نشرة “كنعان”، 5 إبريل 2024

السنة الرابعة والعشرون – العدد 6761

في هذا العدد:

عادل سماره:

(1) تحريم “ولكن” من العربية
(2) هناك كذب خجول وهناك كذب وقح

(3) الرئة الشرقية…للعصيان المدني

خليل قادري والعروبة: حول مسألة الماركسية والقومية

ماذا تفعل البحرية الهندية في البحر الأحمر؟ د. منذر سليمان وجعفر الجعفري

فلاسفة الغرب وفلسطين [2] | سارتر: إسرائيل أولاً، وفلسطين عاشراً!  فؤاد إبراهيم

✺ ✺ ✺

عادل سماره:

(1) تحريم “ولكن” من العربية
(2) هناك كذب خجول وهناك كذب وقح

(3) الرئة الشرقية…للعصيان المدني

✺ ✺ ✺

(1)

 تحريم “ولكن” من العربية
أفهم لماذا لا تنطق، فدعني أنطق

عاتبني صديق بأنني أهاجم المذيعين والمحللين العرب!

بداية أنا لا أهاجم كما ألبسني أو شيطنني اللبراليون الفلسطينيون من خمسين عاماً والذين جميعهم متخارجون متأمركون ومع التسوية وضد العمليات الاستشهادية وضد 7 تشرين وشاركهم بعض التحريفيين ويمين ويسار…الخ، بل أنتقد من يخصي الوعي وبالتالي الوعي المخصي.
المذيع مجرد موظف، والخطير مالك ومدير وممول المحطة لأنه يبث سموماً حتى لو مخلوطة بالعسل. وخطير كذلك محلل عالي الصوت مزجج الكلمات لكنه لا يصدق في محل الصدق.
وباختصار: راقبوا مختلف أجهزة الإعلام العربية ومنها اجهزة المحور!
ولنأخذ قضية العمال الدوليين في المطبخ الدولي تقوم المحطة بتعداد الدول والمنظمات الدولية التي تنتقد الكيان سواء برمي الجريمة بالورد أو بالكلام او لو حتى بالإدانة.
ولكن: لماذا يتوقف هذا السرد الطويل هنا؟
لماذا لا يقولوا جملة واحدة: وهي:
ولكن: لم تتحدث الزعامات العربية ولا أجهزتها ولا جنرالاتها ولا مخابراتها عن الجريمة؟


فقط حتى هذه الكلمة “ولكن” يُقال للمذيع: إياك أن تقلها!
لذا، يبقى علينا، يا صديقي الناعم جدا، أن نقولها.

(2)

هناك كذب خجول وهناك كذب وقح

كلاهما مأجور.

شاهدت فلسطيني مطلق الانتهازية يقول بانه كان دوما ضد اوسلو مع أنه ترشح لانتخابات اوسلو الشبه برلمانية والرئاسية!!! وهو من ابطال الأنجزة. وطبعا يأبى ان ينطق كلمة كفاح مسلح ويعترف بالكيان طفولة وتربية واليوم.

ولبناني يحلل بحماسة ويقول انتقلت المقاومة العراقية من ضرب امريكا لضرب “اسرائيل”. فهل تم تحرير العراق.

تبا للكذب والتكاذب والأخطر أكثر الصمت عليهما.

هناك تفاهات لا تستحق ذكر المتفوهين بها.

لكن ايها الناس احذروا هذا الكذب لأنه ينفخ بالنصر بل يقوض النصر الحقيقي.

كل شخص شريف مطلوب منه البحث في تاريخ كل متحدث قبل أن بنبهر به.

(3)

الرئة الشرقية…للعصيان المدني

كي لا يكون حراك الشارع الاردني تفريغا تضبطه قادة اجهزة السلطة التي تحمي سفارة الكيان وسفارات الاعداء مما يؤكد المساكنة الرباعية بين السلطة عبر اجهزة القمع وهي تضع الرصاص في بيت النار وبين القوى السياسية العلنية والاعلام، والشارع فليذهب الناس الى الاضراب والعصيان المدني لتفكيك اجهزة السلطة التي عاشت على ما تقوم به من حرب اهلية ضد الطبقات الشعبية منذ تأسيسها 1921 بوعد تشرشل.

