تأخر … فكان أخطر، عادل سماره

  • ألمانيا الاستعمار واليسار ضد العرب ودينهم!

على الرغم من أن الفكر العنصري له تاريخ ومفكرين ألمان، ربما أقدم من بقية العنصريين البيض، إلا أن دورها الاستعماري، أي ألمانيا، تأخر عن إنجلتره وفرنسا وإيطاليا…الخ.

وهذا راجع إلى أن رسملة ألمانيا أو الثورة الصناعية تأخرت عن الأخريات. وإذا صح القول: ” أن تأتي متأخرا افضل من أن لا  تأتي” كان أفضل للبشرية لو أن ألمانيا تأخرت ولم تأتي.

فالبلد المترسمل يغزو ويستعمر بلدان أخرى محفوزأً بطاقة إنتاجية فاقت قدرة الاستيعاب من السوق المحلية كي يحافظ على أعلى قدر ممكن من التراكم.

يخلط البعض بين “تدني معدل الاستهلاك” Under consumptinism الناجم عن ضعف القدرة الاستهلاكية في بلد ما نتيجة عوامل أو أزمات اقتصادية، ذلك لأن الحافز الأهم للاستعمار هو إنتاج ما يفوق طاقة السوق المحلية حتى وقت الازدهار ونشاط الاستهلاك المحلي.

ولأننا بصدد قولٍ ما في العنصرية ولكي يفهم المرء الأسس العقيدية للعنصرية البيضاء لا بد أن يرجع إلى هيجل الذي اعتبر الآريين أفضل الأعراق. وخطورة هيجل في كونه فيلسوفا كبيراً. فليس بشاعر أو سياسي حيث تأخذه المبالغة أو الأطماع الطبقية السياسية.

ان موقف هيجل العنصري والمركزاني بامتياز واضح في التالي: »… تعي الامة المتحضرة بأن حقوق البرابرة غير مساوية لحقوقها، وتعامل استقلالها الذاتي فقط باعتباره مسألة شكلانية “(111:1971 Chicago Britannica Encyclopaedia (Right of Philosophy The Hegel.F.W.G ___ 91  ) مقتطف من  كتاب : “التطبيع يسري في دمك/عادل سماره).

 وهذا يستثير ويستدعي السؤال: هل هذا التفكير العنصري هو الذي يسمح للغربي الرأسمالي الابيض أن يستعمر غير البيض، وأن لا يعتذر مجرد اعتذار عن الاستعمار، وأن يطالبنا بالتطبيع مع التاريخ وذلك بهدف أن يتواصل تطبيعنا في المستقبل، ويطالبنا بالتطبيع مع الكيان الصهيوني الاشكنازي لانه أبيض؟

في زمن مجد هيجل كتبت صحيفة ألمانية ضد محمد علي ما يلي:  

“… كما أشارت صحيفة أوسلاند الألمانية في عام 1831 بعد مراجعة صناعة القطن المصرية ، “من المثير للاهتمام أن بربريًا قد حقق في غضون بضع سنوات ما لم يتمكن نابليون والقارة بأكملها من تحقيقه منذ بداية القرن ، على الرغم من كل الجهود الممكنة. ، أي التنافس بنجاح مع البريطانيين في إنتاج القطن”.

 (Empire of Cotton: A Global History by Sven Beckert 2015, استاذ التاريخ  في هافارد

لا ندري بالطبع إن كان محرر الصحيفة استوحى هذا المرض من هيجل أم استوحياه كليهما من البنية الثقافية المجتمعية للبلد!

كان من أسباب الحرب الإمبريالية الأولى 1913-1919 أن ألمانيا استيقظت على طاقة إنتاجية كبيرة لديها وبالتالي قررت الدخول في حرب أخذ حصة من اقتسام العالم مع الإمبرياليات الأخريات. وبالطبع لم يكن تقاسماً سلميا حتى بين ضواري الإمبريالية. كان كل طرف يرسم خريطة جغرافية للضحايا ويعمل على تنفيذها ليقتتل عليها وحشياً مع الآخر.

كما أن الحرب الإمبريالية الثانية 1939-1945 كانت ألمانيا ايضا هي مفجرتها. بل وأخطر. كانت المانيا النازية مدعومة في البداية من الغرب الرأسمالي لتدمير الاتحاد السوفييتي، إلى أن انقلب ما يسمى الحلفاء ضده، وحتى أمريكا لم تدخل الحرب سوى متأخرة لتقطف ثمار تضحيات الاتحاد السوفييتي بقيادة ستالين ولكي تتحول بعدها كما الغرب لشيطنة ستالين إلى ابد حتى سقوط الرأسمالية.

