نشرة “كنعان”، الأول من مايو 2023

السنة الثالثة والعشرون – العدد 6534

في هذا العدد:

“بناشر ” في يوم العمال، عادل سماره

“كنعان” تتابع نشر كتاب “صين اشتراكية أم كوكب اشتراكي ودور الثلاثي الثوري”، لمؤلفه د. عادل سماره، الحلقة 22

  • لماذا الصين رأسمالية: نحو مناهضةٍ للإمبريالية مناهضة للقومية
  • تنينات من ورق: الصين والانهيار القادم

✺ ✺ ✺

“بناشر ” في يوم العمال
عادل سماره

اعتدت في مراجعتي “سراً” لأطروحات ماجستير ودكتوراة اصدقاء وصديقات على لفت نظرهم إلى طريقة في النقد والتقييم اسميها “إبحثوا عن البناشر”. كانوا في البداية يضحكون كأنها هزاراً.
اليوم، عطلة ربما في مختلف بلدان العالم. لا أدرى هل غيرت بريطانيا موقفها الذي ثبَّتته تاتشر بأن أسمت ذلك اليوم Monday Day بدل يوم العمال وربما دول أخرى لا تعتبره عطلة، لن أذكرها كي لا تتلوى أمعاء ادواتها..
وبعيدا عن سبب تسمية هذا اليوم وهي مذبحة في شيكاغو ضد العمال، لكن فكرته الإيديولوجية والطبقية مأخوذة من شعار ماركس” يا عمال العالم اتحدوا”.
إن جوهر هذا الشعار هو حرب طبقية معولمة ضد راس المال.
قد يقول البعض: بل ضد مختلف الأنظمة بغض النظر إن كانت رأسمالية مكتملة أم رأسمالية محيطية، أو شبه رأسمالية أم ماقبل رأسمالية…الخ.
لكن، لا. ما قصده ماركس هم العمال أو الطبقة العاملة الصناعية في الدول الرأسمالية الصناعية لأنه يعتبرهم القوة الحقيقية لهزيمة راس المال وإقامة الاشتراكية مكانه، هكذا بوضوح وخاصة بل وبشرط أن تكون الطبقة العاملة هنا أو هناك قد انتقلت من “موجوده في ذاتها/اي لم تدرك بعد مصلحتها/حقها الطبقية السياسية” إلى “الموجودة لذاتها/أي التي تعي واقعها الطبقي وتناضل لاستعادة السلطة بيدها” لأنها هي التي تُنتج، والبرجوازية تغتصب معظم إنتاجها.
هنا وصلنا إلى بناشر الموقف.
فليس كل من يعمل هو ممن ينطبق عليهم هذا الشعار الثوري بلا مواربة ولا مهادنة ولا مداهنة ولا تصالح ولا تكاذب؟
أقصد أن ما حصل ويحصل اليوم أن البرجوازية، وبقايا الإقطاع/كثقافة او واقع، والأنظمة الريعية والعسكرية والتابعة والكمبرادورية والفاسدة …الخ قفزت على عنق هذا اليوم وحولته إلى يوم باهت خليط طقوسي ومرتشي بكونه “عطلة مدفوعة الأجر”!
فلننظر من الذين يُعطلون اليوم قياساً على الهدف من “يا عمال العالم اتحدوا” :
ما علاقة العامل العادي الذي ليس حتى نقابيا بهذا اليوم؟
ما علاقة الجندي والشرطي الذي يحمي نظاماً قمعيا فاشيا؟
ما علاقة معلم المدرسة الذي يعلق في غرفة الإدارة صورة ملك او رئيس لم تنتخبه حتى زوجته؟
ما علاقة عنصر مخابرات يحقق مع العمال إذا اضربوا ساعة؟
ما علاقة مندوب مخابرات شغله التلصص على العمال والعاملات؟
ما علاقة سيدة نس/ذكورية تخدم النظام الذكوري على حساب النساء؟
ما علاقة كل الطبقة/ات العاملة في الوطن الكبير/العروبي بهذا اليوم ليس فقط لأنهم في أغلبهم ليسوا بروليتاريا/عمال صناعة، بل لأن معظم وعيهم وولائهم إما للبرجوازية القُطرية الحاكمة أو بلا وعي نقابي اصلاً.
ما علاقة رجال ونساء “الأنجزة” وهم يعملون بأجر لصالح مشغليهم الغربيين؟

ما علاقة أحزاب تسمي نفسها شيوعية وهي مسحوبة الدسم الثوري حيث تجعل هذا اليوم يوم مبايعة لزعمائها؟ ما علاقة أنظمة نصفها أحمر ونصفها أبيض بهذا اليوم؟

ما علاقة أنظمة عربية تقودها “مرجعيات مستحاثة” بهذا اليوم؟
بهذا الفيض جرى طمس جوهر يوم العمال العالمي حيث انتزعت أحشائه وأصبح “يا كل العالم احتفلوا”!
أن يحتفل الكوبيون والكوريون الشماليون بهذا اليوم نعم.
أما العمال الحقيقيون، فليكن هذا يوم تعميق الوعي وهذا بالحد الأدنى.

✺ ✺ ✺

“كنعان” تتابع نشر كتاب “صين اشتراكية أم كوكب اشتراكي ودور الثلاثي الثوري”، لمؤلفه د. عادل سماره، الحلقة 22

  • لماذا الصين رأسمالية: نحو مناهضةٍ للإمبريالية مناهضة للقومية
  • تنينات من ورق: الصين والانهيار القادم

لماذا الصين رأسمالية

نحو مناهضةٍ للإمبريالية مناهضة للقومية[1]

إيلي فريدمان[2]

Why China Is Capitalist

TOWARD AN ANTI-NATIONALIST ANTI-IMPERIALISM

“… الصين في القرن الحادي والعشرين رأسمالية. يمثل هذا تحول دراماتيكي لبلد قضى بشكل أساسي على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج بحلول نهاية الخمسينيات، بينما كان يشارك في بعض التجارب السياسية الأكثر جذرية في القرن العشرين.

على الرغم من إعادة التنظيم العميق لعلاقات الإنتاج على مدى الأربعين عامًا الماضية، إلا أن الحزب الشيوعي (CCP) يحتكر السلطة ولا يزال يؤكد أنه  اشتراكي، وإن كان الآن يتمتع “بخصائص صينية”.

أدى الطريق الشيوعي الصيني إلى الرأسمالية إلى ارتباك خطير لليسار (سواء داخل الصين أو على مستوى العالم) حول كيفية وصف الحالة الراهنة للأمور. إن توضيح هذه المسألة مهم للغاية بالنسبة للممارسات المناهضة للرأسمالية، ويزداد الأمر أهمية بسبب القوة العالمية المتزايدة للصين. في نهاية المطاف، هذا هو السؤال عما إذا كنا نعتقد أن الدولة الصينية ومعارضتها للنظام الذي تقوده الولايات المتحدة تجسد سياسة تحررية. من ناحية أخرى، إذا فهمنا أن الصين لا تحاول تجاوز الرأسمالية ولكن باعتبارها منخرطة في المنافسة مع الولايات المتحدة للسيطرة على النظام، فإن هذا يؤدي إلى نتيجة سياسية مختلفة تمامًا: يجب علينا رسم مسارنا الخاص للتحرر الراديكالي، بشكل مستقل  معارض لجميع سلطات الدولة القائمة.

الرأسمالية مفهوم معقد بشكل سيئ ولا يمكنني سوى معالجة قضايا جوهرية معينة هنا. في الأساس، هي نظام تكون فيه الحاجة البشرية ثانوية لتقييم الإنتاج. يتم إضفاء الطابع المؤسسي على هذه العلاقة من خلال تعميم الاعتماد على السوق حيث يأتي شكل السلع للتوسط في العلاقات الإنسانية. يتجلى منطق رأس المال هذا ليس فقط في الاستغلال الاقتصادي للعمل والعلاقات الاجتماعية المصنفة المصاحبة له، ولكن أيضًا في أنماط الهيمنة السياسية داخل مكان العمل والدولة وخارجها. على الرغم من الاختلافات المهمة عن النموذج الأنجلو أمريكي الليبرالي، سنرى أن الصين أصبحت رأسمالية من جميع النواحي.

