المؤتمر القومي العربي من بشارة إلى صباحي! أحمد حسين

المؤتمر القومي العربي من بشارة إلى صباحي!

أحمد حسين

(ملاحظة: بعد تتويج حمدين صباحي، مؤخراً، رئيسا للمؤتمر القومي العربي، تذكرنا ما كتبه الراحل أحمد حسين حين جرى تتويج عزمي بشارة على نفس المؤتمر، وذلك طبعاً قبيل غزوة الكيان إلى الوطن العربي ببعث عزمي بشارة إلى هناك لتطبيع العرب)

أين هي المفاجأة في انتخاب عزمي بشارة رئيسا للمؤتمر القومي العربي ؟:

أم أن البلبلة وصلت بنا إلى درجة استهجان كل ما هو منطقي في السياق؟  من ينتخب عضوا في الكنيست لا يستهجن أن ينتخب رئيسا للحكومة في قطر، فكيف يستهجن أن يعين رئيسا لمرتزقة الشاشة في قناة الجزيرة برتبة مفكر؟  هذا هو كل ما في الأمر أيها السادة!  فعزمي بشارة عهدة إسرائيلية مستردة في ذمة حلفائها القطريين، تسلمته قناة الجزيرة وعينته في منصب يستطيع منه أن يقوم بعمل مجد في السياق الإعلامي للمرحلة الجديدة. مرحلة تحالف دول الاعتدال العربي مع أمريكا وإسرائيل ضد إيران والقومية العربية.  

ثم أنظروا حولكم يا سادتي وحكموا نباهتكم! إذا كان أبو مازن رئيس فلسطين وعمرو موسى رئيس الجامعة العربية وجاسم القطري رئيس الديبلوماسة العربية، فما المانع أن يكون رئيس المؤتمر القومي العربي إسرائيليا.  لا تضارب منطقي أبدا من حيث التصنيف أو المضمون. الجميع ليبراليون في التصنيف، أي منصفون لأمريكا، وضد الممارسات الصهيونية، ومتفهمون لمشاكل الشعبين العربي والإسرائيلي معا.  أما من حيث المضمون فهم متساوون في البؤس الوظيفي. فليس أحد منهم رئيسا على شيء. فلا الجامعة العربية موجودة ولا فلسطين قائمة ولا الديبلوماسية العربية يعرف عنها العقل الواعي شيئا. أما المؤتمر القومي العربي فلا يعرف عنه إسخيلوس نفسه شيئا. 

إذن لا حاجة للضجيج. قاللو “…. أختك “ قاللو ما ليش خوات.  مكتب وراتب وسكرتيرة ووظيفة مشفرة ولا شيء آخر. ولو ترك الأمر لعزمي بشارة لاختار لقبا عليه القيمة بدلا من هذا اللقب الذي ليس فيه حتى هواء.  ولكن العبرة في اختيار الموقع هي اختصاص الرجل، واحتياجات قناة الجزيرة وإعلامها الذي أصبح يعيش حالة طوارئ، بعد إعلانها عن نفسها قناة قومية. 

