الانتخابات البرلمانية الكوبية 2023: وقائع وحقائق، نورالدين عواد

نورالدين عواد، هافانا، كوبا

28 اذار 2023

في الموعد المحدد قانونيا ومسبقا، اجريت في جمهورية كوبا الانتخابات البرلمانية الوطنية يوم الاحد الموافق 26 مارس اذار 2023. الهدف الرئيسي تمثل في تجديد عضوية الجمعية الوطنية للسلطة الشعبية (البرلمان) الذي يتم مرَّة كل خمس سنوات.

ضمّ السجلّ الانتخابي 8120072 مواطنا كوبيا يتمتعون بحقوقهم المدنية والسياسية ويحق لهم التصويت في هذه العملية الشعبية الديموقراطية. مارس منهم هذا الحق السيادي 6164876 مواطنا اي بنسبة 75,92%.

وقد تم انتخاب جميع المرشحين لعضوية البرلمان اي 470 نائبا سيمارسون صلاحياتهم التشريعية في إطار العهد التشريعي العاشر على امتداد الاعوام الخامسة القادمة، وهم موزعون على النحو التالي: 221 مندوبا عن القاعدة الشعبية (47,02%)؛ 135 مندوبا على مستوى المحافظات (28,7%) و114 نائبا على مستوى الوطن (24,2%).

تجدر الاشارة الى ان 72,1%من الاصوات الانتخابية قد دعمت كافة المرشحين بينما 27,9% من الاصوات كانت انتقائية. ومع ذلك فقد حاز كل واحد من النواب على أكثر من 50% من الاصوات الصالحة قانونيا.

وقد افضت عملية الفرز العلني والفوري للأصوات في مراكز الاقتراع الى ان 90,28% من قسائم التصويت كانت صالحة، , 6,22% كانت بيضاء، اي لم يصوت اصحابها لاي من المرشحين، بينما كانت 3,5% لاغية، اي حملت ربما كلمة او شطب او اتلاف او علامة فارقة…الخ.

كالمعتاد، وعلى امتداد التاريخ الانتخابي للسلطة الشعبية ومنذ عام 1977، تجري الانتخابات بسلام وهدوء وانضباط وشفافية والتزام بالحقيقة دائما. وهذا ما شاهدناه يوم الاحد على شاشات التلفزة المحلية والاجنبية وعلى ارض الواقع وفي نفس مراكز الاقتراع، حيث دعيت الصحافة الكوبية والاجنبية المعتمدة الى تغطية الحدث بكل حرية ومهنية مع تسهيلات شاملة قدمتها السلطات المعنية. وللعلم يقوم بحراسة كل صندوق اقتراع طفلان بزيِّهم المدرسي ويؤديان سلام الطلائع على كل مقترع.  لا رجال شرطة ولا جيش ولا قبضايات مسلحين يصولون ويجولون في قاعات التصويت كما يحصل في بلدان عديدة في شمال وجنوب العالم.

وليس من نافل القول التذكير بان الحزب الشيوعي الكوبي الحاكم لا يقدم مرشحين ولا ينتخبهم على اي مستوى (قاعدي، محافظات او الوطن). وعلى الرغم من ان النظام السياسي هنا نظام الحزب الواحد رسميا ومؤسساتيا الا ان الواقع المعاش يقول ان كل كوبي، حزبي او غير حزبي، حزب قائم بذاته “لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب” ولكن اغلبيتهم يجتمعون على اساس متين من الوطنية والسيادة والاستقلال والحرية.

طبعا لا توجد هنا حملات انتخابية غوغائية تصرف فيها الملايين وربما المليارات، ولا توجد وعود انتخابية ينتهي مفعولها بانتهاء التصويت. كما لا يتقاضى اي نائب راتبا خاصا به، اللهم الا الراتب الذي يتقاضاه من عمله (طبيب، مهندس، عامل زراعة او صناعة او استاذ….الخ). فالكلّ يعلم انه لا مجال لإنجازات فردية بل جماعية كما التشريع والقيادة والتنفيذ، وحجم ومدى الانجاز والاخفاق محكوم بالظروف الذاتية (الكوبية الداخلية) والظروف الموضوعية (الدولية الخارجية).

تنتهي عملية الانتخابات الكوبية الوطنية يوم 19 ابريل نيسان (ذكرى انتصار الثورة الكوبية الفتية على الغزو الامبريالي الامريكي ومرتزقته في خليج الخنازير 19 ابريل 1961). حيث يتم تشكيل الجمعية الوطنية للسلطة الشعبية الجديدة وانتخاب قيادتها ومجلس الدولة وبقية اعضاء هذه الهيئة بالإضافة الى رئيس الجمهورية ونائبه.

