دروس من أزمات 2008 و 2020، ومُقترحات لمقاومة نتائجها، الطاهر المعز

تقديم

لم يعترف الرأسماليون والأثرياء أبدًا بأن وضعهم جَيِّد، وأنهم يحصلون على عائد مُرِيح، بل يدّعون دائمًا إنهم في أزمة، وإن أزمتهم تعني أزمة البلاد والمجتمع، ليُبرِّروا الإبتزاز والرواتب المنخفضة والعقود الهشّة، وليبرروا نهب الموارد والمِنَح الحكومية والإعفاء من الرسوم والضّرائب، كما يدعي النظام الرأسمالي أنه “ديمقراطي”، وما هو في الواقع سوى نظام شمولي، تأسّس على الإستعباد والاستغلال والاستعمار والإمبريالية والنهب وعلى القوة الغاشمة وعدم المساواة. إنه نظام أَقَلِّيّة، نُخْبَوِي، معاد لأغلبية المجتمع، يقوم على العنف والجشع، ما يُسبّبُ معاناة الملايين من الناس الذين يُدركون ويعيشون الظُّلْمَ في كل لحظة من حياتهم، خصوصًا عندما يبلغ إلى عِلْمِهِم أن ثروة عدد قليل من الأثرياء ترتفع بشكل خيالي، بينما يزداد الفُقراء فَقْرًا وبُؤْسًا وفاقَةً، ما يضطر عشرات الملايين من الفُقراء ومن ضحايا الحروب العدوانية والعنف والكوارث إلى الهجرة، بحثًا عن ظروف حياة لائقة، ليجدوا الاضطهاد والكراهية والعنف في رحلاتهم، حيث يموت في الطريق أكثر من 45 ألف سنويا، ومن يتمكن من الوصول البلدان الغنية، يُفاجَأُ بتعامل قوات الشرطة ( كما في البلدان الفقيرة ) بالعنف والقمع، ويكتشف واقع النظام الاقتصادي غير المتكافئ، في العديد من البلدان، وخاصة الولايات المتحدة، حيث تقتل قوات الشرطة السود بمعدلات لا تتناسب مع نسبتهم في السكان.

إنها بعض ملامح هذا النظام الإقتصادي والسياسي الذي يخدم الأغنياء ويستغِلُّ ويقمع العُمّال والفقراء والشعوب الواقعة تحت الهيمنة، ويستخدم أسلحة الدّمار الشامل والقمع السّافر، كما يستخدم العنف الإقتصادي “النّاعم”، بهدف إغراق المواطنين في وَحَل الصّعوبات المادّيّة اليومية، وغسْل أدْمغتهم بواسطة وسائل الإعلام.

ضياع الحقوق، بين الإنكماش والتّضخّم

لقد ثبت أن هذا النظام هو نظام الأغنياء، وأنشأه الأغنياء لخدمة الأغنياء، وتم تأكيد هذه الحقائق خلال أزمة 2008/2009، فقد حصلت المصارف والشركات الكُبْرى على مئات المليارات من الدولارات من المال العام، بذريعة المحافظة على الوظائف خلال الأزمة، لكن العمال لم يستفيدوا من هذه الأموال، التي أفادت الأثرياء، دون غيرهم.

أثناء انتشار وباء “كوفيد-19″، في 2020/2021، وزعت الحكومات مرة أخرى مبالغ كبيرة من المال العام، أي من الضرائب على رواتب العمال والموظفين ومن الضرائب غير المباشرة، مثل ضريبة الإستهلاك والقيمة المُضافة التي يُسدّدها الفقراء، وحان الوقت للمراجعة والقيام بجردة حساب، لتَتَبُّعِ مصير المال العام الذي حُرِمَ منه أصحابُهُ الكادحون والأُجَراء والفُقراء، وسمح جهاز الدّولة لنفسه بتوزيعه على الأثرياء.

