نشرة “كنعان”، 13 مارس 2023

السنة الثالثة والعشرون – العدد 6498

في هذا العدد:

قراءة مجزوءة في التوافق السعودي الإيراني

  • قلقنا على العروبة

البنود السرية لاتفاق بكين بين إيران والسعودية، حسن عليق

الصين وإعلان نوايا سعودية إيرانية، عادل سماره

ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة ليست أمة، عادل سماره

التوظيف السياسي الأطلسي للدين، د. موفق محادين

✺ ✺ ✺

قراءة مجزوءة في التوافق السعودي الإيراني

قلقنا على العروبة

كنعان:

نحن بلا شك مع اية هدنة بين السعودية وإيران، هذا دون أن ندخل في نوايا الطرفين. فهذا التوافق “التام” إن صح التعبير من الغريب أن يأتي بعد عداء تام! فأيهما الأصح بمعنى هل كان هناك عداء حقيقي وهل نحن أمام وئام حقيقي؟

ما يهمنا في كنعان كعروبيين وبالطبع فلسطينيين ايضاً هو موقف اي طرف من القضيتين المركزيتين:

  • الدولة العربية الوحدوية المركزية الضرورية
  • والقضية العربية المركزية فلسطين.

وعموماً كلا النظامين لا عروبي، السعودية عدو العروبة وإيران تطمح للهيمنة على الوطن العربي.

في هذا التعقيب سنترك شأن الدولتين بل النظامين جانياً ونناقش أمرين متعلقين بانتمائنا.

الأمر الأول: تفيد بعض المعلومات أن موقع المهد The Cradle هو موقع مخابراتي إيراني بالعربية والإنجليزية. مخابراتي إيراني، حتى الآن لا يهمنا وليس لنا حق الاعتراض فكل الأنظمة لها هكذا مواقع وأجهزة.

لكنه موقع مقصود به طمس أي وجود للعرب، بل وتفكيك الوطن العربي، لذا أنظر الخريطة فهي تركيا وإيران والعراق والجزيرة وبعض سوريا دون مصر والمغرب العربي قطعياً!!! فهل علاقة العراق وسوريا مع إيران أقرب منها مع مصر! هذا الموقع يسمي “المهد/كما في الخارطة أدناه” غرب آسيا.

غريب!!!

فأية تسمية هذه؟ من قال إن العراق وسوريا من غرب آسيا وليستا من الوطن العربي أليست الأولوية انهما عربيتان!

وإذا كان المقصود بالمهد هو نزول الأديان، فهي نزلت في المشرق العربي وليس في إيران ولا في تركيا.

وإذا كان المقصود الحضارات القديمة المؤسسة للتاريخ فهي في العراق وسوريا ومصر.  فلماذا يتم اقتناص المشرق العربي تحت مظلة إيران!

أليس على الأقل من واجبهم سؤال العرب في هذا! هههه من ناحية ديمقراطية، أو يا سيدي الشورى التي تسجلها إيران ضد معاوية!!!!

اقرأ النص:

لا توجد به كلمة عرب قطعيا!!!

وانظر عبارة “غرب آسيا وشمال إفريقيا”!!! وهذا يعني لا وطن عربي ويعني اتباع نهج الإمبريالية في تسمية الشرق الأوسط وشمال إفريقيا! شكرا إيران!!!!

الأمر الثاني: في هذا المنشور الذي ليس صحيحا القول “وصل إلى المهد” والحقيقة أنه   تسرَّب إلى المهد مخابراتياً.

ولكن هناك بند على شكل لغم كبير لكنه مموه وهو:

(على الهامش 1: أكّدت مصادر معنية بالمفاوضات أن الوفد السعودي شدّد، أثناء المباحثات، على أن بلاده متمسكة بالمبادرة العربية للسلام مع إسرائيل، وأنها لن تذهب إلى التطبيع مع تل أبيب قبل قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس.)