ما يهمنا هنا هو الإشارة إلى أن النازية قد تشربت دمويتها من هيجل خاصة.

لكن هذا يطرح سؤالا قائما الآن: ماذا عن الغرب عموماً وألمانيا خاصة فيما يخص عدم منع عودة النازية في بلدانها.

لا يستطيع المرء القول بأن كل الألمان هم نازيين، ولكن هناك ما يشير إلى أن العنصرية والاستعلاء هما مكوِّن رئيسي في ثقافة الغرب الرأسمالي والألمان خاصة. صحيح أن كل أمة لديها مثل هذا التخيل الأعمى، ولكن تتفاوت الدرجات حتى تقارب أن تكون اختلاف في النوع وليس الدرجة فقط.

أخطر من محرقة اليهود:

 لا نملك دلائل على دعم اليسار الألماني أو بعض شرائحه للنازية ضد اليهود خاصة. فالمفترض أن اليسار وخاصة الشيوعي هو الخصم المباشر والأشد ضد النازية أو هو هدفها الأول.  دعنا نقول لم يكن هناك إجماع ألماني ضد اليهود وبأن الجريمة كانت حصراً على يد النازية.

لكن ما هو فارق وواضح أن المانيا وقفت ولم تتوقف مع الكيان ضد الشعب العربي الفلسطيني تحت ذريعة التكفير عن الذنب بالتضحية بآخرين! وبالطبع، فهذه أكذوبة الشعور بالذنب لدى كل الغرب! وهذا مستوىً في منتهى الوضاعة البشرية والتعالي مما يؤكد عدم وجود شعور حقيقي بالذنب ابداً لأن من يشعر بذنبه يقرر دفع ثمنا لذلك من لدُنه لا يرميه على ظهر غيره طبقا للمثل العربي: “يخوض البحر بغيره”.  

كانت مقاطعة بافاريا الألمانية موطن معظم اليهود، ولذا كان المفترض بعد النازية جعلها وطن الميعاد لليهود، الأمر الذي لم يحصل بل واصلت الحكومات الألمانية المتعاقبة تقوية وتمويل وتسليح الكيان وقبول جرائمه ضد الشعب الفلسطيني أي:

·       كانت المحرقة مشتدة ضد اليهود.

·       فدعمت ألمانيا محرقة ممتدة ضد العرب الفلسطينيين.

لا مجال هنا لتوفير ما يؤكد المساومة بين قادة اليهود والنازي!

وإذا كان حقاً أن اليسار الألماني لم يدعم النازية ضد اليهود، فإن هذا اليسار لم يحتج على الدعم الهائل لألمانيا ما بعد هتلر لنفس الكيان مما يؤكد أن المانيا عدوة للعرب.

من فلسطين إلى سوريا:

لم تتأخر ألمانيا عن نظيراتها من الدول الغربية في لعب دور معادٍ للعرب في أزمة الربيع الخريفي في الوطن العربي وخاصة ضد سوريا.

في الأزمة السورية برز دور ما يسمى “اليسار اللألماني” حيث جرى دعم الانفصاليين من الكرد السوريين للانفصال عن البلد الأم واقتطاع الجزء الأخصب زراعيا والمحتوي على النفط السوريين.

يعي ويقصد اليسار اللألماني أن هذا تفكيك لسوريا لتصبح دويلات تابعة ومتحاربة كما تغاضى عن حقيقة ان الكرد السوريين أتوا لاجئين من تركيا بعد أن استخدمتهم تركيا في مذبحتها ضد الأرمن عام 1915 ثم التوت لتذبحهم هم ايضاً ليهرب من يهرب إلى سوريا حيث آوتهم وعاملتهم كمواطنين.

كان الزعم اليساري الألماني بأن الانفصاليين الكرد سيقيمون نظاما ديمقراطيا واشتراكيا في الأرض التي يحتلونها! طبعاً لا يسأل هؤلاء أنفسهم: ماذا عن إقامتهم للنظام اشتراكي في ألمانيا! مثير للسخرية هذا التنظير على الآخرين.

تذكرت اكتوبر 1984 حين وصلت جامعة لندن للعمل على رسالة الدكتوراة حيث جرى ترتيب لقاء بيني وبين رئيس اتحاد الطلبة في جامعة لندن حينها. بدأ حديثه عن كيف يجب أن تحصل الثورة الاشتراكية في مصر. كان ردي لإنهاء اللقاء سريعاً: وماذا عن الثورة الاشتراكية في بريطانيا! طبعاً عرفت انه تروتسكي. لذا مثلا حينما بدأ الربيع الخريفي في الوطن العربي تحالف التر وتسك مع الإخوان المسلمين!!! أي “شيوعيين”  مع قوى دين سياسي!