مؤشرات الرأسمالية

تتزايد مؤشرات رسملة الصين فقد تم تزيين المدن الكبرى في البلاد بمتاجر Ferraris و Gucci، وتم تزيين شعارات الشركات الأجنبية والمحلية عبر الأفق، كما انتشرت المساكن الفاخرة الشاهقة في كل مركز حضري رئيسي. إن التطور السريع الذي تشهده الصين بالانتقال من واحدة من أكثر الدول مساواة من الناحية الاقتصادية في العالم إلى واحدة من أكثر الدول تفاوتًا يشير إلى حدوث تحولات هيكلية كبيرة. قد نرى أيضًا عضوية الصين في منظمة التجارة العالمية، أو إصرار الحكومة المستمر على أنها في الواقع اقتصاد سوق، أو دفاع شي جين بينغ عن العولمة في دافوس كما دفاعه عن السوق للعب “دور حاسم” في تخصيص الموارد  مثابة علامات على أن الدولة تحتضن الرأسمالية. وبالمثل، يمكن للمرء أن يجد تعبيرات ثقافية منتشرة تشير إلى توجه رأسمالي أساسي، بما في ذلك تثمين العمل الجاد، والنزعة الاستهلاكية الفظة، وعبادة العبقرية الفريدة لأبطال الشركات من ستيف جوبز إلى جاك ما. ومع ذلك، سيكون من الخطأ الخلط بين هذه الآثار للرأسمالية والرأسمالية نفسها. من أجل الوصول بشكل كامل إلى كيف أصبح رأس المال هو المبدأ التوجيهي للدولة والاقتصاد في الصين، سنحتاج إلى التحقق بشكل أعمق.

الاقتصاد، العمل وإعادة الإنتاج الاجتماعي

لنقد جذري لرأس المال، يمكننا، كما قد يقترح ماركس، أن نبدأ من السلعة. السلعة هي شيء مفيد لشخص ما وتحتوي على قيمة تبادلية. في ظل نظام الإنتاج الرأسمالي، تهيمن قيمة التبادل، أي أن الربح وليس المنفعة هو الذي يحدد إنتاج الأشياء. يبدأ ماركس رأس المال بتحليل لشكل السلعة لأنه يعتقد أنه سيسمح لنا بفتح نظام الرأسمالية بأكمله.

إذا نظرنا إلى الصين المعاصرة، فلا شك في أن إنتاج السلع هذا قد تم تعميمه. يتضح هذا في سلاسل التوريد عبر الوطنية الواسعة التي تتمركز في الصين، حيث أدى استغلال العمال الصينيين في المصانع التي تنتج كل شيء من الهواتف المحمولة والسيارات إلى المعدات الطبية والملابس والأثاث إلى إثراء الشركات المحلية والأجنبية، بينما أدى إلى ازدهار الصادرات بنسب غير مسبوقة. إن عمالقة التكنولوجيا الصينيين مثل Tencent و Alibaba و Baidu و ByteDance يختلفون عن شركات Silicon Valley في بعض النواحي المهمة، لكنهم متحدون في جهودهم لإنتاج التكنولوجيا التي توجهها، أولاً وقبل كل شيء، نحو تسليع المعلومات. وبالمثل، تشير الفقاعات العقارية المتكررة وشركات التطوير المربحة بشكل كبير إلى أن الإسكان يتم إنتاجه استجابة لفرص السوق. عبر مجموعة متنوعة من القطاعات، من الواضح أن الإنتاج موجه أولاً وقبل كل شيء.

ربما يكون من الواضح أن السبب الوحيد الذي يجعل مئات الملايين من الناس يتخذون هذا الخيار هو أنهم لا يستطيعون البقاء على قيد الحياة في المناطق الريفية الفقيرة التي ينحدرون منها، وتجبرهم قوى السوق على البحث عن عمل في المراكز الحضرية.

في حين أن تحليل إنتاج السلع يضيء لنا، فإن الأكثر فعالية من الناحية السياسية  هو التعامل مع القضية من الاتجاه الآخر: بدلاً من السؤال عن متطلبات رأس المال من أجل ضمان توسعه المستمر، يجب أن نسأل كيف يعيش البشر. كيف إذن تضمن البروليتاريا الصينية – مجموعة من الناس ملكيتهم الإنتاجية الوحيدة هي قوة عملهم –  عملية إعادة إنتاجها الاجتماعي؟ الجواب، كما هو الحال مع أي مجتمع رأسمالي آخر، أن البروليتاريين يجب أن يكتشفوا طريقة ما لربط أنفسهم برأس المال إذا أرادوا العيش. لا يتم ضمان الاحتياجات الأساسية مثل الطعام والسكن والتعليم والرعاية الصحية والنقل ووقت الترفيه والتواصل الاجتماعي كأمر طبيعي. بدلاً من ذلك، لا يمكن للغالبية العظمى من الناس في الصين تأمين مثل هذه العناصر إلا إذا كانوا قادرين أولاً على جعل أنفسهم مفيدين لرأس المال.

إن المجتمع الصيني بالطبع غير متجانس إلى حد كبير، ويتسم بالتقسيم الاجتماعي والاقتصادي والتنوع الناجم عن استراتيجيات الكفاف. الفئة الأكثر ملاءمة من الناحية الديموغرافية والسياسية لتوضيح الحجة المطروحة هي فئة العامل المهاجر. تتكون من ما يقرب من ثلاثمائة مليون شخص يعيشون خارج مكان تسجيلهم الأسري الرسمي (هوكو)، وهي قوة عاملة ضخمة بشكل هائل والعمود الفقري للتحول الصناعي في الصين. بمجرد مغادرة العامل المهاجر مكان تسجيل هوكو، فإنه يتخلى عن أي حق في الإنجاب المدعوم من الدولة (ركز كثيرون على هذه. ع.س)، مما يجعله فعليًا مواطنًا من الدرجة الثانية داخل بلده. ربما يكون من الواضح أن السبب الوحيد الذي يجعل مئات الملايين من الناس يتخذون هذا الاختيار هو أنهم لا يستطيعون البقاء على قيد الحياة في المناطق الريفية الفقيرة التي ينحدرون منها، وتجبرهم قوى السوق على البحث عن عمل في المراكز الحضرية.

كانت علاقات العمل الرأسمالية مثيرة للجدل سياسيًا عندما ظهرت لأول مرة في الصين في أواخر السبعينيات، حيث لا يزال الكثيرون في الحزب الشيوعي الصيني يدعمون نظام “صحن الأرز الحديدي” الماوي للتوظيف مدى الحياة. ولكن بحلول التسعينيات، كان هذا الجدل قد خمد، وهو ما أشار إليه بوضوح قانون العمل لعام 1994 الذي وضع إطارًا قانونيًا للعمل المأجور. فبدلاً من الدخول في سوق عمل شديد التنظيم في قالب الديمقراطية الاجتماعية كما كانت رغبة العديد من الإصلاحيين، تم تحويل العمالة إلى سلعة ولكنها لا تزال غير رسمية إلى حد كبير. حتى بعد تنفيذ قانون عقود العمل لعام 2008، والذي ركز بشكل خاص على زيادة انتشار عقود العمل القانونية، انخفض عدد العمال المهاجرين بعقود على مدار أوائل عام 2010، مع تغطية 35.1 في المائة فقط اعتبارًا من عام 2016.

لا يتمتع العمال بدون عقد بالحماية القانونية، مما يجعل من الصعب للغاية معالجة انتهاكات حقوق العمال. علاوة على ذلك، فإن التأمين الاجتماعي – بما في ذلك التأمين الصحي والمعاشات التقاعدية والتأمين ضد إصابات العمل والبطالة و “تأمين الولادة” – يعتمد على صاحب العمل.

ينتج عن الإحالة إلى العمل غير الرسمي أشكالًا أخرى من الإقصاء والاعتماد على السوق للأشخاص الذين يعيشون خارج منطقة تسجيل هوكو. إذا أراد شخص غير محلي، على سبيل المثال، تسجيل طفله في مدرسة عامة حضرية، فإن المطلب الأول هو تقديم عقد عمل محلي – فهذا الشرط وحده يلغي/ يشطب غالبية المهاجرين من التعليم العام. على الرغم من أن آليات توزيع السلع العامة اسميًا مثل التعليم تختلف اختلافًا كبيرًا حسب المدينة، فإن المنطق العام هو الاستفادة من تلك التي حددتها الدولة  في الارتقاء بالاقتصاد المحلي. العديد من المدن الكبيرة لديها خطط “قائمة على النقاط” حيث يجب على المتقدمين تجميع النقاط بناءً على سلسلة من المقاييس الموجهة نحو سوق العمل (مثل أعلى مستوى من التعليم، وشهادات المهارات، وجوائز “العامل النموذجي”) من أجل الوصول إلى الخدمات العامة. كل شخص آخر متروك لأهواء السوق.