نحن لا نطالب إيران بالقتال في فلسطين، ولكن نسأل الإعلام الإيراني الذي صدع رؤوسنا بأن الكيان غدة سرطانية لا بد من إزالتها!!!

كيف يتحول موقف إيران إلى قبول موقف السعودية المتجسد في المبادرة الحكوماتية العربية التي تعترف بأن المحتل 1948 هو للكيان! هل جرت جراحة لانزاع الغدة؟

هل الغدة السرطانية بالنسبة لإيران هي المستوطنات في الضفة الغربية. إذا كان الأمر هكذا، فلتقل ذلك بوضوح!

هنا يتضح التوافق السعودي الإيراني الضد عروبي!!وهنا، من المضحك أن السعودي أكثر وضوحا من الخبث الإيراني!

وهذا يوجب على العروبيين الحذر من الطرفين ورفض موقفهما هذا.

نأمل أن لا يعلو صراخ مثقفي إيران من العرب بأن هذا ضد المقاومة! لا يا أبواق: نحن من صلب المقاومة، بل الاتفاق على البند المذكور هو ضد العروبة والمقاومة الحقيقية معاً.

✺ ✺ ✺

البنود السرية لاتفاق بكين بين إيران والسعودية

حسن عليق

12 مارس 2023

انشغل العالم في اليومين الماضيين باتفاق بكين بين السعودية وإيران. اطلعت “TheCradle عربي” على عدد من البنود السرية الملحقة بالاتفاق، وغالبها بنود ذات طابع أمني

برعاية صينية، توصلت إيران والسعودية إلى اتفاق على إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما. في أبعد تقدير، يمكن التعامل معه كاتفاق تاريخي استراتيجي، ويعكس تغييرات كبرى في الإقليم والعالم. وفي أدنى التقديرات، يمكن القول إنه “اتفاقية هدنة” بين متخاصمين.

البيان الصيني السعودي الإيراني المشترك، يوم 10/3/2023، حمل دلالات قوية على ما هو أبعد من إعلان إعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة منذ 2016 بين طهران والرياض.

الإعلان شديد الوضوح:

  • إعادة فتح السفارتين في غضون أقل من شهرين.
  • احترام سيادة الدول.
  • تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بين السعودية وإيران الموقعة عام 2001.
  • تفعيل اتفاقية التعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب الموقعة عام 1998.
  • حرص الدول الثلاث على بذل كافة الجهود لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي.

البنود الأربعة الأولى توحي باتفاقية سلام – غير بارد – بين دولتين، وربما ما هو أبعد من ذلك. لكن لا بد من التروي وعدم القفز إلى استنتاجات متسرعة. فالإعلان جرى قبل يومين فقط.

أما البند الخامس، فهو أبعد من أي كون نصاً إنشائياً شكلياً يوضع في كل بيان مشترك بين أي دولتين. هو أقرب ما يكون إلى محاولة تثبيت مرجعية جديدة للنزاعات في غرب آسيا، تؤدي فيها الصين دور “صانع السلام”، بالشراكة مع كل من إيران والسعودية حيث يكون لهما دور في النزاع أو تأثير على أطرافه.

ولا بد من الإشارة إلى ما كشفته مصادر مطلعة على المفاوضات لـ”TheCradle عربي”، عن أن التوصل للاتفاق لم يتم برعاية “شكلية” من الرئيس الصيني شي جين بينغ. بل إنه تولى شخصياً تمهيد الطريق لهذا الاتفاق، والدخول في تفاصيله أيضاً، منذ زيارته المملكة العربية السعودية في كانون الثاني – ديسمبر 2022، ثم استقباله الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي منتصف شباط – فبراير 2023. وقد عُقِدت أكثر من جولة تفاوض، استكمل الجانبان فيها ما تم التوصل إليه في المفاوضات التي جرت بينهما في كل من العراق وعُمان. ولم يكن محسوماً توصل الجانبين إلى الاتفاق في الجولة الأخيرة (6 – 10 مارس – آذار 2023)، لكن نجح ممثل الحزب الشيوعي الصيني في تذليل كل العقبات بين الوفدين، ثم حصل كل منهما على موافقة قيادته على إعلان التفاهم يوم 10 آذار – مارس.