في الولايات المتحدة، معقل الرأسمالية النيوليبرالية، وبعد عام واحد من توزيع القروض الأخيرة، بدون فائدة، على الشركات، بدأ العمال يتساءلون عن مصير مئات المليارات من الدولارات التي وزعتها الدولة، مُتَذَرِّعَةً بالحفاظ على الوظائف، وعلى سبيل المثال، يُقَدَّرُ مقدار الثروة المنقولة مباشرة من المال العام إلى أصحاب الأعمال، بين سنتَيْ 2020 و 2021، بمبلغ 3411 دولارًا للفرد الواحد من جميع سُكّان مدينة مثل “ميتشغان”، حيث يعيش 17,3% من السكان تحت خط الفقر الفيدرالي، وما حصل بالولايات المتحدة، حصل بغيرها من البلدان الغنية والفقيرة، على حدّ السّواء، مع تفاوت المبالغ المُوَزّعة، وهذا يُثير طرح السؤال: كيف تم استخدام كل هذه الأموال؟

الجواب بسيط. كانت هذه القروض (بدون فوائد) بمثابة إعانات من شأنها أن “تساعد في دفع الرواتب وتجنب تسريح العمال”، بحسب التّعليل الرّسمي، مع إعفاء الشركات من الضرائب، لكن لم يتم استخدام هذه الأموال المَمْنُوحَة لإنقاذ ملايين الوظائف، ولم تُراقب السلطات التي ضمنت هذه القروض، طريقة استخدامها أو مآلها، فلم يستفد العمال من هذه الأموال التي زادت من ثروة الأثرياء، في حين لا يزال متوسط الراتب لما يقرب من 40% من العاملين (بالولايات المتحدة) في الصناعة والزراعة والخدمات أقل من عشر دولارات في الساعة، ولم تتجاوز رواتب ما يقرب من 37% من خريجي المدارس الثانوية، الذين يعملون بدوام كامل في أسفل الجدول، أو أقل من 11,3 دولارًا للساعة ، في المتوسط، ولا تصل زيادة الرواتب إلى نصف دولارًا في السنة، ويبلغ مُتوسّط أجر العُمّال في شركات متعددة الجنسيات مثل McDonald’s أو Coca-Cola أو Starbucks أو Walmart، عشر دولارات عن كل ساعة عمل، بنهاية عام 2021، وفقًا للنقابات التي قادت إضرابات 2021 و 2022.

زادت الفجوة بين الأغنياء والفقراء اتساعًا سنة 2020، بفضل المال العام، حيث وزّعت الحكومة الإتحادية الأمريكية على أصحاب الأعمال أكثر من ثمانمائة مليار دولارا، واستمرت مساعدات الدولة سنة 2021.

ما حصل بالولايات المتحدة والدّول الرأسمالية المتطورة ( بُلدان منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية التي تضم 34 دولة) حصل أيضًا في البلدان الفقيرة، بما فيها التي تُعاني من ارتفاع قيمة الدّيُون الخارجية وارتفاع نسبتها من إجمالي الناتج المحلي وارتفاع حصة الفرد من هذه الدّيون، وبعد إهدار المال العام، أصبحنا نواجه، في كافة أنحاء العالم، تضخمًا سريعًا، مع احتمال الرُّكُود في نفس الوقت، وهو حدث نادر، لأن الإقتصاد الرأسمالي يعتبر الأمْرَيْن متناقِضَيْن، ويعترف المصرفيون بأن التضخم الحالي يختلف عن ما يُسمُّونها “دوامة الأسعار والأجور”، كما في سبعينيات القرن العشرين، والتي تعلل بها الرأسماليون لتبرير ضُعْف قيمة الرواتب.

ما هي أسباب وعواقب التضخم ولماذا يُؤَدِّي إلى زيادة أرباح الشركات. ما هي مخاطر التضخم وإجراءات التقشف الجديدة على العاملين والفُقراء؟

يُعْتَبَرُ الإرتفاعُ الكبيرُ في معدّلات التضخم العالمي، بعد تخفيف القيود الوبائية، تحولا هامًّا من شأنه أن يغير النتائج الاقتصادية والسياسية لسنوات قادمة، وتنبع أسباب هذا التضخم من “الآثار الجانبية” المؤقتة للوباء التي تزيد الوضع (وضع العاملين والفُقراء في العالم) سوءًا بسبب تطبيق الوصفة النيوليبرالية التقليدية للتشديد النقدي ( وتشمل زيادة نسبة الفائدة على القُروض) الذي تنتهجه المصارف المركزية في جميع أنحاء العالم.