 يختلف وضع البروليتاريين الحضريين الذين يعملون في نفس مكان تسجيلهم في الهوكو إلى حد ما، وهو بالتأكيد أفضل من الناحية المادية. سيكونوا قادرين على الوصول إلى التعليم العام، وربما بعض إعانات الإسكان، ومن المرجح أن يكون لديهم عقد عمل ملزم قانونيا. مزايا الرعاية الاجتماعية في الصين ليست سخية، والإنفاق الاجتماعي كحصة من الناتج المحلي الإجمالي أقل بكثير من متوسط ​​منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لكن سكان الحضر لديهم فرصة أفضل للوصول إليها. إن عدم المساواة الطبقية والإقليمية العميقة وكذلك المشاكل المالية يتسبب  بها النظام. نتيجة لذلك، ليس هناك شك في أنه حتى هذه المجموعات ذات الامتيازات النسبية يجب أن تكون مفيدة لرأس المال لتحصل على تأمين رعاية صحية مناسبة، أو سكن لائق، أو ضمان عند التقاعد. برنامج كسب العيش في “ديباو” ليس كافياً، ولا يُقصد منه، دعم الإنجاب على مستوى مقبول اجتماعيًا.

السلطة السياسية

لا يعتبر الاقتصاد الصيني رأسماليًا فحسب، بل إن الدولة تحكم الآن ضمن المصلحة العامة لرأس المال. كما هو الحال مع كل دولة رأسمالية أخرى، تتمتع الدولة الصينية باستقلالها النسبي، ويمكن للمرء أن يناقش حول أي دولة تتمتع بقدر أكبر من الاستقلال الذاتي. لكن من الواضح بدرجة كافية أن الدولة قد ربطت عربتها بنجمة القيمة الرأسمالية، الأمر الذي أحدث تحولًا عميقًا في الحكم.

ومن الأمثلة البارزة بشكل خاص قمع الشرطة العنيف لإضراب 40000 عامل في مصنع يوي يوين للأحذية المملوك لتايوانيين – السخرية التاريخية لرجال مكافحة الشغب الذين يتدخلون نيابة عن الرأسماليين التايوانيين لم تغب عن العمال.

هذا المنطق المتمركز حول رأس المال واضح بجلاء في سياسات المتاجر. شهدت الصين انفجارًا في تمرد العمال على مدى العقود الثلاثة الماضية، وهي الدولة الرائدة عالميًا في الضربات العشوائية. كيف تستجيب الدولة عندما يستخدم العمال التقليد العريق المتمثل في حجب عملهم عن رأس المال؟ في حين أن كل إضراب له طابعه الفريد لا محالة، فإن الشرطة تتدخل بشكل حصري تقريبًا نيابة عن الرئيس، وهي خدمة تقدمها للمؤسسات الخاصة المحلية والأجنبية والمملوكة للدولة على حد سواء. عملية القمع تطرح السؤال بأناقة، “في أي جانب أنت؟” لقد جعلت الدولة الصينية خيارها واضحًا بما فيه الكفاية.

كما تم نشر عنف الدولة في حفظ الأمن للعمال غير الرسميين في الأماكن العامة الحضرية. استُخدمت “شينغوان” وهي المكروهة بشدة – وهي قوة شبه شرطية تم تشكيلها في عام 1997 لغرض إنفاذ اللوائح غير الجنائية – في مناسبات لا حصر لها، أساليب قسرية مروعة لإبعاد الباعة المتجولين في الشوارع وغيرهم من العمال غير الرسميين من الشوارع. ولدت وحشية الشرطة المنظمة عداءً عميقاً وواسع النطاق بين العمال غير الرسميين في البلاد، وانتشرت أعمال الشغب المناهضة لشنغوان. ولعل أكثر الأمثلة إثارة وعنفًا  خروج العمال المهاجرين في Zengcheng، Guangdong إلى الشوارع بشكل جماعي في عام 2011 عندما انتشرت شائعة بأن امرأة حامل قد أجهضت بعد تعرضها للاعتداء على يد شنجوان. بعد أيام من أعمال الشغب الواسعة، قمع جيش التحرير الشعبي التمرد بعنف.

إذا فكرنا في رأس المال على أنه ليس مجرد علاقة اقتصادية قائمة على الاستغلال، بل علاقة سياسية يُخضع فيها العمل، فهناك طرق مهمة أخرى يتماشى فيها عمل الدولة مع منطق رأس المال. في الوقت الذي كانت فيه جمهورية الصين الشعبية تشرع في انتقالها الرأسمالي، قرر دينغ شياو بينغ في عام 1982 إزالة حق الإضراب من الدستور. واقترن بهذا التقييد لحقوق العمل  الحظر المستمر على التنظيم الذاتي للعمال. الاتحاد القانوني الوحيد هو اتحاد النقابات العمالية لعموم الصين، وهو منظمة تابعة بشكل صريح للحزب الشيوعي الصيني وخاضعة ضمنيًا لرأس المال داخل مكان العمل. من الممارسات المعتادة أن يتم تعيين مديري الموارد البشرية في المؤسسة كرئيس نقابي على مستوى المؤسسة دون حتى ورقة توت عن المشاركة الديمقراطية من قبل العمال. وغني عن البيان أن العمال لا يرون أن هذه النقابات تمثل مصالحهم بشكل هادف، وقد قوبلت الجهود المبذولة لبناء منظمات مستقلة بقمع شديد.

يمتد القهر السياسي للبروليتاريا إلى هياكل الدولة الرسمية أيضًا. كما هو الحال مع جميع المواطنين، لا يتمتع العمال بالقدرة على التنظيم الذاتي في المجتمع المدني، أو تشكيل أحزاب سياسية، أو ممارسة أي نوع من التفويض السياسي، لذلك فهم يعتمدون كليًا على حسن نية الحزب الشيوعي الصيني لتمثيلهم. لم يعد الحزب يدعي تمثيل مصالح العمال والفلاحين ضد أعدائهم الطبقيين – منذ قبول الرأسماليين في الحزب والتقدم بمفهوم “التمثيلات الثلاثة” في ظل جيانغ زيمين، كانوا يهدفون إلى تمثيل “المصالح الأساسية للأغلبية الساحقة”. لشعب الصين  بالاقتران مع الحظر الفعال الذي تفرضه الدولة على الاعتراف بالعداء الطبقي، من الواضح أن الأساس الاجتماعي لحكم الحزب الواحد قد خضع لثورة مضادة عميقة.

حتى التقييم السريع للدستور الاجتماعي للحكومة المركزية يكشف أن رأس المال لا يتمتع فقط بوصول جيد إلى سلطة الدولة، بل إنه لا ينفصل بشكل أساسي عن سلطة الدولة. انخفض عدد ممثلي “العاملين في الخطوط الأمامية” في المؤتمر الشعبي الوطني (NPC) إلى 2.89 في المائة فقط خلال جلسة 2003-2008، وهو انخفاض كبير عن سبعينيات القرن الماضي. إن التركيز المذهل للأثرياء في المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني والمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني هو أكثر دلالة على إضفاء الطابع الرسمي على السلطة السياسية لرأس المال: اعتبارًا من عام 2018، كان أغنى 153 عضوًا في هاتين الهيئتين الحكوميتين المركزيتين تقدر ثروتهم مجتمعة بنحو 650 مليار دولار. وقد سعى المجلس التشريعي إلى دمج الأشخاص الذين حققوا ملياراتهم في القطاع الخاص، مثل بوني ما، رئيس شركة الإنترنت العملاقة تينسنت. لكن التحول بين القوة الاقتصادية والسياسية يعمل في الاتجاه الآخر أيضًا: استفادت عائلة وين جياباو (رئيس الوزراء السابق) من علاقاتها السياسية لبناء ثروة شخصية تقدر بنحو 2.7 مليار دولار أمريكي. في جمهورية الصين الشعبية في القرن الحادي والعشرين يولد رأس المال السلطة السياسية مثلما تولد السلطة السياسية رأس المال.