فالصراع في الوطن العربي ممتد لأبعد منه ضد الكيان، لان بقاء الانظمة هو اكسير حياة الكيان.

ان الاحزاب العلنية أعجز من قطع اللحظة الحساسة والتاريخية من العلني الى السري ومن هنا نحتاج لخروج “سيف الله المسلول” عبر عمل سري ليقود الحراك المنشور السري بدل فضائيات مزخرفة ومزججة. ذلك المنشور الذي يشل الحياة اليومية ويربك ويفكك اجهزة السلطة التي هي للأسف من ابناء الشعب.

فليكن الابتكار الشعبي في الرئة الشرقية بإسقاط نظام هو سور شرقي لحفظ الكيان. فالوطن للشعب وليس للحاكم. ويبقى الطريق إلى فلسطين والحرية والوحدة بعد اسقاط شعبي للأنظمة.

✺ ✺ ✺

خليل قادري والعروبة

(حول مسألة الماركسية والقومية)

مقالة هامة للرفيق خليل قادري عن موقف شيوعيين عربا من القومية العربية. أعيد نشرها لأهميتها في الراهن حيث الهجمة الاشد ضد العروبة وقساوة التصدي لهذه النجمة.

لافت فيها الاشارة الى مسالة المذابح المتبادلة في العراق بين الشيوعين والقوميين عموما وتبرئة كل طرف لنفسه.

واعتقد ان وراثة هذه التبرئة وتكرار ادانة الاخر وحسب هي عجز متأصل في عقل لا تاريخي. عقل اقطاعي لا أرقى. وهذا يطرح التحدي التالي: هل نرتفع الى كتلة تاريخية؟

عادل سماره

✺ ✺ ✺

خليل قادري والعروبة

(حول مسألة الماركسية والقومية)

منذ سنوات سألت الصديق السوري الدكتور عيسى حداد ضيف لما التقيت به في تونس عن سر معاداة مواطنه خالد بكداش الزعيم التاريخي للحزب الشيوعي السوري للأطروحات القومية العربية وعن معاناة رفيقه السابق الياس مرقص رفضا لمواقفه لإصراره لعدم جعل تناقض بين القومية والأممية.

اجابني الدكتور عيسى قال لي ان اعتزاز بكداش بأصوله الكردية كان محدداً في مواقفه الرافضة للوحدة العربية.

تذكرت هذا القول و انا اربطه بما شاهدته في حلقة حوارية مع المؤرخ و الصحفي العراقي شامل عبد القادر لما تحدث عن مجزرة كركوك 1960 بالعراق التي ارتكبت فيها مليشيات الحزب الشيوعي العراقي المعروفة باسم أنصار السلام تصفية عرقية بحق التركمان في كركوك حيث ذكر شامل عبد القادر ان معظم كوادر الحزب الشيوعي العراقي في مدينة كركوك كانوا من أصول كردية و قد سبق تلك المجزرة مجزرة قطار الموصل حيث اوعز سلام عادل قائد الحزب الشيوعي العراقي لمليشياته بارتكاب مجازر بحق القوميين العرب و بقي الموقف لدى الشيوعي السوري و الشيوعي العراقي مشوش إزاء فكرة القومية العربية عكس الحزب الشيوعي اللبناني و الحزب الشيوعي السوداني و بعض التنظيمات من خلفية ماوية كمنظمة العمل الشيوعي اللبناني و تنظيم الشعلة الماوية في تونس و تنظيم إلى الأمام المغربي.

تذكرت وانا أشاهد تعليق مغربي يدعي انه يساري وماركسي يهاجم فكرة القومية العربية لما حاججته بمواثيق أحزاب يسارية حول تبنيها فكرة القومية العربية مثل مقررات الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ومنظمة الى الامام ومنظمة العمل الشعبي الديمقراطي تجاهلها وأصر الرد بركاكة بدافع شوفيني عرقي يضع الامازيغية كهوية مضادة للعروبة عوض أن يجعلهما عنصري تكامل.