تُردّد المواقع الإقتصادية والمالية المُتخصّصة أخبار الإنخفاض الحاد بالأسواق المالية لقيمة الأصول الأكثر خطورة (من العملات المشفرة إلى ديون الأسواق “الناشئة”) مع احتمال انفجار الفُقاعات العقارية، لأن تقويمها كان يتسم بارتفاع مبالغ به، وتتوقع البحوث والدّراسات – التي تُصدرها مؤسسات بحثية رأسمالية – حدوث ركود عالمي وشيك، ومن المحتمل أن يؤدي إلى أزمة مالية أوسع نطاقا. في الوقت نفسه، يرتفع معدل التضخم، مما يُؤَدّي بالنسبة للعمال والفقراء إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات الضرورية والأساسية، مع التّهديد بفقدان الوظائف (لمن لم يتم تسريحهم) بسبب الرُّكُود، ولا تكمن المشكلة في التضخم بحدّ ذاته، ولكن في عواقب السياسة النيوليبرالية التقليدية لمكافحة التضخم.

يعترف المصرفيون وخُبَراء شُؤُون المال بأن هذه المَوْجَة من التضخم تختلف عن المعادلة المعتادة التي تَدّعي أن ارتفاع الأسعار يُؤَدّي إلى المُطالبة بزيادة الأجور التي تؤدّي بدورها إلى موجة جديدة من ارتفاع الأسعار، وهو التّعليل الذي كان سائدًا خلال عقد السبعينيات من القرن العشرين.

تدعي المصارف المركزية أن التضخم بعد كوفيد-19 سيكون مؤقتًا، ولذلك أقرت (المصارف المركزية ) سياسات مالية كلاسيكية تتمثل في رفع أسعار الفائدة (فائدة اقتراض المال) من أجل خفض التضخم إلى 2% في معظم البلدان، مهما حَدَثَ، وبذلك أصبح هدف خفض نسبة التضخم أولويّة الأولويات، قبل أي نوع من المشاغل الإقتصادية والإجتماعية والبيئية الأخرى، بينما يُكافحُ المواطن الكادح والفقير من أجل توفير الحاجيات الضّرورية.

إن هذا التعنت بشأن رفع أسعار الفائدة، لمعالجة التضخم قد يُؤدِّي إلى الدمار الاقتصادي والاجتماعي الذي يَضُرُّ كثيرًا بدَخْل وظروف حياة العاملين على غرار الدمار الذي حدث في أواخر السبعينيات من القرن العشرين، والذي تضرّر منه عُمّال الصّلب والمناجم وصناعة السيارات وعُمّال الشّحن والموانئ…

بدأت زيادة الأسعار مع انتشار Covid-19 وإغلاق الأنشطة الاقتصادية، إذْ أدى هذا الإغلاق ثم الحرب في أوكرانيا إلى تعطيل سلسلة التوريد للمنتجات الزراعية أو الطاقة أو أشباه الموصلات أو قطع غيار السيارات، وبالتّالي أدى نقص العرض إلى الزيادة العامة في الأسعار.

تكمن خصوصية التضخم الحالي في أنه لا صلة له تقريبًا بالتفسيرات الكلاسيكية للاقتصاديين الليبراليين، مثل تبرير التضخم ب”اتجاهات أسواق العمل، والأجور وتكاليف العمالة”، إذ انخفضت البطالة في معظم البلدان الغنية، بعد إعادة فتح الاقتصاد، لكن الوظائف التي تم إنشاؤها تميزت بالهشاشة وعدم الإستقرار وبانخفاض الرّواتب، بينما استفاد الأثرياء بشكل مضاعف من ضخ الحكومات المال العام في بداية الوباء، ومن خلال القروض بدون فوائد والإعانات والإعفاءات الضريبية، بالإضافة إلى إعادة تنظيم الاقتصاد و “سوق العمل”، ولم ترتفع الأجور مع انخفاض نسبة البطالة، بعد عودة النشاط الإقتصادي، وإنما حَصَلَ تراجُعٌ في توزيع الدخل بين رأس المال والعمل، وانعكس ذلك في المفاوضات الجماعية (بين النقابات وأرباب العمل)، وفي الحد الأدنى للأجور و”الإمتيازات” والمنح، ومعايير الأجور (نسبة المِنَح غير القارة أو غير الثابتة، مُقارنةً بالأجر الأساسي)، وهي من الأسباب التي أدّت إلى تنظيم الإحتجاجات والإضرابات العمالية في الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وأوروبا، والدّول الغنية، بشكل عام، كما في بعض بُلدان “الأطراف”، في آسيا والمغرب العربي وأمريكا الجنوبية…