أنا وبكل الإخلاص، أعرف أن عزمي بشارة بمدى ما قرأته وسمعته، يتكلم كمفكر. وأقول ذلك ليس لأنني مؤهل لهذا الحكم، ولكني أقوله ببساطة أن كل من يفكر فهو مفكر.  خاصة إذا كان يبذل مجهودا نوعيا لاكتشاف غير المكتشف.  ولكن يحيرني أمران قد أكون أنا السبب في التباسهما علي. الأول هو المجال الفكري لعزمي بشارة.  فإذا كان عزمي مفكرا شموليا فلا عيب في ذلك فهذه وعكة يصاب بها الكثيرون، وخاصة ممن يقرأون أبحاث الحداثة، ويضطرون إلى الجلوس في عراء الشرفات أثناء البرد القارص. أما إذا كان مفكرا مختصا فما هو اختصاصه؟  يقال إنه مفكر قومي؟ لماذا؟ ألأنه اكتشف ذات مرة أن القومية إذا لم تكن على مقاس ليبرالي هي ” هزة بدن ” كما قال؟  أي أن الذي يقول إن الأولية التاريخية على فلسطين وكل امتداداتها اللاحقة كانت للكنعانيين   وليس لأي شعب آخر، هو ” مختل بدنيا ” وناقل للعدوى. وعلى هذا الأساس لماذا لم يقل إن الذهاب إلى الكنيست الصهيوني هو أيضا “هزة بدن “.  فالصهيونية تستخدم الله شخصيا في توثيق حقها على فلسطين وليس الوثائق المزيفة فحسب. فلماذا يصبح التأصيل القومي الموثق بالمقابل “هزة بدن ” كما قال؟  هذا هو الالتباس الأول وهو التباس قومي بامتياز.  فأنا لم أستطع حتى اليوم استيعاب كيف يكون الفلسطيني غير الفلسطيني، مفكرا قوميا عربيا؟  ولكن ما أخرجني من هذا الإشكال هو إشكال آخر، يتمثل في السرعة المذهلة التي أصبح فيها عزمي بشارة مفكرا قوميا. فما بين إصابته باللقب بشكل مفاجئ , واستفحال  الداء إلى  هذه الدرجة القومية الحرجة، لم يمض أكثر مما يلزم ليصبح الشخص مقعدا إثر حادث سيارة.  لقد توضح الإشكال بالنسبة لي على ضوء حالة وضع الشارع القومي العربي المزدحم، الذي تكثر فيه الحوادث المؤسفة لأن كثيرا من السواقين فيه يقودون سياراتهم برخص سياقة مزيفة، أو لا يملكون رخصا على الإطلاق. لذلك فإن هناك رخصة مزيفة وراء كل حادث قومي أو وطني مؤسف، وراءه دائما قناة الجزيرة ومصادرها العليا.  فالجزيرة بالإضافة إلى مآثرها الجميلة الأخرى تستطيع 

أن تصنع مفكرا قوميا في مدة عشر حلقات فقط، وتستخرج له مؤتمرا قوميا من الأرشيف تنصبه رئيسا عليه.

منذ قرأت أول بيان موقع باسم ” المؤتمر القومي العربي ” وشاهدت وسمعت وقرأت ما يقوله بعض المنسوبون إلى هذه الفرية الجهنمية، عرفت أنني أمام مهزلة إعلامية يعتمد أصحابها على نشرها بطريقة نقل العدوى بالحقن الشخصي. وكتبت عن ذلك عدة مرات على شكل تعليقات أو تضمينات سياقية في بعض المقالات. وكتبت ردودا مطولة على عزمي بشارة أكثر من مرة. وحينما دعي إلى المشاركة في جلسات المؤتمر القومي العربي قبل نقله رسميا من دولة المركز إلى المستعمرات، عرفت أن حادثة مثيرة ستقع. وكتبت عن ذلك أيضا.  نشر معظم ما كتبت ولكن بعضه لم ينشر لأسباب ربما تخص التحفظ من لهجتها الحادة. ولولا كوني شاهد عيان على بعض الأمور لما كتبت.  فالواقع العربي ليس بحاجة إلى تشخيص كتابي لا يقدم ولا يؤخر.  فنحن عربيا في حالة وعي قدري. وقارئة فنجان يمكن أن تفيد أكثر من أي تحليل أو تشخيص سياسي أو فكري.  نرى ونعرف ونحس كل ما يفعله بنا الآخر. ونستطيع قراءة المهازل التي أصبحت تنفذ على دمائنا تارة وعلى عقولنا تارة أخرى وعلى شرفنا دائما قراءة جيدة. ولكننا لا نريد أن نتدخل. وإذا تدخلنا فهناك ما يقال فقط، وليس هناك ما يفعل أبدا.

لماذا لم أسمع أن أحدا قد انتحر في أعقاب تولي عزمي بشارة منصبه الجديد؟ 

_________

ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….