رسائل نتنياهو


عبداللطيف مهنا

في الأيام القليلة الماضية وجه نتنياهو رسائله قريباً وبعيداً وفي مختلف الإتجاهات. كانت كلها وبدون إستثناء في حكم مايمكن إدراجه في سياق لزوميات دعايته الإننتخابية. لكن وجب أن نستدرك هنا حتى لا نخطىء، لنقول، وكلها أيضا وبدون إستثناء تنسجم كلياً مع طبيعة كيانه الإستعماري العدوانية ولاتشذ قيد أنملةٍ عن سياساته المتبعة سواء بنتنياهو أو من دونه  وقبيل إنتخاباته الموعودة أو من بعدها. كما لابد من ملاحظة الصحة في رؤية البعض لواحدةٍ من إستهدافات هذه الرسائل وهى سعيه الى نوعٍ من التصعيد بقصد التغطية ما أمكن على وصول الأزمة الإقتصادية الكونية المتأخر نسبياً إلى كيانه، ومحاولة منه لحرف أنظار مستوطنيه عن همومها، وكذا لتسهيل مهمة تمرير التوجهات المستحقة لتقليص الموازنة، إذ بلغ العجز في الأشهر التسعة الماضية فحسب من عامنا هذا 14 مليار دولار.

أولى الرسائل كانت تهويدية أعقبت الإعلان عن حل الكنيست والتوجه للإنتخابات المبكرة بداية العام المقترب. كانت بإبدائه لنيته طرح قانون “يشَّرع” التهويد في كل الضفة وإقراره في الكنيست الجديد، تلاها الإعلان عن عطاءاتٍ لبناء 700 وحدة سكنية في القدس الشرقية، و607 أخرى فيها إيضا فيمايعرف بحي “بيسغات زئيف”، و92 وحدة في مستعمرة “معالية أدوميم” خارجها. ولاحقاً، وحيث التهويد وسرقة الأرض الفلسطينية من أهم مرتكزات حملته الإنتخابية، زار قبيل لقائه بيومٍ واحدٍ  لكاثرين أشتون، منسقة الأمن والسياسة الخارجية للإتحاد الأوروبي، المعارض من حيث المعلن لاالمُطبَّق للتهويد الجاري في الضفة، مستعمرة “جيلو”، حيث كرر اللازمة الصهيونية إياها، “القدس الموَّحدة عاصمة إسرائيل الأبدية، وليزيد مؤكداً، “بنينا في القدس، ونبني في القدس، وسنواصل البناء في القدس… “

الرسالة الثانية، والتي لاتشذ عن ما ظل المتبع  والجاري ضد الوجود الفلسطيني مادياً ومعنوياً منذ أن كان الصراع وكانت النكبة، هى آخر الحلقات في مسلسل العدوان الدموي الدائم على غزة، حيث لايختلف اثنان على كون جديده هذا، إنما هو، الى جانب أنه من السمات الملازمة لطبيعة الكيان الغاصب العدوانية  الإستعمارية، أو ماأشرنا اليه بدايةً، هو بعض ممايعني أن الدم الفلسطيني المستباح بالنسبة للصهاينة من مستلزمات صندوق الإنتخابات وعدته الدائمة الإستحضار.

الرسالة الثالثة، تمثلت في إرسال نتنياهو لطائراته القاذفة بعيدة المدى، ولمسافة الألف وتسعماية كيلومتر، لتدمير المجمع العسكري السوداني جنوبي العاصمة الخرطوم. وهنا يمكن إضافة هدفٍ جديدٍ لتلك الإسنهدافات لرسالتيه السابقتين، وهوالذي في شقٍ منه موجه للإيرانيين، بمعنى أن قدرة قاذفاتنا على الوصول إلى السودان تعني قدرتها على الوصول إلى الأهداف الإيرانية حين يحين الحين، لكنه في رأيي الأقرب إلى محاولة تعويض عن عدم القدرة على ذلك، أو عدم الحصول على إذن أميركي، أوالتغطية اللازمة إن لم تكن المشاركة الأميركية المباشرة، وابتغاءً لتغطية تراجعٍ لحدة التهديدات والضجيج المثار سابقاً حول المسألة، أو تأجيلها إلى مابعد الإنتخابات الأميركية.

قد لايكون تحالف نتنياهو- ليبرمان الإنتخابي في حاجة ماسة الى هذه الرسائل ليفوز بالأغلبية التي يسعى إليها في الكنيست القادم، لأن تجمع كيانه الإستعماري، وأشرنا لهذا في مقالٍ سابقٍ، ينحو أكثر فأكثر ألى مزيدٍ من التطرف والغلو العدواني…مثلاً، تظهر آخر الآستطلاعات أنه في حالة الإقدام على ضمه للضفة فإن غالبية مستوطنيه مع تطبيق نظام “الأبارتهيد”، ونصفهم مع إنتهاج التمييز العنصري، وقرابة هؤلاء مع الترانسفير… لكن، وما المانع  من توجيهها ؟!

إنها إنما كانت اختياره للأسهل والأقل كلفة. التهويد كان قبله ومعه ومن دونه يجري على قدمٍ وساق ولا من عائقٍ عربيٍ أودوليٍ يعترضه، وموضوعياً،سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود تحت الإحتلال غدت مجرد شاهد زورٍعلى نهب الأرض وتهويدها،  ثم هل من مايدلناً على سياسةٍ عربية أو إسلامية معترضة حقاً على تهويد القدس، أو حتى لمنع مخططات الهدم المزمع لأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وبناء الهيكل المزعوم مكانها؟!  ثم أوليس العدوان ألأخيرعلى غزة مجرد تفصيلٍ من تفاصيل مأساتها المستمرة في ظل حصارٍ إباديٍ تعددت جبهة ضاربيه فكانت صهيونية وعربية ودولية ؟ أوليست له في هذه المرة نفس مآلات ما سبقه، أي إلى تهدئةٍ بوساطةٍ مصريةٍ لاتختلف عن ما عهدناه من مثيلاتها أيام مبارك؟! أما العدوان على السودان فإنما هو الرابع من حيث الترتيب، ولا ما يدعو نتنياهو للقلق من إمكانية متخيلة لتفعيل المرحومة معاهدة الدفاع العربي المشترك، لاسيما في راهنٍ عربيٍ لسان حاله يقول له، وحتى لسلفا كير ميارديت : “قديما”، أو إمضي قدماً بالعبرية !!!