي أن العمل الفدائي الذي انطلق مباشرة بعد عام 1967م من الحدود الأردنية ثم اللبنانية قد انتهى عام 1982م , ولم تعد قيادة الثورة تقود أي عمل فدائي من الخارج , بل إن وجود الثورة في الخارج قد تبعثر واندثر شيئا فشيئا مقتصرا على عدد من المكاتب والكتائب في تونس وسوريا  , وتوزع المقاتلون على ليبيا واليمن والعراق , أو عادوا إلى أسرهم وذويهم وأصبحت( م . ت ف )اسما رمزيا بدلا من أن تتحول إلى قيادة الثورة .
وعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار ما يلي :
أولا : إن الثورة الفلسطينية في الأردن لم تستطيع التوصل إلى صياغة وحدة وطنية كفاحية تنظم وجودها السياسي والجماهيري والعسكري , وبالرغم من أنها كانت ومنذ لحظة وجودها الأول محاطة بتيار ضخم من الأعداء والتآمر , إلا أنها متفتة ومتفرقة
ثانيا : وعلية لم تستطع أن تتوصل لصياغة خط سياسي وعسكري وجماهيري سليم يمكنها من ممارسة الكفاح ضد العدو الصهيوني , ومن الدفاع عن نفسها ووجودها في الساحة الأردنية – ظلت هكذا ارتجالية .
ثالثا : أن مجمل نضالاتها في الخارج بشكل أساسي كان دفاعا عن وجودها الذي حسم عام 1982 بإخراجها من لبنان , بينما يأتي في المستوى الثالث دورها الكفاحي المباشر من الخارج ضد إسرائيل الذي توقف نهائيا تقريبا بعد عام 1982الا ما ندر .
رابعا : وارتباطا بالنقطة السابقة فان دورها في مواجهة الاحتلال لم يزحزح الصهيونية عن أهدافها , وبرامجها وسلوكها اليومي في فلسطين وخارجها فالمشروع الصهيوني انطلق في نهايات القرن التاسع وعشر وبدايات القرن العشرين ورسم في اتفاقات سايس بيكو 1916 ووعد بلفور 1917 , والاحتلال الانجليزي لفلسطين الذي أنجز عام 1918وفي صك الانتداب1922.
هذا المشروع يستهدف الاستيلاء على فلسطين وجعلها وطنا قوميا لليهود. هذا المشروع يستهدف الاستيلاء على الأراضي وإقامة المستوطنات وطرد السكان. هذا المشروع ظل مستمرا حتى يومنا هذا , ولم يتمكن الفعل الثوري الفلسطيني المقاوم من الخارج ومن الداخل وقفه عند حد معين , ولم تطرح قيادات الصهيونية أية إمكانيات لمثل هذا الوقف حتى الآن .
إن الثورة الفلسطينية وفي أي مرحلة من مراحل كفاحها , لم تستطيع أن تدفع القوى الصهيونية للتراجع عن أي من نقاط خططها وبرامجها الهادفة إلى تعميق واستكمال سيطرتها على فلسطين التاريخية , بل يمكن القول إننا لا نستطيع أن نجد في أدبيات الثورة ووثائقها وتصريحات قادتها ما يدل على أنها خططت أو برمجت أو أسست لأي عمل يستهدف ذلك مع العلم أنها شغلت نفسها مرارا وتكرارا بإيضاح ما الذي ستفعله بعد القضاء على دولة إسرائيل , دون أن يشغلوا أنفسهم ما الذي سيفعلونه من اجل الوصول إلى تحرير الوطن . سوى شعارات عمومية دون خطط فعلية , وتحليلات نظرية وشطط في أحيان كثيرة .
لقد تظافرت جهود الصهيونية مع الرجعيات العربية في محاصرة وضرب قوى الثورة الفلسطينية , ونجحت في ذلك المرة تلو المرة , ولكن !
ولكن الثورة الفلسطينية كانت تسامح نفسها على النتائج التي تصل إليها بعد كل ضربة , دون وقفة مراجعة جدية يسفر عنها محاسبة , تؤدي إلى تصحيح المسار , وإدخال تعديلات على القيادة والنهج القيادي والعقلية القيادية , أي دون أن تسمح القيادة بأي حساب جدي يطال دورها في تنظيم العملية الثورية , ودورها في إدارة الصراع مع خصومها وأعدائها من الرجعيات العربية , وإدارة الصراع مع العدو الصهيوني والنتائج التي كانت تتحقق بعد كل ضربه.
والثورة الفلسطينية وان كانت حصدت الفشل الذريع في كل مراحلها السابقة , إلا أنها ظلت تحظى بتأييد قواعد واسعة من جماهير الشعب الفلسطيني , تأييدا روحيا وقلبيا وعاطفيا , يتجاوز عن الأسئلة الضرورية , وعن النتائج التي ترتبت على سلوك القيادة ودورها في كل ما حصل . هذه هي الحقيقة.
ظل التأييد بعد الخروج من لبنان، وبعد مؤتمر مدريد، وبعد توقيع اتفاق أوسلو، وبعد تشكيل سلطة الحكم الذاتي! كما لو كان موقفا عقائديا ذا صبغه عاطفيه.
إن ظاهرة الرفض الفلسطينية العميقة والموجودة في الشعب الفلسطيني لم تستطيع التأثير الجوهري في حجم التأييد الذي محضتة الجماهير للقيادة الرسمية. أو أعاقة توجهاتها، وظلت  هذه القيادة مسلحة برمزيها التي اكتسبتها من أيام العمل الفدائي وقادرة على التأثير في الجماهير واستقطابها .
لقد تكرس إلقاء اللوم على الغير وعلى الظروف الموضوعية دون إحداث أي تداخل منطقي بين الظروف الذاتية والموضوعية التي أحاطت بمسيرة الثورة وما لحق بها من ضربات ساحقة في الخارج أدت إلى محقها وعزلها عن الجماهير الفلسطينية والعربية و بحيث لم تعد قادرة على الاتصال بها وتعبئتها وتنظيمها وحشدها , ثم تخلت عن هذا الدور عبر اتفاقات وتفاهمات رسمية مع السلطات العربية الرسمية
لقد غيبت إلى الهاوية أسئلة كثيرة ومهمة من نوع:
لماذا لم تنتصر الثورة ؟