في اليومين الماضيين، كُتِب الكثير عن المعاني الاستراتيجية لاتفاق سعودي – إيراني بوساطة صينية، ودلالات ذلك لجهة الدور العالمي للصين، في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية. ولا شك أنه سيُحكى الكثير عن محمد بن سلمان (ذمّاً به أو مدحاً له)، كـ”مغامر” على المستوى الاستراتيجي، واستغلاله المتغيرات العالمية لجهة تراجع النفوذ الأميركي، ولو ببطء، مع ما يرافقه من صعود للصين ولقوى دولية وإقليمية. هذه المتغيرات تتيح لحلفاء الولايات المتحدة الأميركية توسيع هوامشهم في العلاقات الدولية، بعيداً عن واشنطن، وربطاً بمصالحهم المباشرة.

والمصالح السعودية الراهنة، المتصلة بالدور السياسي والإقتصادي والمالي (والثقافي أيضاً)، الذي يريده محمد بن سلمان لبلاده، تقوم على قاعدتين:

  • تنويع الشراكات الإقليمية والعالمية تكيّفاً مع التغيير الذي يطال النظام العالمي،
  • تأمين الاستقرار الأمني (والسياسي بطبيعة الحال) الذي يتيح للسعودية تنفيذ مشاريعها الكبرى، وبصورة خاصة تلك الواردة ضمن ما يُسمى “رؤية 2030″، والتي تريد من خلالها الرياض أن تتحول إلى حاضنة للمال والأعمال والإعلام وصناعة الترفيه في غرب آسيا وشمال إفريقيا، أسوة بالدور الذي أدته الإمارات العربية المتحدة في العقدين الماضيين، أو بيروت قبل الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975.

من هنا، يمكن قراءة أهمية البنود السرية الملحقة باتفاقية بكين بين طهران والرياض، والتي اطلعت “TheCradle عربي” على جزء منها، وأبرز ما جاء فيها:

  • تتعهّد كل من المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية بعدم القيام بأي نشاط يؤدي إلى زعزعة استقرار أي منهما، على المستويات الأمنية أو العسكرية أو الإعلامية.
  • تتعهد المملكة العربية السعودية بعدم تمويل الوسائل الإعلامية التي تسعى إلى زعزعة الاستقرار في إيران، كقناة “إيران انترناشيونال”.
  • تتعهّد المملكة العربية السعودية بعدم تمويل المنظمات التي تصنّفها إيران إرهابية، كمنظمة “مجاهدي خلق” والمجموعات الكردية التي تتخذ من العراق مقراً لها، أو تلك التي تعمل انطلاقاً من باكستان.
  • تتعهد إيران بضمان ألا تستهدف التنظيمات الحليفة لها الأراضي السعودية بأي سوء، انطلاقاً من الأراضي العراقية. وجرى الحديث في هذا البند عن عملية استهداف منشآت شركة “أرامكو” في السعودية، في أيلول – سبتمبر 2019، وضمان إيران ألا يقوم أي تنظيم حليف لها بنفيذ ضربة مشابهة لها انطلاقاً من الأراضي العراقية.
  • سعي كل من السعودية وإيران إلى بذل كافة الجهود الممكنة لحل النزاعات في الإقليم، وعلى رأسها النزاع في اليمن، بما يؤدي إلى تأمين حل سياسي يحقق السلام الدائم في هذا البلد.