أحيل اي باحث حول الماركسية والمسألة القومية في الوطن العربي حول الكتب التالية:

السوري الياس فرح تطور الفكر الماركسي عرض ونقد

وكتاب ناجي علوش حول الماركسية والمسالة القومية

وكتاب السوري ياسين الحافظ الذي تأثر به المغربي عبد الله العروي في النزعة التاريخانية

كتاب اللبناني حسن خليل غريب الامة بين الماركسية والاممية

وكتابي منيف الرزاز فلسفة الحركة القومية العربية والتجربة المرة

وعد الى عصمت سيف الدولة المصري في مجلد نظرية الثورة العربية

والماركسي الفلسطيني عادل سمارة كتابه دفاعا عن دولة الوحدة

كراس فلاديمير لينين حول المسالة القومية و

ايضا ماو تسي تونغ ومقررات مؤتمر الكومفروم في باخو 1929 حول شعوب الشرق الذي أشرف عليه الاتحاد السوفياتي و

مؤتمر الشيوعيين العرب في زحلة بلبنان في 1936 الذي حضره ميشال عفلق مؤسس حزب البعث وكتب تقريره الماركسيان رائف خوري وباسل خياطة

مقررات المؤتمر الوطني الثاني للحزب الشيوعي اللبناني في 1968 ومقررات المؤتمرات الوطنية والارضية السياسية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

✺ ✺ ✺

ماذا تفعل البحرية الهندية في البحر الأحمر؟

ما مصير سياسة الحياد

د. منذر سليمان وجعفر الجعفري

            تبلور الحضور العسكري الأميركي بقوة في المحيط الهندي وجواره إبّان الحرب العالمية الثانية “وعُزّز طيلة أمد الحرب الباردة، وأضحت مياهه مكوّناً هاماً في استراتيجية واشنطن” في تلك المنطقة.

            أمّا نسج أقوى “علاقات الشراكة في عموم المحيط الهندي”، فقد كان من نصيب الهند مع الولايات المتحدة. وقد ارتفع مستوى “التعاون العسكري بين الطرفين إلى أعلى مستوياته عام 2022″، بحسب بيانات البنتاغون (دراسة “معهد كارنيغي”، 15 حزيران / يونيو 2023).

            منذ تولّي ناريندا مودي رئاسة وزراء الهند عام 2014، شرع في تطبيق رؤيته لأولوية “القومية الهندوسية” في الداخل، والمطابقة لسياسة حزبه القومي “بهاراتيا جاناتا”، وإحداث تحوّلات استراتيجية في تحالفات الدولة التاريخية التي كانت تنشد سياسة الحياد وتوازن علاقاتها بين موسكو وواشنطن. وكان مودي أول رئيس وزراء في تاريخ الهند يزور “إسرائيل” عام 2017.

            وفي السياق عينه، انحاز مودي إلى الموقف الصهيوني بدعمه بنيامين نتنياهو عقب عملية طوفان الأقصى للمقاومة الفلسطينية في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. وقال في بيان صادر عنه: “لقد صُدمت بشدة من الهجمات الإرهابية في إسرائيل. نصلي وندعو للضحايا الأبرياء وعائلاتهم. نتضامن مع إسرائيل في هذه الساعة الصعبة”.  كما أوعز لمندوب بلاده الدائم لدى الأمم المتحدة بالامتناع عن التصويت لمصلحة مشروع قرار بوقف إطلاق النار في 27 تشرين الأول/أكتوبر 2023.

            التطابق التدريجي بين سياسات الهند، إبّان رئاسة مودي، مع أيقاع السياسات الأميركية ليس فيه مبالغة أو تجنِّ. وقد نالت نيودلهي تأييد واشنطن في عدد من الملفات الدولية، على الرغم من ضيق المساحة هنا لتناول دور الهند في محور “بريكس” ومعارضتها القوية لانضمام الجزائر إلى عضوية الحلف الدولي الناشئ.