لماذا لم تتقدم القضية خطوة إلى الأمام رغم هذه التضحيات الجسام؟

من المسؤول عن تبديد تضحيات الجماهير الفلسطينية في الخارج والداخل؟

لماذا لم تجر عملية مراجعة في مسار الثورة؟

لماذا لم تتمكن القوى من صياغة وحدة وطنية كفاحية كما حصل في تجارب الشعوب؟

أين التحالفات التي صاغتها الثورة مع قوى عربية رسمية وشعبية وكيف تم التعامل معها؟ هل كانت القيادة كفؤة لإدارة الصراعات على هذا المستوى؟

وما مسؤوليتها عن كل هذه الهزائم؟ أين تقف القضية الفلسطينية الآن؟
إن المقصود من فيض الأسئلة هذا، لا يستهدف فقط الوقوف عند ما مضى وما جرى على أهميته البالغة، فما مضى هو سياق مستمر حتى الآن يدفعنا وبالضرورة لطرح تساؤلات بهدف المستقبل. فإذا كان ما مضى وما جرى هو في بطن التاريخ فان الكثير منه لا زال في سياق الحاضر ويولد المستقبل – مستقبلنا ومستقبل قضيتنا وأجيالنا القادمة، ومصير شعبنا في اللجوء والشتات، وشعبنا تحت الاحتلال. فلا زالت إسرائيل تحتل كل فلسطين.