وبحسب مصادر معنية بالمفاوضات، لم يتم الاتفاق على مسائل تفصيلية بشأن اليمن، بسبب التقدّم الكبير في العلاقة المشتركة بين الرياض وحركة “أنصار الله” (الحوثيين) اليمنية. فهذه العلاقة نتجت عن المفاوضات المباشرة بين السعودية و”الأنصار” في كانون الثاني – يناير 2023، وأدت إلى تفاهمات كبرى بينهما، منعت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا والإمارات العربية المتحدة تحويلها إلى اتفاقية شاملة لوقف الحرب. واتفق الجانبان الإيراني والسعودي على أن ما تم التوصل إليه بين الرياض وصنعاء يمكن البناء عليه لوضع حد للحرب في اليمن.

التفاهم الإيراني – السعودي مبني بالدرجة الأولى على القضايا الأمنية. وسيخرج أنصار كل واحدة من الدولتين للقول إنها حصدت من الاتفاق نتائج أكبر مما حققه الطرف الآخر. لكن التدقيق في الأمر يُظهر وجود توازن في الاتفاق، إذ حصلت كل دولة على ضمان عدم عبث الدولة الأخرى بأمنها. صحيح أن إيران لم تُعلن يوماً رغبتها بتعريض أمن السعودية للخطر، إلا أن بعض حلفائها في الإقليم لم يخفوا نواياهم في هذا الشأن. في المقابل، أشهر محمد بن سلمان رغباته وتطلعاته عندما تحدّث علناً، عام 2017، عن نيته نقل المعركة إلى داخل إيران، وهو ما دأبت أجهزة الاستخبارات السعودية على القيام به في السنوات الأخيرة، وتحديداً عبر دعم وتمويل المنظمات التي تصنّفها إيران إرهابية، وبينها منظمة “مجاهدي خلق” التي باتت ذراعاً لجهاز الموساد الإسرائيلي.

ومن هُنا أيضاً، يمكن فهم دوافع إنجاز اتفاق بكين على مستوى مجلسَي الأمن القومي في كل من السعودية وإيران، وبمشاركة من أجهزة الاستخبارات في البلدين (في الوفد الإيراني، شارك ضباط من وزارة الاستخبارات كما من استخبارات الحرس الثوري).

على الهامش 1: أكّدت مصادر معنية بالمفاوضات أن الوفد السعودي شدّد، أثناء المباحثات، على أن بلاده متمسكة بالمبادرة العربية للسلام مع إسرائيل، وأنها لن تذهب إلى التطبيع مع تل أبيب قبل قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس.

على الهامش 2: كان لافتاً وجود وفد استخباري إيراني، إلى جانب وفد استخباري سعودي، في العاصمة الصينية بكين، لمدة خمسة أيام، من دون أن تتنبّه الاستخبارات الإسرائيلية لذلك، رغم أنها تتعامل مع إيران كساحة عمل أولى لها في العالم.

:::::

موقع ” The Cradleعربي”

الرابط:

✺ ✺ ✺

الصين وإعلان نوايا سعودية إيرانية

عادل سماره

بيان المصالحة السعودية الإيرانية بقدر ما هو غامض لا يثير شهية التحليل. ومع ذلك تعددت التحليلات بين مبتهج وبين شاطر يضع عدة سيناريوهات مما يجعل تحليله بلا معنى أو بلا موقف أي يحاول السبق على سراب. وهنا الفارق بين أمر حدث ويتم تقييمه وبين أن يتوقع طرف ماذا في بطن آخر أو آخرين.  لا سيما وأن علاقات هاتين السلطتين تنقلب من طرف أقصى إلى طرف آخر أقصى مما يضع من جرى تحريضه من كل نظام ضد الآخر في حيرة بمعنى: هل هكذا بكل هذه السرعة بعدما امتلأنا منكم تحريضا على بعضنا!

 وبمعزل عن هذا كله هذا التوافق يثير قلقي. فالسعودية ليست في قامة أو قدرة الخروج من المخدع الأمريكي، حتى بنيويا كدولة، وليست بقامة مصر الناصرية حتى تقف بين المعسكرين، هذا مع أن عدم الانحياز انتهى انتهازياً غربيا رأسماليا كمبرادوريا، هذا إن لم تكن مجرد بدايته انحيازاً.