لم يُعرقل التضخمُ المتسارعُ، نُمُوّ الأرباح القياسية للشركات في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ووصلت الأرباح إلى أعلى نصيب لها من الناتج المحلي الإجمالي في تاريخ الرأسمالية، في الربع الأول من العام 2022، أما في صف العاملين فقد انخفضت قيمة الأجور الحقيقية للعمال، وانخفضت حصة الأجور والعمالة في الناتج المحلي الإجمالي، وكان مُتوسّط زيادات الأجور (بقياس أجر ساعة العمل) أقل من نصف الزيادة في أسعار المستهلك، في حين تضاعف التضخم أكثر من ثلاثة أضعاف في البلدان الغنية، ولم ترتفع الأجور الاسمية لتبلغ ما كانت عليه سنة 2019، أي قبل الوباء، لذلك لا توجد علاقة سَبَبِيّة بين نمو الأجور والتضخم، كما يدعي المنظرون الليبراليون أو الليبراليون الجدد، إذ ارتفعت أسعار السّلع والخدمات، رغم انخفاض قيمة الرواتب، فمن المُتسبّب بالتّضخّم إذًا؟

بِلُغَةٍ مُبَسَّطَة: إن الشركات هي التي تُحدّد أسعار المنتجات التي تنتجها لنشتريها نحن المُستهلكون، ولا يُحَدّد العمال ثمن المنتجات التي يصنعونها، ومع ذلك فإن سياسات مكافحة التّضخم التي تُقِرُّها المصارف المركزية والحكومات تجعل العمال يُسَدِّدُون ثمن محاولة خفض التضخم الناتج عن جشع رجال الأعمال وأصحاب الشركات، لذلك يمكننا أن نستنتج أن الشركات هي التي أقرّت التضخم الحالي لتستفيد منه، إذ  تزداد هوامش الربح والأرباح الصافية للرأسماليين، مع الزيادة المتسارعة للأسعار التي قَرّرُوها بأنفسهم، ولمصلحتهم.

ما العمل؟

لا يُمكن تقديم وَصْفَة صالحة لكل مكان وزمان، وإنما تقديم بعض المُقترحات للنقاش بين التقدّميين، المُطالَبِين برفض الحجة القائلة بأن التضخم ينتج عن رفع أجور العمال، لأن البيانات تُظْهِرُ استفادة الشركات في القطاعات التي زادت فيها الأسعار والأرباح أكثر من غيرها (الغذاء والطاقة والإسكان والبيع بالتجزئة وما إلى ذلك) جراء الزيادات المبالغ فيها للأسعار، والتي تنهك دَخْلَ العمال من ذوي الأجور المنخفضة للغاية والفُقراء…

باختصار، إن العمال والفقراء ليسوا سبب التضخم أو الدَّيْن العام، بل على العكس من ذلك، فإن دخل العمال آخذ في التآكل لأن أصحاب الشركات يتصرفون كقُطّاع طُرُق، وسوف يؤثر الحل النيوليبرالي المقترح، أي التقشف النقدي، أولاً وقبل كل شيء على العمال الذين قد يفقدون وظائفهم ودَخْلَهُم ويَنْضَمُّونَ إلى الجيش الاحتياطي للعمال المُعَطَّلِين عن العمل، الذين يضطرون إلى قُبُول أي عمل، مهما كانت الرواتب منخفضة، ومهما كانت ظروف العمل سيئة، وتهديد عُمّال الدّول الغنية بتحويل قطاع الصناعة والخدمات (ذات القيمة الزائدة الضّعيفة) إلى البلدان الفقيرة.

 من اليَسير إثبات أن الشركات هي التي تستفيد من التضخم الحالي، فقد سمحت الحكومات للشركات بتحديد الأسعار بحرية،  باسم حرية الأسواق والمنافسة الحرة، وعدم تدخّل الحكومات في تحديد الأسعار، بذريعة “إن اليد الخفية للسّوق تجعلها تُعدّل نفسها، دون تدخّل خارجي أو تدخُّل الدّولة”. بعبارة أخرى: تتمتع الشركات بالقدرة الذاتية على سرقة المستهلكين، بدعم من جهاز الدّولة، من خلال رفع الأسعار وخفض الأجور، مما يزيد من أرباحها الصافية.