✺ ✺ ✺

الرياضة “أفيون الشعوب”؟

على هامش بطولة العالم لكرة القدم 2022 في قَطَر

الطاهر المعز

الروائح الكريهة لغاز قَطَر

تُعدّ مشيخة قطر ثاني أكبر مُصدّر للمحروقات بمجلس التعاون الخليجي، وتمتلك ثالث أكبر احتياطي عالمي للغاز، في بلد لا يسكنه سوى نحو 2,9 مليون نسمة، منهم 330 ألف قَطَرِي و 2,57 مليون عامل أجنبي من آسيا الجنوبية، وبضعة آلاف من كبار الموظفين الأمريكيين والأوروبيين، ويقدّر معدّل الدّخل السنوي للفرد القَطَرِي، سنة 2020 بنحو 85 ألف دولار، وتُشكّل صادرات النفط والغاز نحو 70% من إيرادات ميزانية مشيخة قَطَر ونحو 60% من الناتج المحلي الإجمالي ونحو 85% من إيرادات الصّادرات أنفقت مشيخة قطر نحو 220 مليار دولارا على البنية التحتية والدّعاية لبطولة العالم لكرة القدم 2022 وقُتِلَ حوالي سبعة آلاف عامل طيلة عشر سنوات من الأشغال…

لا تُسدّد الشركات التي يمتلكها قَطَرِيُّون أو من دُويلات مجلس التعاون الخليجي، أي ضريبة على الأرباح، ولا تتجاوز نسبة الضريبة على أرباح الشركات الأجنبية 10% مع إعفائها م​​ن أي رسوم أو مساهمة في تأمين العُمّال الأجانب الذي لا حق لهم في الحماية الإجتماعية أو التأمين الصحي أو التقاعد، واجتذبت هذه الظروف المواتية لتعظيم الأرباح، 850 شركة أميركية و700 شركة بريطانية و330 شركة ألمانية وشركات أخرى من مختلف أنحاء العالم، للإستثمار في قطاعات مختلفة، وخصوصًا في البنية التحتية

صَدّرت قَطر، سنة 2021، نحو 75% من الغاز والنفط إلى آسيا: الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية … وتستورد قطر جميع موادها الخام، باستثناء المحروقات، و 90% من استهلاكها الغذائي من الولايات المتحدة (16%) والصين (15%) وبريطانيا (7,3%) وغيرها، ويقدر فائض الميزان التجاري لدُوَيْلَة قطر بنحو 60 مليار دولار سنة 2021.

ورد في تقرير نشرته وكالة “بلومبرغ” تحليل للإقتصاد القطري، بنهاية 2021، وأكّد التقرير استثمار الصندوق السيادي “جهاز قطر للاستثمار” (QIA) مبالغ كبيرة في عقارات المدن الغربية الكبرى، وكذلك افي لعديد من المصارف والشركات في بريطانيا وفرنسا وألمانيا، واستحوذ جهاز قطر للإستثمار، خلال الأزمة المالية لسنة 2008، على أسهم في مصرفَيْ “باركليز” و”كريدي سويس”، بالإضافة إلى حصص في شركات صناعة السيارات الألمانية “بورش” و “فولكس فاغن” …

يُعتبر تنظيم بطولة العالم لكرة القدم، والتطبيع مع الكيان الصهيوني وتخريب البلدان العربية (سوريا وليبيا…) واحتضان الإخوان المسلمين، وشراء المُثقفين والباحثين، واستقبال القواعد العسكرية الأمريكية الضّخمة (وكذلك الفرنسية) جزءًا من خطة استثمارية واسعة النطاق تهدف إلى ترسيخ مكانة قَطَر وترسيخ مصداقيتها المالية الدولية.

