وداد قمري وداعاً، محمود فنون 

2/7/2022م 

عاشت الرفيقة وداد قمري  

  • هكذا هي الحال ، الناس يموتون . ولكن بعضهم يموت مرات كثيرة ويظل بيننا ، وبعضهم هو ميت وهو يعيش بيننا .وبعضهم لا يموت حتى لو حملوه على آلة عجفاء واودعوه باطن الارض. 
  • وهل ماتت وداد قمري التي عاشت كل هذه الحياة الخصبة ؟ وهي الرفيقة التي فتحت عيونها على النضال ..على النضال ؟  
  • وهل المهام الصغيرة التي اجادتها منذ بدايتها هي كذلك نضال ؟ 
  • منذ ان يحمل الشخص ورقة يطلب منه أحدهم توصيلها إلى آخر ، إنما يكون قد بدأ أولى معاركه الصغيرة . 
  • دون ان يخبره الذي طلب اليه القيام بالمهمة ، هو بغريزته يعلم ما يجري . ينفخ صدره تعاظما ويتخذ كل الاحتياطات اللازمة ويصل الى الهدف ويفرغ حمولته مبتهجا  ويعود باسما ويظهر نفسه امام الكبار بأنه سلم العهدة وأوفى ما عليه ، وبينه وبين نفسه يحس أنه فعل شيئا مهما على قدر تفكيره. 
  • نعم انه فعل شيئا مهما ، وأنه هو بنفسه جزء من آلية العمل وانه ضروري لاستكمال هذه الآلية وجوبا . 
  •  ويكاد يفصح عن ما جرى معه  أمام أقرانه اعتزازا وتميزا لولا احساس غامض يطغى عليه بأن ما فعله هو في إطار السرية التي يتحسسها من سلوك من يراهم يدخلون بحذر ويجلسون بحذر ويتكلمون بحذر ويغادرون فرادى بعد الانتباه للطريق . 
  • هكذا بدأت وداد حياتها .. شعرت منذ نعومة أظفارها أنها تنخرط في حياة موازية لما يعيشه الناس الآخرون ، ولكن معهم وبينهم . تبتسم لهم عندما تلقاهم وهي عابرة إلى عمل ما وتحمل شيئا ما لا يعلمونه . بل هي لا تريد أن يعرفوا شيئا عن أسرارها الثمينة وعن دورها الآخر المختلف . ويظلوا يرونها واحدة منهم . 
  • “ركبت وداد رأسها” أكثر فأكثر، فهي  كانت قد تحسست النكبة بطريقة ما وعمرها أقل من عشر سنوات .. وأخذت تفتح عينيها أكثر فأكثر  مع مرور الزمن .. فكل ما حولها يتحدث عن الوطن السليب واللاجئين والضائقة المعيشية .. وعن الهجانة والفرسان الاردنيين ومجابهة المظاهرات في شوارع القدس وملاحقة الوطنيين الفلسطينيين … وهي تشاهد المنشورات السرية توزع في المدارس والشوارع .. ثم العدوان الثلاثي على مصر وخطابات عبد الناصر .. وانتصار كوبا الذي تفاعلت معه الجماهير… والثورة الجزائرية … والمظاهرات ضد التوطين وبروز اسم حركة القوميين العرب واسم جورج حبش ووديع حداد. 
  • لقد كان الفلسطينيون العرب ربما الأكثر انشدادا إلى ما يجري في العالم من ثورات تحرر وطني وأشكال مقاومة الاستعمار ويتعاطفون معها بقوة  . 
  • كان هذا هو المناخ السائد بل الهواء الذي يتنفسه الناس ، وكان تحرير فلسطين السليبة هو الشعار الأكثر انتشارا على ألسنة كل الأطياف بل أن بيانات المرشحين لانتخابات البرلمان الأردني كانت تبدأ بتحرير فلسطين  وهذا تجاوبا خادعا  مع الحالة التي تشغل الكل . 
  • في هذا المناخ صبغت وداد نفسها  وطنية نمت على هذا الحال وترعرعت فيه وانتشت به . 
  • اندغمت في حركة القوميين العرب  وساهمت في مهمات جهازها العسكري كما انشغلت في نشر الوعي الوطني اثناء التعليم . 
  • اعتقلها النظام الاردني دفاعا عن العدو الصهيوني عام 1966م على خلفية نشاطها النضالي وكانت تنقل السلاح لخلايا الحركة من ابطال العودة وشباب الثأر . وبقيت حتى نهاية ما عرف بحرب عام 1967م وظلت في القدس . 
  •  وما أن حصل احتلال بقية فلسطين عام 1967م حتى انخرطت في تاسيس الجبهة الشعبية  فتغلغت في روحها . 
  • وبعد نجاتها من الاعتقال في القدس غادرت لتكمل الطريق في الاردن  ومن ثم أصبحت من فرسان الرفيق وديع حداد الشهير بانتقائه لأنسب العناصر . 
  • وفعلا شاركت في عملية تحرير جورج حبش من سجنه في سوريا ونقله للاردن  كانت عملية تحرير جورج حبش فائقة الاهمية والدقة وحصدت نجاحا باهرا . 
  • ورفضت الإنشقاقات بعد أن أدركت انها  ليست تقدمية كما حاولوا صبغها با هي تخريبية ويمينية باسم اليسار وبأصباغه وبدفع من اليمين . 
  •  واستمرت في نهج وديع البالغ الاهمية والبالغ السرية حتى اليوم  وشاركت في تنفيذ عدد من المهام  . 
  • ساهمت بوعيها الثوري في النشاطات النسوية والجماهيرية . 
  • اعتقلها النظام السعودي  الغاشم بتهمة الانتماء لفلسطين وحركتها الوطنية ممثلة بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطن وقضت اسوأ سنوات الظلم والاضطهاد من سنة 1982 حتى عام 1986م 
  • حظيت بشرف التعرفت عليها في دمشق وعمان وهي مناضلة محترفة فائقة الاصرار وقوية الشكيمة عميقة الاسرار .  
  • ظلت مناضلة قدر طاقتها وأقامت حتى عام 1990 في دمشق قبل ان تعود الى عمان وتقضي بقية حياتها مناضلة إلى أن هدها المرض. 

_________

“كنعان”  غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.