            على الرغم من “عدم مشاركة الهند في تحالف (حارس الازدهار) الأميركي في البحر الأحمر”، شرعت نيودلهي “في تعزيز وجودها في المنطقة الممتدّة من شمال ووسط بحر العرب إلى خليج عدن، وأرسلت 10 سفن حربية بدلاً من اثنتين تتمركزان عادة في المنطقة” (صحيفة “وول ستريت جورنال”، 17 شباط/فبراير 2024).

            وأضافت الصحيفة: “الهند سعت من خلال موقفها ذلك لتعزيز تعاونها مع الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة العمليات العسكرية اليمنية في البحر الأحمر، ما يعني تطابق نظرتها إلى الصراع مع منظور الولايات المتحدة، التي اتخذت موقفاً مفاده أن هذا يتم بتحريض إيراني.”

            وتُجري القوات البحرية الأميركية ونظيرتها الهندية “مناورات عسكرية مشتركة، ويتم تبادُل المعلومات الاستخباراتية والانخراط المتزامن في التدريبات العسكرية والبرامج التعليمية” (دراسة “معهد كارنيغي”، 15 حزيران/يونيو 2023).

            سياسة واشنطن الآسيوية النشطة منذ بداية ولاية الرئيس الأسبق باراك أوباما ركزت جهودها وتحالفاتها الإقليمية والدولية على مواجهة “عسكرية محتملة” مع الصين، وأضحت بوصلة توجهاتها مع القوى الأخرى، بما فيها الهند وما تمثله من قوة اقتصادية وسوق استهلاكي للمنتجات الأميركية.

            لكن بعض مراكز الأبحاث والدراسات النافذة في صنع القرار السياسي الأميركي يحذّر باستمرار من مخاطر نشوب صراع مسلّح مع الصين في ظل التحولات الاستراتيجية الدولية في الدرجة الأولى، وبعضها يسلّط الأنظار على تآكل البنية الاستراتيجية بعد نهاية الحرب الباردة، وتداعيات هزائم واشنطن في حروبها منذ إطلالة الألفية الجديدة.

            وأشار بعضها بقوة إلى ظواهر “تضاؤل تماسك الحكومة الأميركية (منذئذ)، وتفكّك نسيج المجتمع، وانتشار التهديدات” الداخلية والعالمية، وهي كلّها “تؤشر إلى نهاية عصر القوى الكبرى الصناعية، وولوجها عصر القرون الوسطى”. واستطرد: “شهدنا لعدة سنوات بوادر على تآكل عصر الازدهار وتراخي متانة الأوضاع الداخلية. استنتاجات كل العلوم الاجتماعية تقريباً أشّرت إلى دلائل الانحسار والتقهقر” (دراسة “مؤسّة راند”، 19 آذار/مارس 2024).

            يجمع الخبراء العسكريّون على أن من جملة أهداف الهند من تعاونها المتنامي مع الولايات المتحدة يتصدرها صراعها التاريخي مع الصين، إلى جانب طموحها لتصبح أحد الأقطاب الاقتصادية الدولية. نجد تجسيداً لذلك في صفقات المشتريات العسكرية الأميركية التي “تبلغ قيمتها 3 مليارات دولار لشراء 31 طائرة بدون طيار من طراز “بريداتور”، نصفها مخصص لسلاح البحرية.

وأكّد وزير خارجية الهند، سوبرامانيام جيشينكار، حديثاً أن قدرة بلاده “المتنامية ومصالحها وسمعتها تستدعي مساعدتها في المواقف الصعبة”، وقابله القائد الأعلى للبحرية الشرقية الهندية، بيسواجيت داسغوبتا، قائلاً: “هناك تنسيق كافٍ مع الولايات المتحدة والدول الأخرى ذات التفكير المماثل في الجبهة البحرية”.

