من مجلس الأمن…أتهم فلسطينيي/ات

عادل سمارة

تابعت مناقشة طلب الجامعة العربية في مجلس الأمن تفصيلاً، ما قيل ضد سوريا كان غاية في الوضوح، ولكنه لم يشدني. كلٌ لسبب. الحديث المهزوز لوزير خارجية قطر والمرتبك لأمين الجامعة مثابة دفاع عن حياة أو موت كليهما وكل العرب من امثالهما عن مهمة سيكون فشلها إنهاء لحياتهما ربما البيولوجية ولأنظمة عربية أخرى يرتبطان بها. أما حديث ممثلي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا فلم تعوزه بلاغة الوحش ودموع التماسيح، كيف وقد أطلقوا حمد والعربي وأنظمة الجامعة العربية (وخاصة ممثل أوسلو-ستان) إلى حقول الألغام قبل أن يدخلوها على الجثث السياسية لهؤلاء! كما لم يفاجئني حديث مندوب القطر العربي السوري وحتى بلاغته في الرد حيث قام بدوره ايضاً دفاعاً عن وطنه وشعبه وعروبته وبالطبع دفاعاً عن النظام السوري الذي كذلك يواجه تحدي النصر أو الموت. ولم يفاجئني موقف روسيا والصين كدول كبرى تحترم شعبها وتاريخها وقَدْرَها الدولي وتاريخها مقارنة بإيغال الغرب في دماء الأمم والموقف الذليل لجامعة العرب!.

أثبت المراقبون أنهم عرباً

لم يفاجئني رفض أمين الجامعة لحضور الفريق الدابي إلى مجلس الأمن، ولا عدم إرسال تقرير المراقبين إلى هذا المجلس. وهو سلوك تزويري مكشوف لا يليق بطالب في الابتدائية. للأسف سلوك مخبر. فالمراقبون العرب جرى انتدابهم من الأنظمة العربية. فلا يمكن لنظام أن يرسل معارضيه كي يمثلوه، وبالطبع هذا لا يعني أنهم بالضرورة أدوات للأنظمة. ربما هم فنيون بالمعنى العلمي. المهم أنه بالتأكيد لم يكن في سجلاتهم أنهم مؤيدون للنظام السوري ولا ناصريون ولا بعثيون.

وحين صدر تقريرهم فوجىء المسيطرون على الجامعة وخاصة حمد والعربي وتخلوا عن التقرير ثم تخلوا عن المراقبين. كنا نتمنى على وزراء الخارجية العرب أن ينهوا دور الجامعة بعد تقرير المراقبين ويتركوا سوريا للسوريين وهذا أحفظ لماء الوجه. لكن معظم هذه الأنظمة مكلفة للقيام بدور ضد سوريا فلم تجرؤ على احترام نفسها نظاماً بعد آخر. وحدها لبنان ركلت اللعبة بقدمها، والجزائر تحفظت وهذا لا يكفي. ومن اللافت موقف العراق الذي انتقل من موقف متحفظ ضد قرارات الجامعة إلى موقف الانضواء تحت جناحها في تأكيد على أن قياد هذا النظام بيد الولايات المتحدة. وهنا نأمل من قوى المقاومة التي تزكي وتسوق هذا النظام، أن “تطنِّش – على الأقل- هذه الدعاية المخجلة لنظام ما زال على دبابات الولايات المتحدة”.

اثبت تقرير المراقبين العرب أمراً طالما أغفلناه. فحين تتوفر فرصة حق التفكير والعمل للمواطن العربي يؤكد عروبته. كان التقرير إذن استفتاءاً شعبياً لموقف العرب وكان موقف الجامعة استفتاء رسمياً. وهكذا تاكد التناقض المطلق بين الشعبي والرسمي. هذا مع التذكر مجدداً وابداً أن المراقبين بالتأكيد ليسوا من “المتطرفين عروبيا”. وقد قام العربي وحمد بمناورة صغيرة حيث طلب العربي من سوريا تمديد دور المراقبين شهرا آخر، ولعبت بهم الدبلوماسية السورية يومين موحية بالتحفظ خالوا معها أن سوريا سترفض وحين قبلت سوريا تراجعوا بشكل مفضوح لا ينسجم مع أدنى مهارات الدبلوماسي المبتدىء مما يؤكد أن القرار ليس بيدهم فمارسوا إهانتهم لأنفسهم! لقد اقتضى تكليف الغرب للجامعة أن تذهب في شوط خدمة السيد إلى النهاية مهما لحق دورها من عار. وهكذا كان فأخذت الجامعة موقف ومطلب الغرب إلى مجلس الأمن. وهناك كانت الفضيحة أجلى.

العار الفلسطيني…لماذا!

ولكن، في هذه المعركة الممتدة من الدوحة إلى القاهرة إلى أوسلو-ستان إلى واشنطن، شدني فلسطينيون! ولا عجب. شدني واشعرني بالخطر الذي يورطنا فيه فلسطينيون، خطر قتل القضية الفلسطينية قصدا وعمدا، قتلها من ضمير الشعب العربي.

لماذا لم تقف سلطة أوسلو على الحياد في قضية ليبيا وسوريا، بينما صمتت مطلقاً في قضية البحرين؟ قد يتفهم المرء “حياد” الفلسطيني تجاه بعض القضايا العربية حفاظا على القضية الفلسطينية. ولكن قيام ممثل الحكم الذاتي بمنح دوره في رئاسة مجلس وزراء خارجية دول الجامعة بشكل هادف ومقصود لتمكين حكام قطر كي يدمروا ليبيا وسوريا هو أمر مثير يستدعي أعلى الشكوك. ولو كان هناك راياً عاماً فلسطينياً لطالب باستجواب الرجل لأن في ذلك كشف اسرار كثيرة.