تكتسب العملية الانتخابية الحالية الناجحة اهمية استثنائية نظرا لعدة اعتبارات من اهمها:

  • غياب القيادة التاريخية للثورة من موقع الحكم وسلطان الدولة، دون الانتقاص من الوفاء والولاء والالتزام من قبل القيادة الحالية ازاء مشروع الثورة الكوبية؛
  • اشتداد وامتداد الهجمة الامبريالية ضد كوبا كاملة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي والى يومنا هذا، واتخاذها صفة حرب دائمة اقتصاديا وسياسيا وامنيا ونفسيا… لان المطلوب امريكيا هو راس الثورة والقضاء على سيادة واستقلال الوطن وحرية وكرامة الشعب الكوبي.
  • وقوع كوارث طبيعية متتالية على امتداد الاعوام الخمسة الماضية، اهمها جائحة كورونا التي الحقت أكبر الاضرار الاقتصادية والانتاجية والمعيشية في عموم الوطن الكوبي، تزامنا مع تشديد الحصار الامبريالي (حرب اقتصادية معولمة) اذ ان ادارة ترمب اتخذت 243 اجراء عقابي جديد ضد كوبا، بينما بايدن الصهيوني صراحة واصل نفس السياسة وبمختلف الاقنعة والمسميات. وعلى الرغم من هذه الكارثة، فإن المخزون العلمي الذي راكمته الثورة الاشتراكية جعل البلد قادرا على ابتكار خمس لقاحات لمكافحة الجائحة ومتحوراتها، مما أنقذ مئات الاف من موت محتوم داخل كوبا وخارجها، من خلال تحصين الشعب باسره، وتصدير اللقاحات وارسال الاطقم الطبية المتخصصة لمساعدة بلدان موبوءة بالفيروس الخطير. وفي تقديري يعتبر هذا الامر أكبر نجاح حققته كوبا في ظل القيادة الجديدة فهو يتعلق بحياة البشر على الرغم من شظف العيش وشحة الموارد. فلا زال الانسان يشكل محور اهتمام المشروع السياسي الكوبي.
  • ظاهرة الهجرة العامة، وهي لا تقتصر على كوبا بل وعلى العالم اجمع في كافة قاراته. في السابق كان يتم تسييس خروج اي مواطن كوبي بحثا عن تحسين مستواه المعيشي كما هو الامر بالنسبة لأغلبية المهاجرين في الدنيا. اما الان فان الوضع الاقتصادي المعيشي التراكمي في كوبا قد تحول الى “قوة طرد مركزي” تلقائي، وعلى الرغم من تمتع الكوبيين بثقافة سياسية عامة معقولة الا ان جميع المواطنين لا يحتملون ضنك العيش وشحة الموارد والمنغصات اليومية. وقد انعكس هذا الامر على عملية التصويت الحالية، ومستوى معين من الاستنزاف السياسي للمشروع الكوبي الذي ينخر في قاعدته الاجتماعية الشعبية، والا ما معنى 1955196 ناخب لم يشاركوا ولم يمارسوا حقهم الانتخابي؟ 
  • ·       ادراج كوبا مجددا على قائمة الدول الراعية للإرهاب، حسب المفهوم الامبريالي الامريكي للإرهاب، رغم ان كوبا كانت ولا زالت ضحية للإرهاب متعدد الاشكال والالوان. هذا الامر ليس كلام لفظي او دعائي وانما له انعكاسات مباشرة اقتصادية تجارية ومصرفية دولية يترتب وترتب عليها اقفال ابواب المصارف والمؤسسات المالية الاجنبية امام التعامل مع كوبا، مما يرهق ويثقل كاهل الاقتصاد الكوبي وقدرته على تلبية احتياجات البلد والشعب من المستوردات لا سيما المواد الغذائية…

رغما عن انف كل العوامل السلبية المجافية لاي مشروع سياسي بحجم المشروع الكوبي، تم الالتزام بالاستحقاق الانتخابي السيادي في موعده وتحقيق انجاز سياسي كبير في عمل مؤسسات الدولة وتكريس الشرعية والطمأنينة والسلام داخل البلد.

عندما بدأت الازمة الشاملة في كوبا على إثر اندثار الاتحاد السوفييتي عام 1992، اكد قائد الثورة التاريخي الخالد فيديل كاسترو ان كوبا قد تجمِّد البناء الاشتراكي حينها (لأسباب واضحة) الا انها ستستمر في الحفاظ على الثورة والسيادة ومنجزات الاشتراكية. هذا هو التحدي الرئيسي الماثل امام القيادة الجديدة والاجيال القادمة.

_________

ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….