إن الأهم أن السلطة السعودية هي العدو المركزي في الوطن العربي ضد القومية العربية ولذا، فإن أية تقوية لها أو دفاع عنها أو تحميس لها هو ضد العروبة.

إيران دولة قومية بطربوش ديني، هذا حقها ولا نطالبها بأن تكون كما نريد، ولكن من حقنا عليها أن لا تتعامل مع السعودية كممثلة للعرب!!!

إن أخطر ما في هذا الاتفاق أن يتم التعامل معه أو تطويره بحيث يغذي نهج السعودية للزعم أن نظامها عربي ويمثل العرب على غرار ما أسمته هي “التحالف العربي” في تدميرها لليمن!

والصين ليست دولة عربية، وكدولة عظمى لها حساباتها ومعاييرها التي لا شك أفضل من الإمبريالية، ولكنها ليست مجرد “محسن كريم”. وبكلام أوضح هذه ليست صين ماو تسي تونغ.

لذا، قد يكون في هذا الاتفاق رابحون كثر وخاسرون كثر، ولكن خطورته ضد العروبة ومشروعها الذي يجب ان نقاتل من أجله. صار لا بد من قراءة أدق لما بعد اللحظة لأننا نعيش اليوم وغداً.

✺ ✺ ✺

ا.ل.م.ق.ا.و.م.ة ليست أمة

عادل سماره

 ولا تحل محل العروبة قط، وهي بلا العروبة لا تُثمر حتى لو انتصرت بل سيقطف ثمارها الطرف المتبلور قوميا، ونصبح نحن حاملي البخور له. . لذا يجب قياس أي حدث عبر علاقته وتاثيره على العروبة. صراحة، تعبنا من مثقف لبرالي، مثقف متخارج، مثقف ما بعد حداثي، مثقف إيراني، مثقف عثماني، مثقف أمريكي، مثقف طائفي. فاين المثقف العروبي! وما سر تغييبه!!!!
هذه أمة قيد الإبادة بايدي بعضها، ولا أقصد فقط الحكام ولا حتى فقط قوى الدين السياسي، بل المثقفين المتخارجين والمتأجنبين في اي اتجاه.
لذا، أضع العروبة في مواجهة الاتفاق السعودي الإيراني. ومن لا يقارب الحدث من هذا المدخل فليختبر وعيه وانتمائه. ضعوا الأحداث الصغيرة ضمن مصفوفة بحجمها فقط لتروا كم أن فاعليها اقزاماً وخطيرين. أنظروا الاتفاق هل به كلمة عرب؟ كلا. استمعوا لجميع أوغاد العرب الذين يدنسون سوريا هكذا فجأة، هل يذكرون الأمة العربية؟ كلا لولا بعض السوريين الذين يحنون إلى الخطاب العروبي الذي يجري مسحه.
إن اجتثاث الخطاب العروبي أمر مقصود، ليس صدفة بل ممنهج لاقتلاع العروبة وإحلال خطاب طائفي مقيت مكانه. حين تفقد عروبتك كتغدو من تنزلق الأرض من تحت قدميه وحينها تتحول إما إلى هوام أو ذئباً، ذات يوم قال ناظم حكمت: “وحين تنزلق الأرض من تحت قدميك، فإنك تصبح ذئباً”.

✺ ✺ ✺

 التوظيف السياسي الأطلسي للدين

د. موفق محادين

يلحظ أي متابع للتاريخ السياسي العالمي، أن الدين نفسه لم يشكّل حقلا سياسيا بحد ذاته، بل حقلا للتوظيف السياسي من قبل السلطات والقوى السائدة عبر التاريخ وعند كل الجماعات البشرية، وما يبدو مفارقة هنا أن أوروبا التي دشنت نظريات العقد الاجتماعي مقابل العقد الإلهي والعلمانية، الصافية أو المشوبة برواسب من الماضي، هي التي أعادت التوظيف السياسي للدين خارج حدودها القومية.