هذا أمر مؤكد تمامًا: فالوعود الكاذبة للدولة الصينية بتوجيه العالم من جانب واحد نحو مستقبل اشتراكي يجب أن يرفضها مناهضوا الرأسمالية تمامًا.

إن ادعاء الحزب الحاكم بأن الصين اشتراكية لا يدعمه الواقع ببساطة. ومع ذلك، هناك بعض سمات الاقتصاد التي تختلف إلى حد ما عن الدولة الرأسمالية النموذجية في عام 2020، وبالتالي تستحق المزيد من الاهتمام إلى حد ما.

انخراط الدولة في الاقتصاد

لا شك أن تدخل الدولة الصينية في الاقتصاد هو أكثر شمولاً مما هو عليه الحال في معظم البلدان الرأسمالية. لكن إذا كنا مهتمين بالرأسمالية بشكل عام، بدلاً من شكلها النيوليبرالي الجديد نسبيًا، فإن الصين لا تبدو استثنائية إلى هذا الحد. تساهم الشركات الصينية المملوكة للدولة بنسبة 23-28 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي – وهي نسبة عالية بالتأكيد لعالم اليوم. لكن dirigisme (رقابة الدولة على الاقتصاد والأمور الاجتماعية- الدور التأشيري للدولة) ليس شيئًا جديدًا بالنسبة للرأسمالية، حيث لا يظهر فقط في موطنها الأصلي فرنسا، ولكن في مجموعة متنوعة من البلدان الفاشية، والهند ما بعد الاستقلال، وحتى تايوان التي يسيطر عليها حزب الكومينتانغ، حيث ساهمت الشركات المملوكة للدولة بما يقرب من ربع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. أواخر الثمانينيات. إن تدخل الدولة الموجه نحو تعزيز الكفاءة والربحية والقدرة على التنبؤ لا يتعارض مع الرأسمالية، ولكنه مكون ضروري.

بالعودة مرة أخرى إلى منظور العمال، سنرى أن الفرق بين رأس المال الحكومي والخاص ضئيل للغاية. تم تسريح عشرات الملايين من العاملين في قطاع الدولة في التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين كجزء من حملة الدولة “لتحطيم صحن الأرز الحديدي”. ألقيت بهم في سوق عمل لم يكونوا مستعدين لها على الإطلاق، أدت حملة الخصخصة هذه إلى نشوء أزمات معيشية ومقاومة هائلة بين أسياد الأمة السابقين.

في أعقاب هذه الموجة من تقليص وسرقة معاشات العمال والممتلكات العامة الأخرى، تعرضت الشركات المملوكة للدولة المتبقية “لميزانيات صعبة” وقوى السوق، بما في ذلك في أنظمة العمل لديها. كما وثَّق عالم الاجتماع جويل أندرياس على نطاق واسع، فإن التجارب المعترف بها غير الكاملة للديمقراطية في مكان العمل في عصر ماو قد أزيلت عن طريق التسويق، وأصبح عمال الشركات المملوكة للدولة الآن خاضعين للإدارة كما هو الحال في شركة خاصة معادلة. هذه الشركات ليست بأي حال من الأحوال ملكية عامة – فهي تنتمي إلى دولة غير خاضعة للمساءلة وتسيطر عليها.

إن مسألة الأرض مرتبطة ولكنها متميزة. في الواقع، فإن جميع الأراضي الحضرية مملوكة للدولة بينما جميع الأراضي الريفية مملوكة بشكل جماعي من قبل السكان المحليين. ولكن كما أظهر حجم ضخم من الأبحاث، أدى الفصل بين حقوق الاستخدام وحقوق الملكية إلى استخدامات رأسمالية واضحة لسطح الأرض. في المدن، كان هذا يعني طفرة غير مسبوقة تاريخيًا في بناء المساكن السلعية التي، كما لوحظ بالفعل، موجهة بالكامل إلى مؤشرات السوق. تعتمد الحكومات الحضرية بشكل كبير مالياً على أرباح مزادات الأراضي، مما يؤدي إلى توافق وثيق بين مصالحها ومصالح المطورين.

يحق لأصحاب الهوكو الريفي الحصول على قطعة أرض، على الرغم من أنه كما تشير الهجرة الجماعية من الريف إلى المدينة، نادرًا ما تكون كافية أو ذات جودة كافية لاستدامة التكاثر الاجتماعي. أدى التوسع الخارجي للمدينة إلى تجريد جماعي للفلاحين. كما هو الحال مع العمال في الشركات المملوكة للدولة، فإن الفلاحين لا يملكون سوى القليل من القدرة على ممارسة الإشراف أو السيطرة على أراضيهم (اسمياً) المملوكة جماعياً، بل يتحدث قادة القرية نيابة عن المجموعة. كانت النتيجة دورات لا نهاية لها من نزع ملكية الأراضي، حيث يتلقى الفلاحون عمومًا جزء يسير من القيمة السوقية لأراضيهم، في حين أن الكوادر والمطورين يستفيدون منها. وأخيرًا، بالنسبة للأشخاص الذين يحتفظون بالأراضي الريفية، خضعت الزراعة في الصين لعملية عميقة من التحول الرأسمالي، حيث يتم تعزيز حقوق استخدام الأراضي من خلال الأعمال التجارية الزراعية بينما يتم أيضًا تحويل المدخلات المختلفة إلى سلعة. هذه الأرض التي يتم حيازتها رسميًا بشكل جماعي لم تفعل الكثير لعرقلة هذه العملية.

لقد تسلل منطق القيمة الرأسمالية للإنتاج إلى الاقتصاد والدولة، وأعاد صياغة الهيكل الاجتماعي للصين بشكل كبير. لكن فهم العلاقات الطبقية للصين المعاصرة ليس سوى خطوة أولى. من الضروري إجراء تقييم أشمل للدستور المشترك المعقد للطبقة والأشكال الأخرى للتسلسل الهرمي الاجتماعي القائم على العرق والجنس والجغرافيا والمواطنة لصياغة استجابة سياسية مناسبة للحظة الحالية من الأزمة العميقة.

لا يمكن حل سلسلة كاملة من القضايا العملية الملحة بناءً على التحليل الطبقي فقط، ناهيك عن الأطر الليبرالية أو العرقية القومية المهيمنة: كيف يجب أن نفسر جهود الدولة الصينية لخنق المقاومة الاجتماعية سياسيًا في هونغ كونغ، ووعودها بضم تايوان، ومشاريع الاستعمار الاستيطاني الهان في شينجيانغ والتبت؟ هل يعتبر النمو الهائل في الاستثمار العالمي في إطار مبادرة الحزام والطريق مؤشرا على ظهور إمبراطورية رأسمالية؟ ما هو الرد الراديكالي المناسب والمناهض للقومية والمناهض للإمبريالية على تصاعد الصراع بين الولايات المتحدة والصين؟

هذه بعض الأسئلة الأكثر إلحاحًا التي يواجهها اليسار اليوم، ولا توجد إجابات بسيطة. لكن هذا الأمر مؤكد تمامًا: فالوعود الكاذبة للدولة الصينية بتوجيه العالم من جانب واحد نحو مستقبل اشتراكي يجب أن يرفضها مناهضو الرأسمالية تمامًا. لا تزال كلمات ماركس من “الأيديولوجيا الألمانية” صحيحة حتى يومنا هذا: “الشيوعية بالنسبة لنا ليست حالة من الأمور التي يجب تأسيسها، وهي مثال يجب على الواقع أن يتكيف معها. نحن نسمي الشيوعية الحركة الحقيقية التي تلغي الوضع الحالي للأشياء “. بقدر ما يبعث على الارتياح الثقة في أن قوة عظمى صاعدة ستبني العالم الذي نريده، فهذا وهم. سيتعين علينا أن نبنيها لأنفسنا.