التظاهرات الرياضية في ظل العَوْلَمة الرأسمالية

زاد حجم المُزايدات بحقوق الإنسان وحقوق العمال المهاجرين بالخليج، مع بطولة العالم لكرة القدم 2022، بدُوَيْلَة قَطَر، بينما يَصِف الإعلام السائد بالولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي المُهاجرين القادمين إلى أوروبا، بالغُزاة واللصوص والمجرمين وكل الأوصاف الشنيعة، ولا يعني ذلك تبرئة مشيخة الخليج التي تفوح منها رائحة الغاز النّتنة، من الفظائع والإجرام في حق الشعوب العربية واستعباد العُمال المهاجرين من جنوب آسيا، فضلاً عن عمالة الأُسرة الحاكمة للولايات المتحدة، إذْ تحتل إحدى القاعدتين العسكريتين الأمريكيتين (سيلا وعديد) نصف مساحة هذه الدّوَيْلَة التي يُقدّر عدد سكانها بنحو 2,9 مليون نسمة، يُشكّل المهاجرون غير العرب، نسبة 88,5% منهم، وفق تقديرات الرُّبع الثالث من سنة 2022. لم يتم تطوير الرياضة في هذه الدويْلة الصغيرة، ومع ذلك فازت بحق تنظيم كأس العالم لكرة القدم سنة 2022، وهي تظاهرة مكلفة (كما الألعاب الأولمبية) إذ تقدر تكلفتها بنحو 220 مليار دولار، استُخدمت لإنشاء البنية التحتية والمطارات والطرقات والنقل تحت الأرض والملاعب الجديدة والفنادق وغيرها، وتهدف الأُسرة الحاكمة بقطر استخدام الرياضة كوسيلة سياسية للتأثير على المستوى الدولي، ويشكل استحواذها على نادي باريس سان جيرمان ورعاية شركة الخطوط الجوية القطرية لنادي برشلونة وتنظيم العديد من المسابقات الدولية جزءًا من هذه الخطة.

يعتبر تنظيم كأس العالم فرصة لمناقشة أوضاع وظروف العمل أو المعيشة للعمال المهاجرين في قطر ودول الخليج الصغيرة الأخرى، رغم ما شاب بعض التّعليقات من عنصرية ونفاق، وتقدر صحيفة “الغارديان” البريطانية اليومية (شباط/فبراير 2021) عدد العُمّال الأجانب الذين لقوا حتفهم في مواقع البناء الخاصة بكأس العالم، بنحو 6500، فيما قدّرت مجلة “تايم” عددهم بأكثر من سبعة آلاف.

عندما قرر الإتحاد الدّولي لكرة القدم، سنة 2010، أن تستضيف دُوَيْلَة قَطَر بطولة كأس العالم لكرة القدم لدورة 2022، لم يكن لتلك الإمارة أي تُراث رياضي، ولم يتأهّل المنتخب القَطَرِي لكرة القدم ولو مرة واحدة إلى نهائيات كأس العالم، بل كان في المرتبة 113، وعناصره من حديثي التّجنيس، غير أن الدّولارات ذات الرّائحة الكريهة للغاز أغْمَضَت أعيُن عناصر الهيئات القيادية للاتحاد الدّولي لكرة القدم، ومن يدعمهم سياسيا من حُكّام الدّول الرأسمالية المتقدمة (الإمبريالية)، فأهملوا سَلْبِيّات ملفّ “قطر”، مثل قلة عدد السكان وغياب الملاعب والبنية التحتية الضرورية لاستقبال الوفود الرياضية وتدريبات الرياضيين، واستقبال الجمهور القادم من مختلف بلدان العالم (ومن مُستَوطني فلسطين المحتلة)، وافتقاد الجمهور المحلي وانعدام المناخ الذي يُشجّع كرة القدم (وأي رياضة أخرى) وعدم الخبرة التنظيمية والحر الشديد الممزوج برطوبة الهواء، ناهيك عن اعتماد مَشْيَخَة الغاز النّتِن على العمال المهاجرين من جنوب آسيا لبناء الملاعب والطرقات والمُنشآت في ظروف شبيهة بالعُبُودية، في غياب أي شكل من أشكال الحريات السياسية والفردية، وغياب النقابات التي يمكنها الدّفاع عن حقوق العاملين… يبدو أن قَدْر وضمائر الهيئات التنفيذية للإتحاد الدّولي لكرة القدم ومن يحميهم من قادة الدّول الإمبريالية لا يتجاوز 220 مليار دولار أنفقتها مَشْيَخَة قطر لشراء الضّمائر ولهضم حقوق العاملين لدى الشركات العابرة للقارات التي تُشغّلهم في مشاريع ضخمة للبنية التحتية…