            ولدى الهند حاليا “سفينتان حربيتان في خليج عدن، و12 سفينة حربية في شمال وغرب بحر العرب”، وحاملتا طائرات وتشغيل محطات للرادار ومراكز الرصد في مياه المحيط الهندي لمراقبة التحركات البحرية المختلفة، وطائرات استطلاع في منطقة بحر العرب.

            وأنتجت البحرية الهندية خلال الأعوام العشرة الماضية أكثر من 12 سفينة حربية مسلّحة بالصواريخ والطوربيدات، يتم إنتاجها جميعاً محلياً لقوتها البحرية، ووصل إجمالي عدد السفن الحربية في أسطول الهند إلى 140 سفينة.

            الصراعات التاريخية على الحدود المشتركة بين الصين والهند انتجت تحالف الصين مع باكستان في إطار ذلك النزاع، فيما اتجهت نيودلهي نحو موسكو، ومن ثم إلى واشنطن. تمدد الصين عالميا عبر استراتيجية “الحزام والطريق” استدعى تعزيز علاقاتها مع باكستان، وإنشاءها قاعدة عسكرية في جيبوتي قرب باب المندب والبحر الأحمر، وتحديثها ميناء جوادر الباكستاني وميناء هامبانتونا في سري لانكا، وآخر في ميانمار، فضلاً عن تطويرها جزيرة اصطناعية في جزر المالديف، وتوسيع قاعدة بحرية في كمبوديا، ما يعني تطويقها للهند في خليج البنغال.

            في الطرف المقابل، تنشط الهند في تكثيف حضورها الاقتصادي في مياه ودول الخليج العربي، منها عُمان التي منحتها حق الرسوّ في موانئها، والمشاورات الثنائية بينهما لإنشاء خط أنبوب غاز طبيعي تحت المياه. كما لدى الهند علاقات وثيقة مع كل من السعودية والإمارات. وقد تشاركت الدول الثلاث في مناورات بحرية في عام 2021.

            يلفت بعض الاقتصاديين الأنظار إلى أهمية العامل البشري الهندي في دول الخليج العربي كأحد عناصر السياسة الهندية المتّبعة، إذ يقدر حجم العنصر الهندي في دولة الإمارات بنحو 38% من مجوع السكان بما فيهم “الوافدون”. وبذلك، فإنهم يشكلون أكبر مجموعة عرقية في الإمارات، وبنسبة 3 أضعاف المصريين في المرتبة الثانية، بنحو 10%.

            تزايد استهلاك الهند للنفط ومشتقاته في الآونة الأخيرة ينذر بتعريض إمدادات الطاقة للخطر، إذ احتلت المرتبة الثالثة عالميا باستهلاكها نحو 205 ملايين طن من المشتقات النفطية عام 2022. كما تعتبر الهند مستورداً رئيسياً للنفط الخام الروسي بعد إنزال واشنطن العقوبات بصادرات موسكو النفطية، وبلغ نحو 4 ملايين برميل من النفط الخام، كما تطمح نيودلهي إلى زيادة حجم مساهمتها في تصدير المنتجات النفطية، خصوصاً إلى أوروبا، عبر البحر الأحمر وقناة السويس.

            اقتصاد الهند بحسب صندوق البنك الدولي يصنّف بأنه “اقتصاد سوقي نامٍ متوسط الدخل”، وهو نظام يستند إلى سياسات اقتصادية حمائية دعمتها الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال، ويعتبر سادس أكبر سوق استهلاكي عالمياً. وقد بلغ حجم اليد العاملة في الهند نحو 500 مليون عامل لعام 2019.

يشكل قطاع الخدمات نصف الناتج المحلي. وقد ارتفع معدّل الدين العام إلى 86% من الناتج الإجمالي للعام نفسه، والهند من الدول الأولى عالميًّا من حيث عدد فاحشي الثراء من شريحة المليارديريين، وتعاني من تفاوت شديد في الدخل، وتقلّص فرص العمل إلا تلك التي تحتاجها الأسواق الغربية، خصوصاً الأميركية، في صناعة الأدوية، لتدني كلفة إنتاجها ووفرة أرباحها.