ملاحظات

كي تعرف أن شخصاً ما تروتسكياً يكفي أن تقرأ بأنه قبل أن يفتح عينيه بعد النوم لا بد أن يشتم القومية. أما كيف ولماذا وفي اي بلد، فهذا لا يَهُم. لكن كي تكتشف زيف هؤلاء، فهم حتى في آخر بقعة من الكوكب يقصدون أساساً القومية العربية حتى قبل الصينية لأنهم في أغلبهم صهاينة لكنهم يعرفون بأن العروبة هي الطريق الحقيقي لتحرير فلسطين. وعليه، حين تجد من يقف ضدها فاعلم أنه صهيو-تروتسكي فليس شرطاً أن يكون أساساً عربي أو غير عربي. ويكفي أن ترى: كم تروتسكي شجب قانون “القومية” الذي اصدره الكيان الصهيوني رغم أن الكيان تجميع قطع غيار من مئة قومية أو يزيد!

 يبدأ  نقد فريدمان للصين من مدخل أنها رأسمالية تماماً:

“…إذا فهمنا أن الصين لا تحاول تجاوز الرأسمالية ولكن باعتبارها منخرطة في المنافسة مع الولايات المتحدة للسيطرة على النظام، فإن هذا يؤدي إلى نتيجة سياسية مختلفة تمامًا”. فهو ينقل “رأسمالية” الصين إلى المنافسة على دور إمبريالي على صعيد العالم. وهذا ما تتجنبه الصين على الأقل في أدبياتها الرسمية ويتجنبه مؤيدوا التجربة الصينية وأنظمة تعاملت معها مما يُبقي النقاش مفتوحا.

كما يضيف فريدمان: “على الرغم من الاختلافات المهمة عن النموذج الأنجلو أمريكي الليبرالي، سنرى أن الصين أصبحت رأسمالية من جميع النواحي.”

ولعل هذا مثار تساؤل: هل هناك اختلافات “مهمة” بين راسمالية وأخرى؟ إذا انطلقنا من طبيعة نمط الإنتاج الراسمالي وعلاقات الإنتاج الراسمالية. فما يُفصله فريدمان لاحقاً يبين أن الصين رأسمالية وحتى بشكل وحشي، فهل تبقى بعد ذلك اختلافات مهمة، اللهم إلا إذا كان يقصد، لا مباشرة، أنه يرى راسمالية الصين أكثر توحشاً من النموذج الأنجلو-امريكي اللبرالي،بل النيو-لبرالي!

هناك جوانب محقة في جدال فريدمان من حيث: ”  عضوية الصين في منظمة التجارة العالمية، أو إصرار الحكومة المستمر على أنها في الواقع اقتصاد سوق، أو أنَّ  شي جين بينغ يدافع عن العولمة في دافوس ويدافع عن السوق للعب “دور حاسم” في تخصيص الموارد، كعلامات على أن الدولة تحتضن الرأسمالية”

وهذا يفتح على جدال أوسع بمعنى:

هل استراتيجية فك الارتباط التي طبقتها الماوية يجب أن تمنع الصين من دخول السوق العالمية طالما طاقتها الإنتاجية متزايدة؟ بمعنى هل المطلوب بعدم دخول السوق العالمية نقل فك الإرتباط إلى القطيعة؟ وهل دخول الصين منظمة التجارة العالمية أمر  لا بد منه لدخول السوق العالمية؟ حتى الآن فإن شروط العلاقات الاقتصادية الخارجية الصينية مختلفة بشكل كبير عن الرأسمالية الغربية، هذا كما تقول الدول الشريكة معها. هل هذا اساس دفاع شي جين ينغ عن العولمة؟ ولنقل، هل تستطيع الصين قطيعة ما مع العولمة؟ أي أن الصين تهدف ولنقل “تزعم” نموذج عولمة مختلقاً؟

وفيما يخص التطور  المستقبلي هل دفاع شي جين بينغ عن العولمة له ما يتشابه به مع ما طرحه خروتشوف في الخمسينات أي التعايش السلمي كمدخل لعلاقات مع السوق العالمية! بغض النظر إن كان المآل الصيني سيكون كما كان للاتحاد السوفييتي؟

هل يمكننا القول بأن الاقتصاد الصيني اقتصاد مختلط؟ بمعنى: إن علاقات العمل في الشركات الخاصة والأجنبية هي علاقات راسمالية والقيمة المُنتَجة موجهة للسوق على اساس تبادلي، بينما العلاقات /علاقات الإنتاج في شركات الدولة ليست علاقات راسمالية وإن كان يحكمها قانون القيمة حتى حينه وتوجه مُنتجاتها تبادلياَ؟.

إن التمييز، بمقدار ما هو قائم، بين العمالةالمهاجرة والعمالة المدينية هو تمييز راسمالي وحتى تقسيم للطبقة العاملة إلى “طبقات” ويبقى السؤال هو مدى دقة المعلومات عن الاضطهاد ضد العمالة المهاجرة، دون أن ننكر أن علاقات الإنتاج هي علاقات إنتاج رأسمالية.

قد يخدم راينا اعلاه ما يلي من فريدمان:

“…كان هذا الجدل قد خمد، وهو ما أشار إليه بوضوح قانون العمل لعام 1994 الذي وضع إطارًا قانونيًا للعمل المأجور. فبدلاً من الدخول في سوق عمل شديد التنظيم في قالب الديمقراطية الاجتماعية (كما كانت رغبة العديد من الإصلاحيين)، تم تحويل العمالة إلى سلعة ولكنها لا تزال غير رسمية إلى حد كبير”

نقصد”…ولكنها لا تزال غير رسمية إلى حد كبير”. فعدم الوضوح هي مسألة مفصلية في القبول أو رفض الطرح؟ فقد يكون كونها غير رسمية اي انها تجاوزات ويكون حينها تقصير السلطة هو السبب وليس تبني السلطة لجعل قوة العمل سلعة.

لا شك  أن إلغاء حق الإضراب من الدستور هو قرار قمعي طبقيا وليس سياسيا فقط وربما في هذا تختلف راسمالية الصين عن الراسمالية الأنجلو-امريكية التي كي لا ينقطع خط الإنتاج تقدم مرونات سياسية اجتماعية من نمط حق الإضراب والانتخابات،ولكن حق الإضراب في حدود ايضا.

أما “الحظر المستمر على التنظيم الذاتي للعمال. الاتحاد القانوني الوحيد هو اتحاد النقابات العمالية لعموم الصين، وهو منظمة تابعة بشكل صريح للحزب الشيوعي الصيني”

فهذا أمر يحمل معنيين. فهو يحول دون نقابات بالمعنى اللبرالي المرتبط بالغرب الراسمالي، كما أن علاقته بالحزب الشيوعي هي سلبية من حيث سيطرة الحزب عليه، وإيجابية إن لم يخضع لسيطرة الحزب.

إلى أن يقول فريدمان:

“… لذلك فهم يعتمدون كليًا على حسن نية الحزب الشيوعي الصيني لتمثيلهم. لم يعد الحزب يدعي تمثيل مصالح العمال والفلاحين ضد أعدائهم الطبقيين – منذ قبول الرأسماليين في الحزب والتقدم بمفهوم “التمثيلات الثلاثة” في ظل جيانغ زيمين، كانوا يهدفون إلى تمثيل “المصالح الأساسية للأغلبية الساحقة”. لشعب الصين “.

ليس صحيحا أن شعب الصين طبقة واحدة كما يبدو من زعم النظام. ولكن، ليس دقيقا ايضا رهن الأمر بحسن نية الحزب. وهذا يدفع للسؤال: هل هناك من صراعٍ داخل الحزب على هذه المسالة ومسائل أخرى؟ أم أن الحوار في حالة موات داخل الحزب؟ هذا رغم، بل بسبب وجود مليونيرات ومليارديرات في قيادة الحزب  طبقاً لطرح الكاتب.

يقلل فريدمان من دور الدولة في الاقتصاد سواء من حيث النسبة او من حيث القرار ويذهب إلى تشبيه دور الدولة في الصين بالفاشية. وهنا يقع في موقف إيديولوجي  أرسته الإمبريالية على مدار القرن الماضي ضد أنظمة الاشتراكية المحققة. فدور الدولة في الصين ليس مجرد تدخل تأشيري كما هو في الاقتصاد الفرنسي. كما أن طرح الكاتب عن الخصخصة جاء ملتبساً بمعنى أن الشواهد فقيرة على ذلك، هذا وإن كانت ملكية الدولة متداخلة في الشركات مع الخاصة كما طرح آخرون في هذا الكتاب. فملكية الدولة للأرض في المدن وملكية الأرض جماعيا في الريف لا تعني الخصخصة بل الاحتيال الخصخصاتي في استخدام الأرض.