مكانة كرة القدم في الإعلام والاقتصاد والسياسة

تُشكل كرة القدم مرآة للمجتمع، حيث ازداد عدم المساواة بشكل كبير خلال العقود الثلاثة الماضية، بعد تعميم وانتشار الاحتراف الرياضي والتغطية الإعلامية، في سياق نيوليبرالي يجعل من الرياضيين الشباب – وخاصة من البلدان الفقيرة – سلعة تُباع وتُشترى، بحجة “تحرير سوق العمل “، في حين أن تشدّدت سياسات الهجرة والدراسة والعمل للمهاجرين إلى الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي، أصبحت الحدود مغلقة بإحكام بالنسبة للعمال اليدويين أو الفلاحين الذين فقدوا أراضيهم في البلدان الفقيرة، وفقًا لعالم الاجتماع ريتشارد جوليانوتي.

في مجال الرياضة (كرة القدم على وجه الخصوص) كما هو الحال في قطاعات الاقتصاد الأخرى، هناك تفاوت متزايد بين الأندية، ليُهَيْن عدد قليل من الأندية الأكثر ثراءً على البطولات الوطنية والإقليمية والقَارِّيّة والعالمية، واستهدفت الشركات العابرة للقارات والأثرياء هذه النّوادي، واشترت صناديق الاستثمار العامة والخاصة، ومعظمها أمريكية ولا علاقة لها بكرة القدم ولا بالرياضة، أنديةً أوروبيةً لتجعل منها شركات مربحة ماليًا، وبذلك طورت الرأسمالية عولمة الاستهلاك الرياضي والأندية التي تدر عائدات تجارية ضخمة بالإضافة إلى حقوق البث الدولية.

يخضع اقتصاد كرة القدم لقواعد الرأسمالية وعدم المساواة في توزيع الثروة، حيث يتشكل دخل النوادي من أربعة مصادر رئيسية: حقوق البث وحجز التذاكر والرعاية والمنتجات المشتقة (مثل بيع القمصان)، بالإضافة إلى الدخل من انتقالات وبَيْع اللاعبين، ومنذ سبعينيات القرن العشرين، تراجعت حصة التذاكر التي كانت مَصْدَرًا ماليا رئيسيا قبل خمسين عامًا، بشكل تدريجي لصالح حقوق البث التلفزيوني والرعاية، في الأندية الأوروبية الكبرى، مما أدى إلى زيادة عدم المساواة بين الأندية، إذ زادت حصة إيرادات الأندية الكبيرة، مما أدى، من الناحية الرياضية، إلى زيادة احتكارها الألقاب والكؤوس والميداليات، كما إن التفاوتات في رواتب اللاعبين (وعائدات الإعلانات) صارخة، كما هو الحال في قطاعات الاقتصاد الأخرى، حيث يكسب جزء صغير من اللاعبين الملايين بينما تحصل الأغلبية على دخل متواضع خلال حياة مهنية قصيرة، بمتوسط أربع سنوات تقريبًا في الدرجة الأولى.

أثار الدور المتنامي للبث التلفزيوني وحقوق التليفزيون في ميزانيات الأندية رد فعل اللاعب الأرجنتيني دييغو مارادونا (30 تشرين الأول/أكتوبر 1960- 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2020) الذي أشار إلى أهمية أجواء الملعب والجمهور بقوله: “اللعب خلف الأبواب المغلقة، بدون جمهور، يشبه اللعب في مقبرة “.

كرة القدم أفيون الشعوب؟

في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2022، ذكرى القمع الدموي للمظاهرة التي دعت لها جبهة التحرير الوطني الجزائرية في باريس (17 تشرين الأول/أكتوبر 1961)، أُعلن فوز كريم مصطفى بنزيمة (35 عاما)، ابن الجيل الثالث من المهاجرين الجزائريين في فرنسا (منطقة ليون) بجائزة الكرة الذهبية للعام 2022، وهي جائزة تُتَوِّجُ أفضل لاعب كرة قدم في أوروبا، من قِبَلِ لجنة تحكيم دولية، وأعلن الفائز إنها “الكرة الذهبية الشعبية”.

