شذرات عن دُعاة وملتزمي التسوية: بعد فلسطين صعوبة الموقف السوري، عادل سماره

“ولكن هيهات، فكم فارس تبقّى على ساحة الإلتزام”

أحمد حسين

يمكنني الزعم بأنني ممَّن واكبوا تحولات وارتدادات البعض من الالتزام بالتحرير إلى التورط في المفاوضات والتسوية وصولاً إلى إغواء آخرين أو الضغط عليهم لصالح التسوية والاعتراف بالكيان. وبالطبع كانت لهذا كلفته لأن أهل التسوية بيدهم مفاتيح الوظائف والمال والأعمال والأكاديميا والسلطة…الخ وربما الجنة!

دفعني لهذه الكتابة:

1-  ورود خبر أول أمس عن شخص ناشط فرنسي اسمه تيم مارتن أقنعه عروبيون بأن يزور الكيان، فاستجاب.

2- تدفق أنظمة التطبيع العربية على سوريا وتصدير بيانات لغوية وهذا خطير لأنه تدجين لسوريا لتدخل التسوية من باب موارب، بدل أن يُعلنوا الحرب لتحرير المحتل من سوريا مقابل ما أعلنوه من حرب حتى أمس على سوريا.

3- زيار الرئيس الإيراني لسوريا اليوم والتي حسب ما كتب الصحفي حسني محلي هدفها إقناع الرئيس الأسد بلقاء أردوغان قبل انتخابات تركيا، بعد أن فشل بوتين في ذلك وانعكاس هذا على فلسطين.

وتذكرت كيف كاد أهل التسوية عام 1995 الإيقاع بالمفكر المميز سمير امين ليأتي إلى الأرض المحتلة.

شذرات تسووية

من اللافت في القطاع الثقافي الفلسطيني وخاصة وكلاء الثقافة اللبرالية وشريحة البرجوازية التجارية وخاصة وكيلة البضائع الأجنبية أي الكمبرادور وهم أهل التسوية أنهم: لم ولا ولن يغيروا موقفهم من الاعتراف بالكيان حتى في اشد مذابحه ضد شعبنا وضد بلدان عربية ايضاً.، بينما يساريون يتحولون!

قد تصح إجابتي بأن أساس هذا الخلل في أن هؤلاء وُجدوا في مناخات نشوء وتربية وشغل تفتقر إلى الوطنية لأن القاعدة الأساسية كي تستقيم ابداً:”يجب أن تبدأ وطنياً”.

لن اروي مروية تاريخية عن أهل التسوية في فلسطين فهذه مسألة موسوعية. لكنني سأقتطف مما أعرف أنا نفسي.

لفت نظري منذ الشباب أن يقوم شاب فلسطيني في كلية بير زيت قبل أن تصبح جامعة 1961 ويكتب قصيدة رثاء بالإنجليزية ل جون كيندي الرئيس الأمريكي المُغتال رغم أن الإدارة الأمريكية عدوة للعرب وحاضنة للكيان!

أخذنا الزمن في طريقه.

وكنت كتبت لاحقاً في عدد من مجلة “الشراع” التي أغلقها الاحتلال وقدم 60 “مخالفة” وردت فيها ومنها 6 عني شخصياً. كان عنوان المقال “جهابذة الحوار الأكاديمي” وهو عن لقاء حصل بين أكاديميين فلسطينيين وصهاينة في مستوطنة رحوبوت 1982 غربي بلدة عمواس (التي هدمها الاحتلال هي وقريتي يالو وبيت نوبا فورا بعد حرب 1967) وهم جميعا من أساتذة جامعة بير زيت. بالمناسبة هذه القرى الثلاثة احتضنت رُفاة شهداء الصاعقة المصريين يوم 6 حزيران 1967 في تصديهم لدبابات امريكية غربية يقودها جنود الاحتلال.

وأذكر في عام 1982 وقبيل الغزو الصهيوني للبنان بايام اجتمع في لندن 24 من رجال المال والأعمال والأكاديميين الفلسطينيين ومن بينهم الأكاديمي العربي الأمريكي إدوارد سعيد ورشح عنه أن الصراع مع “إسرائيل” لا يمكن حله عسكريا. وكان ذلك بالطبع في فترة تدهور وضع م.ت.ف.

هذا إلى عام 1983 اي 15 شباط حيث كتبت في مجلة الشراع العدد 50 ص ص 32-33 مقالا بعنوان “حوارات ووثائق المناطق المحتلة: هل هي بدايات نهج يميني جديد”، ذكرت فيه نقداً :

“… للقاء حصل في المناطق المحتلة بين أكاديميين ورؤساء بلديات وصحفيين وتجار ومثقفين برجوازيين وكتبوا عريضة ملخصها “وجوب الاستغناء عن الكفاح المسلح” وامتنعوا عن نشرها باعتبار التوقيت غير مناسب….كما تم توزيع عريضة في كانون ثانٍ 1983 باسم رئيس بلدية بيت لحم آنذاك إلياس فريج فحواها الدعوة لدعم تمثيل النظام الأردني للشعب الفلسطيني، وقيل أنها سُحبت من التداول. .. كما نشرت جريدة “الفجر” في نفس الفترة حديثا ل د. سليم تماري واساتذة آخرين حول استعداد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وخاصة الطلبة للتعايش مع اسرائيل…”