تميّزت الهند في العقود القريبة الماضية بازدهار عمالتها التقنية في مجال تكنولوجيا المعلومات نظراً إلى تدني أجور العمّال، إذ بلغت نحو 3.7 مليون من إجمالي 500 مليون في السوق، لكنها أضحت مهددة بمنافسة التقنيات الجديدة لتحل محل الأيدي العاملة، مقرونة بتباطؤ كبير في توظيف عمالة جديدة. وتشير بيانات البنك الدولي إلى تعرّض نحو 69% من الوظائف للتهديد (تقرير شبكة “بي بي سي”، 25 أيار/مايو 2017).

على الرغم من مجمل الخطوات الاقتصادية لحزب ناريندا مودي، وتخبّط التطبيقات، واتساع الهوّة الفاصلة في توفر اليد العاملة، فإن تلك السياسات أخفقت في توفير فرص عمل لطواقم الخريجين والمهارات التي انتقلت إلى العمل في الأسواق الغربية لتتسع الفجوة مرة أخرى، ويتم حرمان المناطق الريفية من الأطباء والاختصاصيين بسبب تلك السياسات.

         تحاول الهند تبرير تزايد وجودها البحري ونشاطها في منطقة البحر الأحمر بمحاربة القرصنة، وخصوصاً بعد عودة نشاط القرصنة من الصومال، ولكنها باستعراضها آخر عملية ملاحقة ناجحة لقراصنة صوماليين ترغب في إرسال اشارة اقليمية ودولية بأنها قوة متنامية يفترض احتسابها في ظل الصعود الصيني اقتصادياً وعسكرياٍ.

لتاريخه، لم يتم استهداف سفنها من قبل انصار الله في اليمن، ولكن اذا تبين انها تنشط لدعم الكيان الصهيوني، فستكون عرضة لما يطال القوات البحرية الأميركية وكل من يساند جيش الإحتلال الإسرائيلي في حرب إبادة الشعب الفلسطيني في غزة.

:::::

مركز الدراسات الأميركية والعربية، واشنطن

الموقع الإلكتروني:

http://thinktankmonitor.org/

✺ ✺ ✺

فلاسفة الغرب وفلسطين [2] | سارتر: إسرائيل أولاً، وفلسطين عاشراً!