لقد شكّل فوز كريم بنزيمة ثأرًا هادئًا، في مجال الرياضة، ضد كل من حاول (في فرنسا) عرقلة مسيرته الرياضية، فهو لاعب مُحترف منذ بلوغه سن السابعة عشر، وأصبح هدفًا للعنصرية الهيكلية والمؤسسية في فرنسا التي تستهدف أبناء المهاجرين، عنصرية واضحة وصريحة، صادرة عن الأوساط السياسية من اليمين المتطرف إلى رئيس الوزراء السابق مانويل فالس، وعن الأوساط الرياضية، ووسائل الإعلام التي أثرت (بطريقة سلبية) على الرأي العام، وهذا ما يفسر سبب الاحتفال بهذا الحدث بشكل خاص داخل فريق ريال مدريد، حيث يلعب بنزيمة منذ 2009، وبين أبناء وأحفاد المهاجرين العرب والأفارقة في فرنسا الذين تبنّوا وصف الجائزة ب”الكرة الذهبية الشعبية”، ما يضيف لها مغزى سياسي، فضلاً عن الجانب الرياضي.

على الصعيد الرياضي ، توج اللاعب كريم بنزيمة مع ناديه (ريال مدريد) بدوري أبطال أوروبا أربع مرات، منها ثلاث مرات متتالية، وهو حدث فريد في تاريخ المسابقة، وحصل على جائزة أحسن هَدّاف في مسابقتين رئيسيتين، وهو ثاني أكبر هداف في تاريخ كرة القدم، بعد رونالدو، لكنه مَنْبُوذ في منتخب فرنسا من قبل وسائل الإعلام والإتحاد الفرنسي لكرة القدم، ومن ثم من قبل قسم هام من الجمهور، حيث تعرض لانتقادات بسبب عدم أدائه النشيد الوطني الفرنسي (لا مارسييز) ولذلك فهو مُتّهم بأنه “غير وطني”، أي غير شوفيني وغير متحمس للراية (العلم) والنشيد الفرنسيَّيْن، خاصة بعد إعلانه أن قلبه جزائري، رغم ولادته ونشوئه في فرنسا، وهو ابن مهاجرين من الجيل الثالث، لكنه ابن الطبقة العاملة، فأبواه وجدّه عُمّال مهاجرون في أسفل السلم الاجتماعي، ما يُؤكّد أن المجتمع الفرنسي ليس متناغمًا كما يَدّعي السياسيون، ولكنه مجتمع طبقي، مجتمع تهيمن عليه البرجوازية مالكة وسائل الإنتاج والمصارف ووسائل الإعلام المهيمنة والتي تُمَجِّدُ الاستعمار والإمبريالية، والتي تنشر العنصرية ذات الصّبغة الطبقية ضد العمال المهاجرين وذريتهم من اللاعبين النابغين مثل بنزيمة ونصري وبن عرفة الذين عانوا من العنصرية في ملاعب كرة القدم وخارجها، بالإضافة إلى لاعبين آخرين من أصدقاء العرب أو من المناهضين للعنصرية مثل ريبيري أو أنيلكا، وهم يتعرضون باستمرار لحملات تشويه لا علاقة لها بصفتهم رياضيين بل يكمن خطأُهم الوحيد في كونهم أبناء مهاجرين أو أصدقاء مهاجرين. ولهذا السبب أعلن بنزيمة، بعد تقديم الكأس، أنها “الكرة الذهبية للشعب”.

اختزل الناس مقولةً شهيرة لكارل ماركس في جملة واحدة “الدّين أفْيُون الشُّعُوب”، ولكنه “إيجازٌ مُخِلٌّ” حيث كتب كارل ماركس مقولته الشهيرة في أطروحته “مساهمة في نقد فلسفة الحق” لدى أستاذه هيغل، ما مفادُهُ: “الشقاء الديني هو من جهة يمثل التعبير عن الشقاء الواقعي، وهو من جهة ثانية احتجاجٌ على هذا الشقاء. إن الدين هو زفرة الإنسان المظلوم الذي هدّه الشقاء، هو قلبُ عالمٍ بلا قَلْب، هو مثل الروح في عالم بلا روح… إنه أفيون الشعب“.