وقد كان نصيب العرب والمسلمين ومنطقة الشرق الأوسط وبعض بلدان أوروبا الشرقية مثل بولندا وأوكرانيا، نصيبا وافرا من هذا التوظيف، ومن النادر أن تجد حركة سياسية دينية منذ القرن التاسع عشر في المناطق المذكورة بعيدا عن أقلام الاستخبارات الأوروبية.

فماذا عن هذه الظاهرة وتجلياتها نظريا وسياسيا.

أولا، على الصعيد النظري:

1.    تصورات مهدي عامل وتمييزه بين الدين كتعبير أيديولوجي – اجتماعي للمراحل ما قبل الرأسمالية، وبين الطائفية كظاهرة اجتماعية – أيديولوجية من ظواهر الرأسمالية، وبالتالي فكل ما يبدو قراءات أو نقاشات سياسية حول إمكانية قيام دولة دينية في المراحل الرأسمالية، هو في حقيقته أقنعة أو حالات طائفية لتصورات وقوى سياسية رأسمالية.

2.    تصورات ماركس حول أشكال الاغتراب وتمييزه بين الاغتراب الانثروبولوجي ما قبل الرأسمالي وبين الاغتراب السلعي في المرحلة الرأسمالية، ومن المفهوم أن الاغتراب من أكثر المفاهيم اتصالا بالموقف من الدين الذي تأخذه تصورات راديكالية إلى تأويلات متطرفة بشأن مفهوم الاغتراب نفسه.

وبالتالي فثمة تناقض نظري إشكالي بين الدعوة إلى سلطة سياسية حديثة وبين ظاهرة اغتراب انثروبولوجية ما قبل رأسمالية.

التصورات الفلسفية حول جدل السيد والعبد، وخاصة عند هيجل ونيتشه.

ملاحظات المفكر المغربي، محمد عابد الجابري، التي وردت في مجمل مشروعه الفكري حول ضعف الشروط الموضوعية الاجتماعية الاقتصادية للدولة الحديثة واختلاط المفاهيم الحديثة مع الثلاثية ما قبل الرأسمالية، القبيلة والغنيمة والعقيدة، مما يجعل فكرة السلطة الدينية فكرة إشكالية ومهزوزة من الزاوية الموضوعية.

ومثل ذلك آراء مفكر مغربي آخر، هو عبد الله العروي حول الفوات الحضاري، بمعنى أن العرب فقدوا شروط التحول من دولة برجوازية قومية على غرار أوروبا، بسبب الركود العثماني نفسه الذي ينظر له بعض الإسلاميين بصورة مغايرة ويحنون إلى استعادته في العصر الامبريالي.

المشترك بين التأويلات الدينية المختلفة وعند كل الأديان، التي تربط الخلق والتاريخ والبشر الأوائل بفكرة الخطيئة، بقدر ما تربطهم باستخلاف الله في الأرض، فيصبح الوجود البشري على مدار التاريخ شكلا من الندم على الخطيئة، وتصبح السلطة زمنية أم روحية أداة لترجمة هذا الندم.

ثانيا، على الصعيد السياسي:

كما ارتبطت نظريات العقد الاجتماعي بهزيمة فكرة الخطيئة كمواز للمعرفة، ارتبطت فكرة الدولة الحديثة بهزيمة وتفسخ الحقبة الإقطاعية وآخر إمبراطورياتها ممثلة بالإمبراطورية الجرمانية المتحالفة مع الفاتيكان، وظهور الدولة القومية كتعبير من تعبيرات الثورة البرجوازية ولا سيما ما بات يعرف بدولة وستفاليا.