تستخدم الشركات كل ذريعة لاستغلال التأثيرات التي أنتجتها سياساتها، لترفع أسعار سِلَعِها وخدماتها، وعلى سبيل المثل، فلم ينخفض المعروض النفطي العالمي، بل ازداد، منذ الحرب في أوكرانيا، لكن الأسعار ارتفعت، لأن أسواق العقود الآجلة التي تشتهر بالمضاربة، دفعت أسعار النفط العالمية إلى الإرتفاع، من خلال استغلال عدم اليقين والخوف من إطالة أمد الحرب، وفي النهاية يكون المستهلك هو الذي يدفع أعلى سعر.

إن “اليسار” والقوى التقدّمية بحاجة إلى حجج وتحليلات لتحدي الخطاب الرسمي ومجابهته، ولتوضيح دور قرار الحكومات في زيادة هوامش ربح الشركات المدعومة من الأموال العامة، بينما يعمل موظفو وعُمّال هذه الشركات في ظروف سيئة، وبأجور متدنية …

تُشكل الأزمات فرصة لتكثيف النضال مع العمال والمستهلكين والفقراء من أجل طرح بعض المطالب العاجلة، منها التحكم في أسعار الطاقة والأدوية والمواد الغذائية وإيجارات المساكن، إلخ، ومن أجل حق المواطنين في مُحاسبة الحكومات والمُشَرِّعِين من أعضاء البرلمانات، والحق في الإشراف على استخدام الأموال العامة والإعفاءات الضريبية، ومن واجبنا المطالبة بإعادة توزيع الأرباح على العمال والمواطنين من خلال الضريبة على أرباح الشركات، ولن تقضي عائدات هذه الضرائب على الفقر، لكن تقتضي مبادئ العدالة استعادة المواطنين المال الذي سُلِبَ منهم، دون استشارتهم، وهم في حاجة له، لاستخدامه بشكل جماعي من خلال الإستثمار في زيادة المعروض من المساكن غير التجارية، ووسائل النقل العام، ومؤسسات التعليم والرعاية الصحية إلخ.

يمكن لليسار (في جميع أنحاء العالم) أن يعزز حضوره الجماهيري بين العمال والفقراء، عبر رفض “الحلول” النيوليبرالية، ومن خلال إطلاق حملة لشرح ما يحدث، بعبارات بسيطة، وأمثلة من الحياة اليومية، وشن معركة ضد أولئك الذين تسببوا في التضخم الحالي، من خلال زيادة هوامش ربحهم، بدعم من الحكومة، فهم الأعداء الحقيقيون للكادحين والفُقراء، ولقد حان الوقت للدعوة إلى تغييرات في معدلات الضرائب، والمزيد من الضوابط الضريبية التي تستهدف الأثرياء الذين يتباهون بثرواتهم ويستعرضونها، من خلال القصور الفخمة والسيارات والقوارب الفاخرة، كما وجبت الدّعوة لِفَرْض إقرار ضوابط الأسعار، واستخدام عائدات الدولة الإضافية (من ضرائب الأثرياء) لتطوير برامج التنمية، والقطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية.

من الضروري إعادة التفكير في أداء الاقتصاد، في البلدان الفقيرة، فنحن بحاجة إلى مزيد من التنظيم المباشر للقطاعات الحيوية، والمزيد من التحكم في الأسعار وتوفير الضروريات، بما في ذلك الإسكان والطاقة، وبحاجة لتخطيط أكبر لسوق العمل، لتحقيق “العمالة الكاملة” مع تحسين ظروف العمل وضمان الأجور اللائقة، في إطار القطيعة التّدريجية مع نمط التطور الرأسمالي الذي تتحكم به الشركات العابرة للقارات وحكومات ومؤسسات الدّول الإمبريالية.

من الضروري مقاومة النظام الذي يريد أن يدفع العمال ثمن أزمة لم يخلقوها، لإقامة نظام بديل، نقيض له.

_________

“كنعان”  غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.