لا أود التفصيل في عدم اعتراض سلطة أوسلو على تفصيل قطر خريطة لفلسطين لا تساوي مساحة “برش” في المعتقل! ولكن، لست أدري لماذا لم يُناور المثقفون الفلسطينيون الداعمين لخراب سوريا: سواء الذين تجسسوا عليها سراً أو الذين يكتبون من أجل احتلالها اليوم، (وهم لفيف من جماعة الدين السياسي واليمين والأنجزة، والأكاديميين وبعض اليسار) لماذا لم يكتبوا عريضة تستنكر تفصيل خريطة فلسطين من قطر؟ يبدو أن هناك ما يخشون كشفه إن قاموا باية مناورة فما بالك بتحدي!

ليس دورنا كفلسطينيين تمكين الغرب وعرب الغرب من اي مواطن عربي إلا إذا كان من يفعل هذا كفلسطيني هادفاً تدمير فلسطين من ضمير العرب.

في اذيال السياسي الفلسطيني يتفيأ كثير من المثقفين الفلسطينيين الذين يحتفلون بالتدخل الأجنبي ضد سوريا، ويستدعون الناتو صراحة أو مداورة. حتى المثقفون الموتى والموات امتشقوا اقلامهم لغرسها في جسد سوريا. لم يسمعوا عن ليبيا ولا البحرين ولا الصومال ولا جنوب السودان، بل لم يسمعوا عن الحياة مفاوضات ولا عن الهجمة الضريبية لسلطة أوسلو-ستان!

لم يكن القمع في سوريا خافياً على الغرب الراسمالي ولا على المثقف العربي والفلسطيني، ولم تكن سوريا تخفي ذلك فلماذا هذه الصحوة اليوم؟. كما لم يكن القمع في كل بلد عربي خافياً ولا مخفياً، بل إن جميع الأنظمة العربية كانت وراء سوريا ولا تزال من حيث العلمانية وحق المرأة والتعليم المجاني والطبابة المجانية وإنتاج الحاجات الأساسية…الخ ولو كان لي راي فإن ما أقلقني ويقلقني هو تورط سوريا في سياسات لبرالية جديدة، وهذا ما يجب وقفه واجتثاثه. ومن الواضح أن النظام السوري اليوم يذهب في ما هو أوسع من إصلاح ويجب أن يذهب، نعم إلى الهجوم القومي العربي إلى الأمام. كما أن أوسلو-ستان ساسة ومثقفين هم وراء سوريا حتى فيما يخص فلسطين اي الاعتراف بالكيان الصهيوني. أما العلاقات مع الكيان فأخطرها السعودية والقطرية والإماراتية، ناهيك عن وجود جيوش غربية فيها ربما بأكثر من عدد عرب قطر والإمارات. فلماذا يستهدف مثقفون/ات فلسطينيون سوريا وحدها!

سؤال واضح ضد ممارسات غير بريئة. ولن يجرؤوا على الإجابة. أمام أسئلة كهذه يتلقى هؤلاء الإجابات من جيوبهم/ن وليس من اقلامهم/ن. فماذا لدى قطر والسعودية والإمارات غير براميل النفط مترجمة إلى البترو/يورو/ دولار. لذا تتحدث عنهم جيوبهم.

لقد توصل ماركس قبل قرن نصف إلى أن المعلومة هي سلعة ولها قيمة تفوق السلعة المادية. ويتضح اليوم أن الثقافة سلعة، وأن كثيرا من المثقفين يتحولون إلى باعة متجولين للثقافة التي هي بيعاً لذاتهم الإنسانية. كيف لا، ففي عالم راس المال يتحول الناس إلى ملحقين لعالم توجهه الأشياء. فاي عالم متوحش هذا واي إنسان بائس يتردى في هذا المهوى.

يتجلى تذيُّل الإنسان للأشياء عبر الاختراق بالمال، سواء رشوة مباشرة كدفعات، أو منحاً دراسية أو تمويل مشاريع، أو شراكة في مشاريع…الخ. مثقفون/ات فلسطينيون خاصة الملحقين بالأشياء والأشياء هنا هي غالباً النقود احترفوا منذ عقود كتابة تقارير عن المجتمعات العربية لوكالات المخابرات الغربية تحت مسميات البحث الأكاديمي. والأخطر منهم من فعل ذلك عن حركات المقاومة ودول الممانعة. وكل هذا خدمة لجيوش الغرب حين غزت العراق ودمرت ليبيا وتجهز لسوريا.

لقد انتقل هؤلاء من الكتابة والأبحاث والأطروحات الجامعية وتأليف الكتب خدمة للغزو الغربي الراسمالي ليس الثقافي وحسب بل العسكري إلى ما هو أوضح وهو تبرير استدعاء الاحتلال الغربي لأقطار عربية وخاصة ذات النزعة القومية.

هنا يتلاقي ويتقاطع موقف وزير خارجية قطر، وأمين عام الجامعة العربية مع مثقفين واكاديميين فلسطينيين ليشكلوا فريقاً يمتد اذاه من واشنطن إلى دمشق.

هذه المواقف المكشوفة والمذلة تؤتي ثمارها شعبياً، فالشارع العربي الذي يتعرض لضخ تضليل هائل، ينفض يتمالك وعيه اليوم ويدرك أن الهدف سوريا وليس رئيس سوريا. لذا، نقول لمن تورطوا في التآمر سياسة والتجسس كتابة وابحاثا وإخباراً كما تورط الإرهابيون قتلاً، سوف تكرروا قولة هرقل حين هُزم الروم: “سلام عليك يا سوريا…سلام لا لقاء بعده”.