هذا إلى أن يغادر الكاتب التحليل الاقتصادي الطبقي والذي فيه كثير من الحقيقة لينتهي إلى موقف إيديولوجي مزدوج بين:

الموقف التروتسكي من المسألة القومية

والموقف الإمبريالي الغربي في تحريك العصبيات الإثنية والدينية والهوياتية والقوى المتغربنة ضد وحدة الصين الشعبية.

“لا يمكن حل سلسلة كاملة من القضايا العملية الملحة بناءً على التحليل الطبقي فقط، ناهيك عن الأطر الليبرالية أو العرقية القومية المهيمنة: كيف يجب أن نفسر جهود الدولة الصينية لخنق المقاومة الاجتماعية سياسيًا في هونغ كونغ، ووعودها بضم تايوان، ومشاريع الاستعمار الاستيطاني الهان في شينجيانغ والتبت؟ هل يعتبر النمو الهائل في الاستثمار العالمي في إطار مبادرة الحزام والطريق مؤشرا على ظهور إمبراطورية رأسمالية؟ ما هو الرد الراديكالي المناسب والمناهض للقومية والمناهض للإمبريالية على تصاعد الصراع بين الولايات المتحدة والصين؟”

فالشغل ضد وحدة الصين هو عداء للأرضية الماركسية والقومية للتجربة الصينية وهو موقف تحريفي لرؤية ماركس في القومية تتسلح به التروتسكية دائما ما خلا موقفها المؤيد لدولة يهودية “قومية” في أرض غيرها أي  وطن شعب فلسطين. وفي حين ينتقد الكاتب موقف الصين من تايوان، يرى آخرون أن الصين ليست بلدا إمبرياليا بل إن الصين بلد عالمثالثي وبأن  أجزاء منه تحتاج تحرير مثل تايوان!

يزعم الكاتب أن:

“… مزايا الرعاية الاجتماعية في الصين ليست سخية، والإنفاق الاجتماعي كحصة من الناتج المحلي الإجمالي أقل بكثير من متوسط ​​منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لكن سكان الحضر لديهم فرصة أفضل للوصول إليها”

ولكن، أزمة كورونا كوفيد19 أوضحت العكس تماماً!

✺ ✺ ✺

تنينات من ورق: الصين والانهيار القادم[3]

مراجعة كتاب: Paper Dragons China and the Next Crash

تأليف: والدن بيلو

مراجعة ويل هوتون

 النقد الغاض للتمويل العالمي بشكل مثير للإعجاب مرحب به لكنه يفشل في تحديد الأزمة التي تختمر في بكين بشكل صحيح. بقلم ويل هوتون

“… يقترب إجمالي ديون البنوك في الصين من ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي، مع سداد قروض قليلة وفوائد على نصفها فقط. الصورة: NanoStockk / Getty Images / iStockphoto

إن الخط الفاصل العظيم في علم الاقتصاد – منذ ولادته – هو كيفية التفكير في المال:

هل المال والأنظمة المالية التي يتدفق من خلالها غير ذي صلة بشكل أساسي،أي  ليس أكثر من زيوت التشحيم للأعمال الاقتصادية الحقيقية لإنتاج وتوزيع السلع والخدمات؟ أم أنه يغير كل شيء بدلاً من ذلك؟

إن الجريمة الكبرى لظهور اقتصادات السوق الحرة هي أنها اتخذت وجهة النظر الأولى. جادل أعداء الثورة الاقتصاديون الذين يصفون أنفسهم بأنهم أعداء للثورة بتحرير أسواق السلع والخدمات والعمالة والأراضي والممتلكات، وتقليص أو إلغاء دور الدولة ومن ثم ستشتغل الاقتصادات الرأسمالية نفسها بنفسها. الشيء نفسه ينطبق على التمويل: قم بإزالة أي لائحة تعترض طريق السوق الحرة للمال والائتمان، وستعمل البنوك وتنجز عجائب مماثلة. القلق الوحيد بشأن المال هو أن الدولة تطبعه، ولا يمكن الوثوق بالدول. كمسيطرة على المعروض من النقود، والسماح للسوق بالباقي.

اليوم، باستثناء حفنة من المتعصبين الاقتصاديين الذين يدعمون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لا يوجد اقتصادي تقريبًا يتبنى هذا الرأي. سواء كنت على يمين أو يسار النقاش، فمن الواضح أن الأنظمة المالية اليوم، بعيدًا عن كونها مواد تشحيم اقتصادية محايدة، تغير أداء الاقتصادات نحو الأسوأ. قم بتحريرها من القيود على مسؤوليتك.

إن  خطر الرأسمالية المعاصرة أنها تولد الكثير من الائتمان والديون. أصبحت الانهيارات المالية متوطنة ومزعزعة للاستقرار ؛ والعديد من العلل التي تشوه اقتصاداتنا ومجتمعاتنا – لا سيما عدم المساواة، وأسعار المنازل المجنونة، والأجور الراكدة – نتيجة لذلك. يجب أن يكون هناك تغييرا ما. السؤال ليس ما إذا كان هذا هو الحال ولكن ما العمل؟

النيوليبرالية والشيوعية الصينية، حتى من بين دعاة التحديث، هم رفقاء.

قرأت كتاب Paper Dragons حيث يوحي عنوانه الفرعي – الصين والانهيار التالي – أن فيروس التمويل أصبح الآن متقدمًا لدرجة أنه يقوض الصين. قرأته بشغف، على أمل أن يكشف والدن بيلو – أحد الشخصيات البارزة في الحركة المناهضة للعولمة – كيف يعمل النظام المالي الصيني في حالة فساد، وكيف يمكن أن تؤدي صلاته بالتمويل العالمي إلى الانهيار التالي. شعرت بخيبة أمل شديدة. قد يشارك البعض بيلو بحماس القلق العام بشأن تهديد التمويل العالمي غير المنظم، لكنه لا يعرف شيئًا عن الصين. في الواقع، هذه حالة خطيرة من سوء البيع الأدبي/ الثقافي. في كتاب يتألف من أكثر من 300 صفحة، أحصيت قسماً واحدًا فقط من 14 قسم هو المخصص للصين – وحتى هذا كان مرتبكًا وفقيراً من حيث البحث. بالمقارنة مع:

لعبة أو فن التحطيم بين الديْن والشيطان وهي مسألة في نفس المنطقة ولم يستشهد بها بيلو.

Crashed’s Magistered لـ Adam Tooze أو Adair Turner’s Between Debt and the Devil –

المشكلة الشائعة لدى قسم مؤثر من اليسار هي أن بيلو يفكر في الشعارات. إن غضبه مثير للإعجاب، لكن لا يكفي وصف الظواهر الاقتصادية والاجتماعية على أنها “نيوليبرالية” واعتبار التسمية نفسها تشخيصا مكتملاً. بل إن هذا يعيق حقًا فهم ما يحدث.

إن الجدل في القيادة الشيوعية الصينية ليس بين الليبراليين الجدد وطيف من الاشتراكيين الحقيقيين، وإن كانوا مضللين. النيوليبرالية والشيوعية الصينية، حتى بين دعاة التحديث، ليست هكذا.إن الأزمة المالية الناشئة في الصين ليست لأنها أفسحت المجال أمام بديل  انحراف للنيوليبرالية. القضية أكثر جوهرية. منذ ثورة عام 1949 وحتى اليوم، استخدمت القيادة الشيوعية البنوك الصينية المملوكة للدولة لتوجيه الائتمان إلى الشركات والمناطق المحلية لتحقيق أهداف سياسية. ولأن النظام لا يجرؤ على زيادة الضرائب على عموم السكان خوفًا من الاضطرابات الاجتماعية (نظرًا لافتقاره للشرعية)، يتم تحقيق أهداف الإنفاق من خلال القروض المصرفية – بحيث يقترب إجمالي ديون البنوك من الناتج المحلي الإجمالي ثلاثة أضعاف. يتم سداد عدد قليل جدًا من القروض: يتم دفع الفائدة على نصفها فقط.

 من وجهة النظر الغربية، فهي غيرفعالة. إذا تبلورت الديون المعدومة في يوم من الأيام، فإن الخسائر الناتجة ستطغى على البنوك – وحجم إعادة الرسملة اللازمة للبنوك لإعادتها إلى الوقوف على أقدامها سيطغى على الدولة. ستنهار الشيوعية الصينية في ظل تناقضاتها الخاصة، وستكون للكارثة الاقتصادية القارية عواقب عالمية.