ومن مزايا هذه الدولة استبدال (العقد الإلهي) بالعقد الاجتماعي وأركانه ومنها العلمانية، ولم يقتصر هذا التحول على الشأن الأوروبي، بل وجد له مكانا في أوساط إسلامية مثل الشيخ الأزهري علي عبد الرازق في كتابه الإسلام وأصول الحكم الذي فصل من الأزهر بسببه، ولا سيما تأكيده على أنه لا سلطة سياسية في الإسلام، متكئا على وثيقة المدينة التي وضعها الرسول لإدارة يثرب، ومثله علي عبد الرازق وخالد محمد خالد ووائل حلاق في الدولة الإسلامية المستحيلة.

التوظيفات السياسية في اليهودية:

1.    الشعب المختار مقابل الغوييم أو الأغيار الذين يساوون البهائم، وقد اشتق الخطاب الكولونيالي الاستعماري من ذلك ثنائيته العنصرية المعروفة: متمدنون ومتحضرون مقابل البرابرة، وذلك غطاء لاستعمار ونهب شعوب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وقد وضع الخطاب الكولونيالي لنفسه خيارين إزاء هذه الشعوب بعد توصيفها الانثروبولوجي العنصري (البرابرة)، الإبادة التي أتت على عشرات الملايين من الهنود الحمر والآسيويين والأفارقة، وخيار الترويض (التعبير نفسه لا يخلو من دلالات حيوانية مثل تدجين وترويض) وبما ينسجم مع الخطاب اليهودي العنصري، الغوييم – البهائم.

2.    الربوية اليهودية كما هي في تشخيص ماركس في كرّاسه المبكّر (المسألة اليهودية) وفي عمله الضخم اللاحق (رأس المال)، جوهر الرأسمالية المالية (الامبريالية)، ولا تزال البيوتات المالية الأكبر في العالم الرأسمالي التي تتحكم بالمفاصل الحيوية لهذا العالم، بيوتات يهودية مثل روتشيلد وروكفيلر والمؤسسات التي تديرها مثل البنك وصندوق النقد الدوليين ومنتدى دافوس وبيبلدربيرغ.

التوظيفات السياسية في المسيحية:

وقد طالت هذه التوظيفات أكثر من مذهب من المذاهب المسيحية بالاستناد إلى التجاذبات القديمة التي شهدتها المجمعات المسكونية كما إلى نظرية السيفين وأفكار أغسطين في القرن الرابع، وأفكار توما الاكويني الذي وظّف أرسطو في مقارباته بالإضافة إلى الأفلوطينية التي شكلت مرجعية أساسية عند العديد من التأويلات الدينية.

بالإضافة إلى الغطاء البروتستنتي لنشر الرأسمالية كما لاحظ ماكس فيبر ولتبرير المشروع الصهيوني بفكرة الألفية والهرمجدونية، فقد تم توظيف الفاتيكان ضد روسيا والمعسكر الاشتراكي وخاصة البابا يوحنا بولس الثاني البولندي بالتزامن مع توظيف الجهاد الأفغاني كما سنرى.

التوظيف السياسي للإسلام الأطلسي:

قبل أن نتحدث عن التوظيف الكبير للإسلام الأطلسي ومحاولاته اختطاف الشارع السنّي، نشير إلى التوظيف الآخر في الأوساط الشيعية المتأمركة مثل جماعة الإسلام الشيعي الانجلو سكسوني والثورات الملونة في العراق ولبنان، والأهم توظيف دولة بكاملها في سياق مشابه هي أذربيجان ذات الأغلبية الشيعية.

أما بالنسبة للأوساط السياسية التي اختطفت الشارع السنّي، فقد بدأت هذه التوظيفات عبر أقلام الاستخبارات في المطابخ الرأسمالية الانجلو سكسونية من شركة الهند الشرقية إلى شركة قناة السويس والشركات الأخرى في محميات النفط والغاز المسال.