تنطبق هذه المقولة في عالم اليوم على كرة القدم، “أفْيُون الشّعب”، إنه الشعب الكادح والمُناضل من أجل حُقُوقِهِ والمُقاوم للاستغلال والقَهْر والظُّلْم…

من أجل حركة رياضية تقدّمية

لاحظْتُ اهتمام العديد من الأصدقاء والرفاق بالرّياضة، وأجْهَلُ نسبة مُمارِسِي الرياضة من بيْن هؤلاء، لكني لاحظْتُ اهتمامًا كبيرًا ببعض نوادي كرة القدم الأوروبية، إلى درجة استخدام البعض ضمير المُتكلّم الجَمْع عند التعليق على حدث رياضي، من قبيل “فُزْنا” أو خَسِرْنا” أو “ارتكبنا أخطاء تكتيكية” وما إلى ذلك، وسبق أن كتبْتُ تعليقًا قصيرًا بهذا الشأن على صفحة فيسبوك لأحَد الأصدقاء، قبل بضعة أشْهُرٍ، وحَفّزَتْني بعض التعليقات والملاحظات على التّفكير بشكل جِدِّي في هذه الظّاهرة، وكيفية تحويل هذا الاهتمام المُفْرِط بالرياضة إلى جزء من برنامج سياسي مُسْتَقْبَلِي.

تثير التّظاهرات الرياضية اهتمام الملايين من الأشخاص الذين يقدمون تضحيات مالية هامّة، لكنهم غالبًا ما لا يتجاوزون دور حب الرياضة “عن بُعْد”، ما يجعل منهم مناصرين ومُؤَيِّدِين سلبيين، أي لا يُمارسون الرياضة. أما الملاعب فهي من أعظم أماكن التجمع الدّوْرِي المنتظم لملايين الأشخاص، ولهذا السبب، تهتم دوائر القرار السياسي والاقتصادي بالرياضة وبجمهورها، من خلال الإعلام والإشهار والرعاية والاستثمار، وتظُمّ جماهير الملاعب الرياضية (خاصة ملاعب كرة القدم) فاشيين وعنصريين، لا يُخْفُون مُيُولاتهم السياسية، بل يحملون اللافتات ويهتفون بالشتائم والشعارات الرجعية والعُنصرية، كما تَظُمُّ مدارج الملاعب تقدميين يكافحون ضد العنصرية والتمييز، وضد تحويل الرياضة والرياضيين إلى سلعة، منذ أصبحت النوادي الرياضية ملكًا للأثرياء وشركاتهم التي تفرض خياراتها باسم “الرّعاية”، رعاية المليارديرات والشركات أو شبكات التلفزيون، الأمر الذي يؤدي إلى “تَسْلِيع” النوادي واللاعبين والمشجعين.