هذا رغم أن أكثرية سكان تلك المنطقة التي تحتلها “قسد” هم من العرب السوريين الذي يقمعهم تنظيم (قسد) بأسلحة الإمبريالية والكيان!

وبهذا انضم الكرد السوريين “التقدميين جداً” إلى عملاء الإمبريالية الأمريكية التي تحتل جزءا من سوريا لتوفر لهم الحماية ليقيموا كيانا على شكل الكيان الصهيوني في فلسطين.

وإذا كان هذا دور اليسار الألماني وخاصة حزب “ديلنكا” والذي يمتطي تاريخ روزا لكسمبورغ بتشكيل منظمة أنجزة تطبيعية في المشرق العربي وخاصة في الأرض المحتلة، ، فلا  شك أن اليمين ليس بأفضل بالطبع.

هذا إلى أن تجلت آخر طبعات العنصرية اللألمانية  في مونديال قطر حيث دخلت ملعب كرة القدم في مونديال قطر وزيرة ألمانية لتخلع سترتها مبرزة شعار المثليين على ذراعها السمين  في مشهد يعادي الثقافة العربية الإسلامية.

مقابل هذه الدرجة من الوقاحة كان يجب أن تقوم سلطات قطر بحملها بملقط الفئران إلى المطار.

لكن الكيانات التابعة لم ولن ترتقي إلى الحد الأدنى من الكرامة القومية.

ووصلت قمة العنصرية الألمانية المقيتة والممرورة في التعليق على المونديال كرها للعرب خاصة: شاهد الفيديو المرفق الذي بثه التلفزيون الألماني.

حيث يُبرز الكراهية والإهانة للباس العربي والثقافة واللغة والدين!!!

يقول المتحدث: ” شعرت أن ميسي جزءاً من اللباس العربي وكأن ميسي يقول قبل ان ترفع الكأس عليك ارتداء اللباس العربي! أما السيدة فتعبر عن عنصرية عميقة وموروثة بقولها: ” شعرت بألم في البطن!!

وكليهما يستغربان كيف أن ميسي لم يرفع علم وقميص الأرجنتين”.

اي حقد ههذا؟ ربما لو تعرى ميسي كلياً ورفع علم المثليين لكان التلفزيون الألماني سعيداً.

يأخذنا كل هذا بالضرورة إلى ربط الأمر بمسالة ذل التبعية.

فالنظام القطري العائلي المتخلف حقاً استمرأ واعتاد الذل تجاه الغربي بما هو قاعدة للإمبريالية في وضد الوطن العربي، وهو نظام دين سياسي، ولذا تقبَّل كل تلك الإهانات وواصل تعهده بتزويد عنصريي أوروبا بالنفط حماية لهم من البرد إثر العقاب الروسي لأوروبا التي تقاتل روسيا علماً بأن قطر ليست بحاجة لبيع النفط لهؤلاء وخاصة ألمانيا التي زراها مؤخراً رئيس ألمانيا استغاثة للنفط!

إن داء التبعية بنيوي لا يمكن التعافي منه لا سيما في كيان قبائلي يدين بوجوده وبقائه للإمبريالية.

نختم بالسؤال: إذا كان هذا موقف السلطة القطرية الوضيع تجاه التعالي اللألماني، فلمدا لم تتحرك إمبراطورية الثقافة والأبحاث ودراسة السياسات التي تمولها قطر وتنشرها وباءً ثقافيا ضد الثقافة والقومية العربية والتي توظف جيوشاً من مرتزقة الثقافة العرب بأسماء وشهادات (مفكر، مثقف، دكتور، حداثي، ما بعد حداثي…الخ!

يذكرني خنوع هؤلاء بما كتبه ماركس عن الفلاسفة الألمان في عصره:

كتب ماركس في نقد الفلاسفة الألمان: ” … لذلك لم يكن الاقتصاد السياسي ثمرة من ارضنا، فلقد جاءنا جاهزا من إنجلترا وفرنسه بصفته صنفا مستورداً، وظل أساتذتنا تلامذة، وثمة أفضل من هذا. التعبير النظري عن مجتمعات أكثر تقدما استحال بين ايديهم الى مجموعة من العقائد الجامدة، يُؤولونها وفقا لاتجاهات مجتمع متخلف، فقد كان إذن تأويلا عكسيا،” (راس المال، نقد الاقتصاد السياسي المجلد الأول الكتاب الأول، القسم الأول، ترجمة محمد عيتاني مكتبة المعارف بيروت 1950. ص 13).

لكن “فلاسفة قطر” حتى أدنى من القدرة على التأويل، بل على رؤوسهم الطير.

_________

ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….