يقترب بيلو قليلاً من هذا. بالطبع يريد البعض في القيادة تنظيف الميزانيات العمومية للبنوك قبل أن تضرب الأزمة، ومن خلال الاقتباس منها في بورصة هونغ كونغ، يبدأ العمل الطويل والمؤلِم لإعادة الرسملة عبر أي مصدر.

البعض الآخر أكثر تحفظًا. لكن هذا النقاش لا يمكن إدراجه ضمن معايير الليبرالية الجديدة، كما يحاول بيلو عرضه. يتعلق الأمر بالسياسة الواقعية المتشددة وبقاء النظام – حول كيفية الهروب من 70 عامًا من استخدام البنوك كوكيل للإنفاق العام.

يشير بيلو على الأقل إلى ظهور نظام الظل المصرفي سريع النمو، والفقاعة العقارية في الصين – ولكن حتى هنا يحاول وضع عملية إنشاء الائتمان في علاماته النيوليبرالية. ليست الرأسمالية النيوليبرالية في حد ذاتها هي التي تحفز جني الأموال من المال: إنه مدى سهولة إنشاء الائتمان في أي نظام مصرفي، اشتراكي أو رأسمالي، يُسمح فيه للبنوك بالعمل بمبالغ صغيرة فقط من رأس مالها. “المصرفية الاحتياطية الجزئية” في أي نظام اقتصادي، فما لم يتم تنظيمها بشكل صارم، لديها رغبة في خلق فائض الائتمان، والذي بدوره يؤدي إلى ارتفاع أسعار الأصول بشكل عام، وأسعار المنازل بشكل خاص. كان على الصين أن تسمح لنظام الظل المصرفي بالظهور لتلبية الطلب على قروض الرهن العقاري لأن البنوك المملوكة للدولة المنكوبة لا يمكنها القيام بهذه المهمة. نعم، إنه يخرج عن نطاق السيطرة. ولكن مرة أخرى، لا يقع اللوم على الليبرالية الجديدة بل على الاقتصاد السياسي للصين.

نقطة بيلو الأكبر مفادها: كانت النيوليبرالية هي التي جادلت بأن المال ليس أكثر من مادة تشحيم اقتصادية، مع عواقب وخيمة على النظام المصرفي الغربي. لكن الجميع يعرف ذلك – حتى محافظو البنوك المركزية اليمينيون. كان من الممكن أن تكون البصيرة المحتملة في الكشف عن ديناميات التمويل الصيني: عدم استقراره وهشاشته، وكيف يتم تسريع الانهيار المحتمل بسبب حرب ترامب التجارية. هذه المهمة سوف تقع على عاتق شخص آخر. إنها فرصة ضائعة. على اليسار التخلي عن الشعارات والبدء في التفكير”.

ويل هوتون هو مدير كلية هيرتفورد بأكسفورد، وكاتب عمود في الأوبزرفر ومؤلف مشارك مع أندرو أدونيس لإنقاذ بريطانيا.

الصين كقوة عالمية

هل الصين قوة إمبريالية على صورة الغرب؟[4]

والدن بيلو

13 نوفمبر 2019

هذا المقال هو الجزء الأول من سلسلة عن الصين كقوة عالمية.

بسبب الجغرافيا والجغرافيا السياسية، تجد بلدي الفلبين نفسها وسط صراع متصاعد بين الولايات المتحدة والصين.

مثل خطوط الخنادق التي امتدت من بحر الشمال عبر فرنسا إلى سويسرا خلال الحرب العالمية الأولى، تمتد الخطوط الأمامية لهذا الصراع عبر البر والبحر لأكثر من 4200 كيلومتراً – من كوريا واليابان إلى تايوان وشرق الصين ثم الفلبين وبحر الصين الجنوبي.

مثل معظم الأشخاص الآخرين في جنوب شرق آسيا، يعرف الفلبينيون الكثير عن جهة فاعلة واحدة في هذا الصراع: الولايات المتحدة، القوة الإمبراطورية العظمى التي نستضيف قواتها في قواعد فلبينية اسماً. على الرغم من أنهم أقرب جغرافيًا إلى الممثل الآخر، الصين، إلا أنهم يعرفون القليل عنها.

ما هي الصين؟ وماذا يحصل؟

من الواضح أن الفلبينيين لا يحبون جمهورية الصين الشعبية، فما يعرفونه عنها بشكل أساسي أنها دولة قوية ذات حكومة شيوعية تطالب بـ 90 بالمائة من المسطح المائي المعروف تقليديًا ببحر الصين الجنوبي – ومؤخرًا بحر الفلبين الغربي وأربع دول أخرى تحدها.

على وجه الخصوص، يشعر الفلبينيون – بشكل مبرر – بأن الصين هي بلطجي متنمر استولى على تشكيلتين بحريتين وهما Mischief Reef و Scarborough Shoal، وهما أقرب إلى الفلبين منها إلى الصين التي قامت بذلك انتهاكاً للقانون الدولي.

ولكن في حين أن الفلبينيين ليس لديهم الكثير من المودة تجاه جمهورية الصين الشعبية – والكثير من بقية العالم ليس كذلك – هناك أسئلة يجب أن يجدوا إجابات موثوقة حتى يتمكنوا من الوصول إلى الاستراتيجية المناسبة للتعامل معها.

السبب الرئيسي للفلبينيين والفيتناميين والماليزيين والإندونيسيين هو: لماذا تتصرف الصين بهذه الطريقة الفجة والقوية في بحر الصين الجنوبي؟ هذا يثير سؤالاً ذا صلة: هل الصين قوة إمبريالية مثل الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى التي تسبقها كقوى على المسرح العالمي؟

فيما يلي استفسارات أخرى ذات صلة، مثل: ما نوع الاقتصاد الذي تمتلكه الصين؟ هل هي حقًا تستعد لتكون القوة المهيمنة التالية على مستوى العالم؟ هل هي حقًا بنفس القوة التي يجري تصدعها ؟ ما هو سجل الصين في علاقتها بالدول الأخرى في جنوب الكرة الأرضية؟

في هذه المقالة وغيرها، سأسعى إلى تقديم بعض التوضيحات حول عدد من هذه الأسئلة – ولتقديم دليل يمكن من خلاله لجيران الصين صياغة استراتيجية للتعامل مع هذا الجار الكبير، والخطير، والذي لا يزال غامضًا في نواح كثيرة.

طريق الصين إلى الرأسمالية

ربما يكون السؤال الأكثر إلحاحًا هو أي نوع من المجتمع في الصين في الوقت الحاضر، لأن الطريقة التي يتم بها تنظيم المجتمع هي المحرك الرئيسي لعلاقاته مع العالم الخارجي. إذا أخذنا علاقات الإنتاج الاجتماعية – الطريقة التي ينظم بها الناس حياتهم الاقتصادية – على أنها مركزية في تشكيل المجتمع، فإن الصين مجتمع رأسمالي.

شرعت الصين في الرأسمالية التي تقودها الدولة بعد أن شعر قادتها أن بناء الاشتراكية (أو ما أطلق عليه الاقتصاديون الماركسيون “التراكم الاشتراكي”) كان مكلفًا للغاية من حيث الأرواح، وفشلوا في تحقيق نمو اقتصادي سريع من شأنه أن يقضي على الفقر. قيل إن الملايين ماتوا في المجاعة والاضطرابات التي أعقبت القفزة العظيمة للأمام لماو تسي تونغ في الخمسينيات من القرن الماضي.

ولكن بينما فشلت سياسات ماو الاقتصادية، فإن الدولة القوية التي أوجدتها ثورته قدمت إطارًا سياسيًا قويًا لمقياس هام للتطور المستقل في الاقتصاد الرأسمالي العالمي منذ الثمانينيات فصاعدًا. كان هذا أحد الأصول التي كانت مفقودة في البلدان النامية التي لم تمر بتحول ثوري. يقصد بالاطار القوي سلطة الحزب؟

تم إدخال علاقات السوق أولاً في الريف، مما أدى إلى ازدهار الفلاحين في الثمانينيات. ثم، في التسعينيات، أصبحت طليعة الاقتصاد التصنيع الموجه للتصدير متمركزًا في المدن.