فمع دخول تركيا الإقطاعية في حالة الرجل المريض وإطلاق لندن استراتيجية وراثة المساحات الشاسعة للإمبراطورية العثمانية الإقطاعية، انتبهت أقلام الاستخبارات المذكورة ودوائر الاستشراق التابعة لها، لأهمية الحركة الوهابية المتحالفة مع آل سعود في الدرعية في نجد، وأقامت معها صلات وثيقة وأمدتها بالأسلحة لإطلاق غزوات تكفيرية في الأطراف الشامية والعراقية التي كانت تحت الاحتلال العثماني.

وقد أظهرت مذكرات بيركهارت الآثاري السويسري الذي جندته المخابرات البريطانية باسم الشيخ عبد الله اللوزاني ضمن القنوات السرية مع الحركة الوهابية، الكثير من الفوائد المشتركة بينهما والتي ستتحول مع مرور الزمن إلى تعاون راسخ عبر عشرات الجماعات الأصولية ويهود متأسلمين مثل الشيخ محمد أسد (ليوبولد فايس).

يشار هنا إلى أن أغلب المرجعيات الفكرية للإسلام الأطلسي هي من أصول يهودية مثل برنارد لويس في كتابه (لغة الإسلام السياسي) ومشروعه حول الانبعاث العثماني، ومثل نوح فيلدمان الذي دعا إلى إعادة الاعتبار للتجربة الإسلامية ودعمها وتحدث عن أسماء بعينها مثل الغنوشي والقرضاوي والهويدي وغيرهم، ومثل شارلي بينارد وفيلسوف المحافظين الجدد، ستراوس، الذي ربط بعض المفكرين الإسلاميين بمدرسة ابن ميمون اليهودي.

أيضا وفي وقت لاحق وبالإضافة إلى الإسلام الوهابي الخشن انتبهت دوائر المخابرات الانجلوسكسونية إلى أهمية الإسلام السياسي الناعم تحت عنوانين: الإصلاح كما مثله الأفغاني ورشيد رضا (صاحب مجلة المنار) وأشكال من التصوف السلبي ردا على حركات المقاومة الصوفية المسلحة وخاصة في شمال أفريقيا العربية.

وكما يذكر المؤرخ البريطاني كورتيس في كتابه (تآمر بريطانيا مع الأصوليين)، فإن لندنستان كما يسميها وبالتنسيق مع الشق الأمريكي الآخر من الامبريالية الانجلوسكسونية، أولت اهتماما كبيرا لجماعات الإسلام السياسي الخشن والناعم معا في الحرب ضد موسكو والقومية في الشرق الأوسط.

وبحسب كورتيس، كما لعب الأصوليون التكفيريون دورا معروفا في تفكيك الإمبراطورية الإقطاعية للرجل العثماني المريض تمهيدا لوراثة الاستعمار البريطاني الفرنسي لها، كرروا الموقف نفسه لإطلاق موجة تفكيك الدول العربية واستبدال الخطابات الجامعة، الوطنية والقومية، بخطابات طائفية مزقت النسيج العربي على أسس مذهبية.

أيضا وكما لعب الوجه الآخر من إسلام الكولونياليات الدور المعروف في نهايات القرن التاسع عشر والعقود الأولى من القرن العشرين، استخدمت أشكال جديدة منه على غرار الغنوشي وأردوغان، ولعل الأخطر في كل ذلك ما تعلق بالخطاب السياسي نفسه، وهو إعادة إنتاج خطاب الاستشراق الاستعماري القديم المستمد من التوراة (الشعب المختار مقابل الأغيار)، وهو ما ظهر جليا في تصوير العربي والمسلم كقاطع رؤوس كما في حالة داعش وجبهة النصرة وغيرهما.

_________________________

تابعونا على:

  • على موقعنا:

https://kanaanonline.org/

  • توتير:
  • فيس بوك:

https://www.facebook.com/kanaanonline/

  • ملاحظة من “كنعان”:

“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.

ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org