ولاحقاً، اجرى الصحفي الصهيوني حاييم هنجفي من منظمة ماتسبين جناح تل ابيب لقاء في جريدة “هآرتس” الصهيونية مع الشاعر محمود درويش 1987 حيث أعرب درويش عن استعداد الفلسطينيين للتفاوض والسلام مع الكيان. وقامت مجلة “المجلة” السعودية في لندن بترجمة اللقاء ونشرته وكان رئيس تحريرها حينذاك الصحفي الأردني صالح القلاب الذي لاحقاً أصبح وزير إعلام في الأردن. حينها رسم ناجي العلي نقدا لدرويش، وكتبت أنا في جريدة العرب عدة مقالات نقداً للتطبيع ولدرويش ودار سجال موسع بين مثقفين عرب ضد التطبيع ومثقفين عرب مع التطبيع انبرى فيه إميل حبيبي للدفاع عن التطبيع وطبعا عن درويش وفي النهاية أُغتيل ناجي العلي يوم الأربعاء 22 تموز 1987 الساعة الخامسة مساء على الرصيف في لندن.

وكعادتها دارت الأيام، وبعد تدمير العراق عام 1991 على يد 33 دولة بقيادة أمريكا وأنظمة عربية كان مؤتمر مدريد الذي دخله عدد من الأنظمة العربية وضمنهم فلسطينيون ذُلاً مع الكيان ونجمت عنه سلسلة المفاوضات العشر التي شارك فيها كثير من الأكاديميين والمثقفين والرأسماليين الفلسطينيين برئاسة د. حيدر عبد الشافي. وكانوا جميعاً مع التسوية والاعتراف بالكيان كتابة ومشافهة.

في عام 1995 دُعيت إلى مؤتمر في جامعة نانط في باريس ضد العولمة، وقدمت ورقة هناك وكان من المدعوين الراحل سمير أمين الذي كان يترجم حديثي مشكوراً إلى الفرنسية.

وبعد الحديث :

قال: سنلتقي في الضفة الغربية؟

قلت متعجياً: كيف؟

قال: دُعيت من أساتذة في جامعة بير زيت.

قلت: لكن هذا تطبيع!

قال: لكن الضفة محررة …هكذا خبروني!

شرحت له تفاصيل الوضع وبالطبع قرر رفض المجيء.

أما أعضاء جولات المفاوضات العشرة فلاحقاً لخَّص موقفهم د. جوزيف مسعد في مقال بعنوان “ساسة واقعيون أم مثقفو كمبرادور: المثقفون الفلسطينيون والنضال الوطني” نشرناه في كنعان العدد 85 نيسان 1997 ص ص 14-28.

وطبعاً كانت التسوية وكانت اتفاقات أوسلو وتزايد واتسع تيار التسوية وتزايدت طبعات الدعوات للحلول من دولتين، لدولة واحدة لدولة ثنائية القومية.

وضمن هذه الدعوات أوراق منها ورقة سلامه كيله، وكراسة كتبها أحمد قطامش 2012 وصولاً إلى دولة مع المستوطنين الواردة في ورقة “نداء وصرخة من الأعماق” يتصدر هذه الدعوة المدعو د. يحي غدار من لبنان ومعه فلسطينيين وعربا ومسلمين وتدعمه إيران نفسها حيث أقامت له شبه حزب اسمه “التجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة” وبعد افتضاح الأمر تغير الاسم إلى “التجمع العالمي لدعم المقاومة”. .هذا مع العلم أن السلطة في إيران هي مع حل ديني ثلاثي في فلسطين! لا بد من معترضة هنا بأن كثير من الشرفاء افادوا بأن هذا الشخص ليس بكل تلك الأهمية! ربما. ولكن أن يعيش في لبنان وفي أوساط ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة الإسلامية ويُطلق دعوة كهذه وأن يخطب في طهران بحضور المرشد خامنئي الجالس في الصف الأول بين مستمعيه هو أمر يثير التساؤل بل الريبة.

قد يتسائل البعض وما العلاقة للرئيس الإيراني وللأنظمة العربية في زياراتهم لدمشق!

وهو سؤال مشروع شكلاً مغلوط عمليا ومنطقياً.

فلقاء الأسد/أردوغان، إذا صح أن هذا هدف زيارة الرئيس الإيراني، قبل إلتزام حقيقي من أردوغان بسحب قواته المحتلة من سوريا ووقف دعمه لإرهابيي الدين السياسي واقتلاعهم من إدلب، والخروج من خبث التكتيك مع قوات الاحتلال الأمريكي في سوريا والتي تحمي الكر-صهاينة أي بدون هذه الشروط الحتمية، فإن اللقاء هو تقويض لسوريا.

ذلك لأن اي تنازل من سوريا هو إجهاز على موقفها. والإجهاز على سوريا هو إجهاز على فلسطين وعلى معنويات من يمثلون اليوم بواكير ومقدمات تجديد المشروع العروبي.

أدناه الصورة مع الراحل سمير أمين في المؤتمر المذكور 1995.

_________

ملاحظة من “كنعان”: “كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم … تابع القراءة ….

✺ ✺ ✺