وديع حداد الملحمة وليس الأسطورة، لأن بطل الملحمة شخص حقيقي بينما بطل الأسطورة متخيل.
هذا الرجل المتقشف بالمطلق، الذي لا ينام، حاد الذهن، سيف النظرات، ذو فراسة هائلة في تقييم الرجال والنشميات. كان شعاره وتجسيده:” ورا ء العدو في كل مكان” وحتى في الجو وخاصة في الجو. بلا دولة وبلا قاذفات مقاتلات، وبلا صواريخ وبلا مسيرات، لكنه طارهم في الجو بالفدائيات/يين.
لم يجُد التاريخ بمثله ولن. فالتاريخ كلحظات الزمن لا يتكرر مضمونها ولا مولودها.
عرفته في بداية الشباب في بيروت 1963 عبر حركة القوميين العرب وتنظيم أبطال العودة. كان حينها مُطارداً من المكتب الثاني في لبنان ومن المخابرات الأردنية “مخابرات أبو رسول/محمد رسول” كان الهدف اختطافه! وهم بالطبع يعرفونه منذ كان في الأردن في منتصف الخمسينات وفي سجن الجفر الصحراوي.
يا للهول، ما اشبه اليوم بالبارحة، بعد أكثر من أربعة عقود، لم يتغير في هذه الأنظمة شيئا إلا إلى الخلف. فالأنظمة نفسها تطارد كل وطني فما بالك برجل غطى ساحات العرب والعجم والشرق والغرب ولم ينالوا منه إلا غيلة وصدفة.
كنت انقل له رسائل من قيادة الحركة من الأردن إلى لبنان وكان يختفي في بيت في بيروت “عمارةسنجر/طلعة حاج نيقولا” كان لا يعرف مكانه سوى ثلاثة حرصاً على أمنه.
كان يجب أن اقطع دراستي في الجامعة وأن أعود إلى الأردن /الضفة الغربية قبل حرب حزيران بيوم واحد للقيام بالواجب وريثما تصلني المؤونة في 9 حزيران، لكنها اشتعلت يوم 5 حزيران.
بقدر ما أُدين له في الأخذ من شخصه وإخلاصه وتفانيه إلى عدم النوم، أُدين له أنه طلب مني قطع الدراسة والعودة.
حتى الآن أتخيل لو أنني بقيت في لبنان بعد الحرب، لعشت كل تلك الظروف التي كانت من التعاسة بمكان:
· إما أن تكن حجرا في الجدار
· أو تُسحق بطريقة ما لأن هذه المقاومة كانت دوماً على حد السكين بل السكين على نحرها.
بالتأكيد كانت حياتي ستكون مختلفة ومصيري كذلك.
وباختصار، لماذا نتذكر ابا هاني في يومه هذا؟ لأن علينا أن نتذكره في كل يوم.
لماذا هو ولماذا اليوم؟
لهذا القول علاقة بالتاريخ القديم والحديث الجاري حالياً.
هذه اللحظة المنحطة في تاريخنا الجاري حيث الأنظمة العربية عدوة للأمة مما قاد إلى صفحة سوداء معيبة لا يرى المواطن منها سوى التخلف، العمالة، الخنوع، الفساد استدخال الهزيمة.
ترتب على هذه الصورة/المشهد الذي صيغ قصداً كي يرى الشاب أو الفتاة، أن لا شيء منيرا ولا شيء يدعو للفخر. كل هذا كان شغلا طويلا مديداً من الثورة المضادة ضد العروبة.
وضاعة الأنظمة سمحت لأنظمة عدوة وطائفية وعنصرية في الشرق والغرب بكتابة تاريخ معكوس للأمة العربية.
صحيح أن التاريخ دائما إما يكتبه المنتصرون أو الأعداء أو الطبقات الحاكمة المالكة.
لذا طبيعي الطعن في التاريخ. ولكن بشرط في كل تاريخ وليس في تاريخ العرب بينما يتم بعد الطعن تأليف تاريخ عنصري طائفي ملفق ضد العروبة للقضاء عليها روحيا ثقافيا وحتى فيزيائيا.
تذكر وديع حداد يجب أن يكون حدثاً يوميا لتذكر إنجازات ومساهمات هذه الأمة، من سبأ وحمير والفراعنة والسومريين والأكاديين والآراميين والكنعانيين، وقصي بن كُلاب والنبي محمد وذي كار وعلي وخالد بن الوليد وزنوبيا، وفارس بني حمدان والمتنبي والخوارزمي وبن سينا وأبو حيان التوحيدي وجابربن حيان والمعتزلة وصولا إلى عبد الناصر وبن بيلا، وجورج حبش وأنطون سعادة، وجول جمال، وابطال الجيش العربي السوري وصولا إلى أبطال العمليات الفردية.
لقد أنشأ قُصي بن كُلاب اول بداية لدولة عربية، وجاء الرسول برسالتها الفكرية الدينية العربية لغة وحوامل وسيوف الفتح، وجاء الأمويون ليقيموا الإمبراطورية حتى الأندلس وليكون أول فتح وآخر فتح في التاريخ لأنه وحده الذي أنشأ حضارة لا قمعا ولا نهباً، وكانت العباسية فترة العلم والثقافة والإبداع وكان القرامطة أول نظام اشتراكي في التاريخ نظام عربي ثم الفاطميين العرب ايضا إلى أن كان الانحطاط السلجوقي ومن ثم العثماني…الخ.
يقوم غُلاة الطائفية بسرقة تاريخنا ليقولوا كان نظام الأمويين سنيا والفاطميين شيعيا! ولكن أخلاق التاريخ تقول أن هذه أنظمة عربية أولا وأخيرا، وحتى خلاف السنة والشيعة هو في الأساس عربي عربي وهذا يحصل في كل الأمم. دعوا تاريخنا لنا، وابحثوا عن تاريخكم، دون ان نهبط إلى مستوى تبخيسه!
لدينا مقابل كل ثانية مجداً، لنذكر كل لحظة منارة من المنارات للرد على من يسرقون تاريخنا ويغتصبونه ويشوهونه بهدف تصدير “الثورة” بل تصدير العدوان. وهذا التصدير لا يحصل إلا بخلق مناخات استدخال الهزيمة.
لقد وصل الانحطاط إلى جرأة الغير على تصدير ما يسميه ثورة، وانحطاط قوى إلى درجة شراء/استدعاء من يُسقط هذا النظام بل هذا البلد العربي أو ذاك!!!
لقد اشتروا الإسقاط الأمريكي للعراق وليبيا وعملوا على شراء إسقاط سوريا! أي لم يعد اي عدو بحاجة لا للغزو ولا لتصدير “ما نسميه ثورة.
من شخص وتاريخ وديع حداد يجدر بنا تشكيل جهاز الوعي الذي يقدم للناس كل يوم منارة تضئ على الغد بذخيرة الأمس.
_________
ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….