كان مفتاح هذه الاستراتيجية هو التزاوج بين العمالة منخفضة التكلفة التي يوفرها العمال المهاجرون من الريف والاستثمار الأجنبي، حيث يأتي هذا الأخير أولاً من رأس المال الصيني والتايواني في الخارج، ثم من الشركات الأمريكية الكبرى متعددة الجنسيات التي اجتذبها ما كان يُعرف باسم ” سعر الصين “الذي لا تستطيع الاقتصادات النامية الأخرى مثل البرازيل والمكسيك وجيران الصين في جنوب شرق آسيا مضاهاته.

كيف استفادت الصين بشكل مختلف

على النقيض من عصور التحول الرأسمالي المبكر في أوروبا والولايات المتحدة، كان “التراكم البدائي لرأس المال” في الصين على مدى الأربعين عامًا الماضية سلميًا نسبيًا.

هذا لا يعني أنه لم يكن هناك عنف من قبل الدولة أو إكراه مباشر على الإطلاق، بالطبع. كان هناك نقل الآلاف من عائلات الفلاحين لتمهيد الطريق أمام سد المضائق الثلاثة الضخم على نهر اليانغتسي، بالإضافة إلى استيلاء السلطات المحلية التي تعاني من نقص الإيرادات على ممتلكات الفلاحين من أجل التنمية الحضرية، وهي ممارسة مستمرة حتى اليوم.

ومع ذلك، كان النهج العام في العقد الأول من الإصلاح هو تعزيز رخاء الفلاحين. وبينما احتل الريف مقعدًا خلفيًا في التنمية الموجهة نحو المناطق الحضرية في بداية التسعينيات، يستفيد الفلاحون اليوم من إصلاحات مثل التعليم الإلزامي المجاني خلال السنوات التسع الأولى، وتوفير التأمين الصحي الأساسي، وضمان الحد الأدنى من الدخل. لم يكن هناك أي من العنف الهائل الذي تم استخدامه في جميع المجالات ضد الفلاحين والعمال خلال فترة التحول الرأسمالي في أوروبا.

كانت هناك، بالطبع، مذبحة ميدان تيانانمن عام 1989. ولكن في حين أن ديناميات تراكم رأس المال ساهمت في السخط الشعبي، فإن المطالبة بمزيد من الديمقراطية السياسية هي التي أشعلت الاحتجاجات التي قوبلت برد فعل عنيف وغير مبرر من جانب الدولة.

التوسع العالمي: السجل الغربي وسجل الصين

يبدو التناقض مع أوروبا والولايات المتحدة أكثر وضوحًا عندما يتعلق الأمر بتوسع الصين عالميًا منذ التسعينيات فصاعدًا. لم يكن هناك أي من عنف الاستعمار أو التدخل العسكري الذي قامت به الدول الأوروبية والدولة الأمريكية على المجتمعات الأخرى خلال فترات توسعها العالمي.

إن خروج الصين إلى العالم بحثًا عن المواد الخام والأسواق حدث في عصر العولمةهل المقصود أن الصين كانت ستقوم بالعنف كما حصل ضد العراق ليبيا سوريا…الخ الذي حركته الشركات، عندما كانت الولايات المتحدة وأوروبا تضغطان ضد الحواجز التجارية عبر منظمة التجارة العالمية، التي انضمت إليها الصين في عام 2001. وعبر الإكراه، رسميًا أو غير رسمي، تم استخدامه لتحرير التجارة العالمية عبر منظمة التجارة العالمية، وكانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هم من نشرها. لقد تمتعت الصين ببساطة بالدفاع عن فوائد التجارة الحرة بينما كانت البلدان الأخرى، بما في ذلك ويا للمفارقة،  الولايات المتحدة – عالقة في أعباء تدفق السلع الصينية الرخيصة على حساب  صناعاتها وحتى خلعها.

لماذا من المهم الإشارة إلى هذا التناقض في استخدام القوة؟ لأنه بالنسبة للعديد من المحللين، سواء الماركسيين أو الأرثوذكس، فإن استخدام القوة لتأمين مستعمرات أو تبعيات رسمية أو غير رسمية هو أحد العلامات التجارية الأساسية للإمبريالية. في خروج الصين إلى العالم، لا يمكن للمرء ببساطة أن يجد مكافئًا للصراع العنيف على المستعمرات الذي اتبعته القوى الغربية في أواخر القرن التاسع عشر في إفريقيا، ولا أمثلة على دبلوماسية الزوارق الحربية التي لجأت إليها كل من بريطانيا والولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية في القرنين التاسع عشر والعشرين وحتى اليوم.

كانت هناك حالات إساءة استخدام للعمل، وتدمير بيئي، وتفضيل الصينيين على العمال المحليين، والتي سيتم النظر لها عن كثب لاحقًا في هذه السلسلة، ولكن لا يوجد شيء في سجل الصين يطابق الإجراءات السرية لوكالة المخابرات المركزية للإطاحة بجاكوبو. أربينز في غواتيمالا، ومحمد مصدق في إيران، وسلفادور أليندي في تشيلي في النصف الثاني من القرن العشرين. لا يخشى جيران الصين من حشد الصين للتدخل في حالة حدوث نزاع استثماري – ليس فقط لأن الصين لا تمتلك القدرات العسكرية للقيام بذلك، ولكن لأن التدخل ببساطة ليس جزءًا من  أجندة ذخيرة الصين الدبلوماسية الاقتصادية.

كما لم يكن نشر القوة أمراً ممتعاً عندما ألغت دولتان مجاورتان، باكستان ونيبال، مشاريع سدود بمليارات الدولارات كانت الحكومتان قد دخلت فيها مع مؤسسات حكومية صينية – في الحالة الأولى بسبب الشروط المرفوضة، وفي الحالة الثانية بسبب عدم وجود العطاءات التنافسية.

في المقابل، أخذت دول أمريكا اللاتينية، مثل فنزويلا، في الحسبان دائمًا إمكانية تدخل الولايات المتحدة – ليس فقط من خلال دبلوماسية الزوارق الحربية المباشرة، ولكن من خلال العمل السري ودعم قوى المعارضة عندما تؤمم الشركات الأمريكية أو تتبنى سياسات اقتصادية تقدمية لا تقرهاالولايات المتحدة

هذا لا يعني أن الصين لم تستخدم القوة في علاقاتها الخارجية. وعلى الرغم من أن نشرها للأسلحة، كما سيتضح لاحقًا، قد نشأ إلى حد كبير عن قضايا متعلقة بالحدود.

كان استخدام الصين للقوة لتأمين ميزة اقتصادية وموارد من جيرانها نادرًا. وهذا هو بالضبط سبب انحراف سلوكها الأخير في بحر الصين الجنوبي، حيث يبدو أن استخدامها للقوة مدفوعًا ليس فقط باعتبارات أمنية متعلقة بالحدود ولكن أيضًا من خلال الاستحواذ على الموارد الاقتصادية  بشكل صارخ عن القاعدة التي تتطلب تفسيرًا..

هل يعني هذا أن الصين أصبحت قوة إمبريالية على صورة الغرب، حيث كانت القوة إما سابقة على التوسع الاقتصادي أو أتت سريعاً في أعقابه؟ هذا سؤال سيتم استكشافه لاحقًا في هذه السلسلة[5].

________

تابعونا على:

  • على موقعنا:

https://kanaanonline.org/

  • توتير:
  • فيس بوك:

https://www.facebook.com/kanaanonline/

  • ملاحظة من “كنعان”:

“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.

ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org

[1] https://spectrejournal.com/why-china-is-capitalist/ELI FRIEDMAN July 15, 2020

[2] إيلي فريدمان
إيلي فريدمان أستاذ مشارك في العمل الدولي والمقارن في مدرسة كورنيل للعلاقات الصناعية والعمالية. وهو مؤلف كتاب "فخ التمرد: سياسة العمل في الصين ما بعد الاشتراكية" (منشوراتILR، 2014) والمحرر المشارك لـ "الصين على الإضراب: سرديات مقاومة العمال" (Haymarket، 2016)

[3]

Mon 12 Aug 2019 02.00 EDT https://www.theguardian.com/world/2019/aug/12/paper-dragons-china-and-next-crash-walden- bello-review

[4] fpif.org/is-china-an-im Imperial-power-in-the-image-of-the-west
[5] نُشرت في Portside (https://portside.org/)