كيف يمكن تطبيق رؤية تقدمية على الرياضة في ظل الوضع الحالي؟

لن تختفي الرعاية والمكافآت والامتيازات المالية والاجتماعية في ظل النظام الرّأسمالي، ولذلك يمكننا أن نطرح خطّة لا تبْدُو مِثالية بل منطقية و”معقولة”، تتضمّن المُطالبة بحد أقصى للرواتب وفرض الشفافية على الدّخل الإجمالي (الرواتب والحوافز و”الهدايا”…) وإقرار ضرائب متصاعدة على دخل أغنى الرياضيين، وهذا يُؤَدّي إلى الحد من قوة وهيمنة الأعيان الماسكين بزمام الاتحادات الرياضية والرعاة وأصحاب الأندية الوطنية والدولية، ويكون تقديم هذه الخطّة بالتّوازي مع العمل على إنشاء اتحادات رياضية موازية (مثل اتحاد الرياضيين العاملين والهواة) بهدف تقوية وزن الآلاف من الرياضيين الذين يعيشون في ظروف هشّة، مثل الرياضيين الأفارقة المهاجرين في أوروبا الذين يعيشون نوعًا من القنانة. يجب أن تمثل اتحادات اللاعبين مصالح الآلاف من الرياضيين في الأندية الصغيرة، ولا تقتصر على مصالح النجوم ذوي الرواتب الضخمة، ويمكن تقاسم الأموال المكتسبة من خلال بيع حقوق البث بشكل أكثر إنصافًا، مع العمل على الحدّ من قوة شبكات البث التلفزيوني، وخفض أسعار تذاكر الدّخول إلى الملاعب، لتصبح في متناول الطبقة العاملة، كما يمكن تنظيم المسابقات بطريقة لا تحابي الأندية الأكثر ثراءً، وإعادة تصميم نظام نقل اللاعبين من ناد إلى آخر لحماية الفئات الأكثر ضعفاً، مثل الشباب والمهاجرين من البلدان الفقيرة.

تراعي هذه الخطّة التّدرّج وصعوبة نَشْر الأفكار الجديدة البديلة، وصعوبة التغيير في ظل منظومة فاسدة في كل المجالات، بما فيها الرياضة، حيث يرفض مالكو النّوادي من الأثرياء (ومن ورائهم النظام السياسي القائم) إضفاء الطابع التّقدّمي والديمقراطي والشّعبي على اتحادات كرة القدم التي تُسَوِّغُ هيمنة رأس المال على الرياضة من خلال الرعاية وحقوق البث التلفزيوني والإشهار والتّسْوِيق…

يمكن أن تكون هذه الخطة التقدّمية بمثابة أداة دعاية بين عشرات الملايين من الرياضيين وأنصارهم وأحبائهم، فلا تقتصر هذه الدعاية على النقد، بل تهتم ببناء بديل تقدمي يُمكن تطويره بالنقاش بين كل المهتمين بالرياضة، لأني لم أشأ الإطالة وكتبت هذا النص القصير لمجرد إثارة النقاش، فلم أتطرق إلى عنف الشرطة ضد المُشجّعين والمُتفرّجين، ولا إلى فساد مسؤولي الاتحادات والنوادي وجهاز التّحكيم، كما لم يتطرق هذا النص القصير إلى معضلات إنشاء ومسائل تنسيق الهياكل التقدمية للرياضيين أو المؤيدين، على المستويين الوطني والدولي، إلخ.

هناك صعوبات تتطلب إجابات وحُلُول، منها: كيف يجب أن تندمج هذه الأنشطة – التي تخص الرياضة – في حركة اجتماعية تقدّمية واسعة، وكيف يمكن رفع مستوى النقاش العام والتواصل مع الحركات الاجتماعية الأخرى من أجل المساواة والعدالة وكيفية تحويل الأفكار إلى أحداث ملموسة، وكيفية تنظيم البطولات الرياضية الشعبية وما إلى ذلك.

يبين لنا التاريخ أن إنشاء حركة رياضية تقدمية منظمة، ضد الثقافة الرأسمالية السّائدة أمر ممكن، ويجب التّذكير أن الحركة الرياضية العمالية في أوائل القرن العشرين جمعت الملايين من الرياضيين العماليين ونظمت أحداثًا جماهيرية (شارك ما يقرب من ثمانين ألف شخص في أولمبياد العمال سنة 1931 في فيينا، عاصمة النّمسا) ، وتم تنظيم بطولات كرة القدم ( في ألمانيا على سبيل المثال) تمكنت من منافسة تلك التي تنظمها المؤسسات الرسمية، ويمكن الإنطلاق من تنشيط اتحادات الرياضة للعاملين…

________

تابعونا على:

  • على موقعنا:

https://kanaanonline.org/

  • توتير:
  • فيس بوك:

https://www.facebook.com/kanaanonline/

  • ملاحظة من “كنعان”:

“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.

ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org