فؤاد إبراهيم

في أرشيف فيلسوف الوجودية الفرنسي جان بول سارتر (1905 – 1980) تجربة عريقة في النضال ضد الاستعمار الفرنسي والأوروبي عموماً، فكانت له مواقف فارقة في دعم قضايا الشعوب، ولا سيما الشعب الجزائري في نضاله ضد الاستعمار الفرنسي. وكان عمله المسرحي «الذباب»، الذي نشره في بداية الأربعينيات من القرن الماضي، يُصنّف في أدب مقاومة الاحتلال. وقد أثار بعد عرضه في مسرحية حفيظة السلطات الألمانية التي أوقفت العرض بعد أن تنبّهت إلى رسالته التحريضية. ومع أنّ شخصيات المسرحية تعود إلى أزمنة غابرة، يونانية على وجه الخصوص، فإنّ طبيعة الحوارات التي دارت بين شخصيات المسرحية تحمل رسائل سياسية معاصرة، وذات دلالة، مثل القول بأن القاتل هو من يستولي على الحكم. ويشدّد في هذا العمل على قيمة الحرية، ولا سيما الحرية الفكرية، ويطالب بأن يمسك الفرد زمام أمره بيده وبإرادته الحرّة، ويذكّر قارئه بأنّه حر، والواجب على الحر أن يمارس حريته بانتزاع كل القيود المفروضة عليه، لأنّ الحرية مثل العدوى. وحسب وصفه، فـ«إن رجلاً حراً في المدينة هو أشبه بعنزة جرباء في قطيع، فهو سوف يصيب بالعدوى كلّها…». وينبّه إلى القوة الهائلة التي ينطوي عليها الإنسان الحر «حين تنفجر الحرية يوماً في قلب إنسان، فإن الإلهة لا يملكون إلا العجز تجاه هذا الإنسان…».
نشر سارتر روايات مسرحية وأعمالاً فكرية أخرى عن الحرية بخلفية سياسية، وله كتاب «مواقف» عارض فيه الحرب الهندية الصينية، ودافع عن الناشطين من شعراء وكتّاب، وكان وقوفه إلى جانب الثورة الجزائرية معلماً فارقاً في سيرته النضالية. وكتب مسرحية «أسرى ألتونا» وألتونا هي بلدة في هامبورغ على نهر إلبه، تناول فيها قصة تعذيب الفرنسيين للجزائريين، بتقميص ضابط ألماني، فرانتز، دور الضابط العائد من القتال والمسكون بعقد نفسية والمتعطش للتعذيب وقهر الآخرين.
ولكن، في المقلب الآخر، ثمة درج في أرشيف سارتر يخفي فيه وصمة التماهي مع المشروع الصهيوني، وأقول «يخفي» لأنه تعمّد ذلك حتى لا يفقد المقروئية الواسعة التي يتمتع بها في أوساط المناضلين من أجل الحرية، والشريحة التي آمنت بأيديولوجيته الوجودية.
في سنة 1944 كتب سارتر مقالة بعنوان «حول المسألة اليهودية»، وشرح موقف اليهود في فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، وبدا متأثراً بالدعاية الصهيونية بل تحوّل إلى أداة فيها. أعاد سارتر إنتاج صورة اليهودي المضطهد، الذي ساقته ظروف قاهرة في البلدان التي عاش فيها إلى خيارات اضطرارية وامتهان حرف ممقوتة. فقد نقل اليهودي من سياقه الفرنسي لتبرير خياره في الهجرة إلى أرض فلسطين واستيطانها واضطر إلى احتراف الربا، مع أن الربا كان حرفة اليهودي منذ القدم. في إنكلترا في القرن الثاني عشر كان نصف المرابين فيها من اليهود. ولكن سارتر قارب المسألة اليهودية من موقع اليهودي المضطهد، ونفى أن تكون المسألة اليهودية يهودية الطابع، ولكنّها مسألة فرنسية، لأنّ المجتمع فشل عن سابق تصميم في استدماج اليهود.
لا يكفّ سارتر عن تحميل المجتمع المسيحي الأوروبي مسؤولية اللعنة الاقتصادية التي أصابت اليهود، فلم يكن بإمكانهم امتلاك الأرض، أو الخدمة في الجيش، فقد تاجروا بالمال، وهو المجال الذي لا يمكن للمسيحي الانخراط فيه، لأنّه مجال مدنّس بحسب العقيدة المسيحية (والإسلامية أيضاً). ولذلك، يذهب إلى أن المسيحيين هم الذين صنعوا اليهودي من خلال نبذه وإجباره على اختيار وظيفة نجح فيها منذ ذلك الحين. ويحمّل المجتمع مسؤولية جعل اليهودي مشكلة، وإجباره على خيارات، ضمن هذه المشكلة، وهو يختار حتى وجوده من خلالها. ويمضي سارتر في تحميل المجتمع مسؤولية المشكلة اليهودية، لأن الاندماج في المجتمع هو جهد اجتماعي تماماً كما أن النبذ هو قرار اجتماعي، وعليه، وفي النتيجة، فإن اللعنة التي حلّت على اليهودي لعنة اجتماعية.
في نهاية المطاف، فإن سارتر يحمّل المجتمع مسؤولية ما أصاب اليهودي من مشاكل وإجباره على الاشتغال بالتجارة، وبدلاً من سؤال اليهودي عن هويته يجب أن يسأل المسيحي عمّا أحدثه من مشاكل لليهودي.
يذهب سارتر إلى أن معاداة السامية سمة البرجوازية، وهي سمة راسخة وموروثة جنباً إلى جنب المال والعقار. وهنا سارتر يفكر بعقل يهودي، لا فرنسي أو حتى إنساني، وينظر إلى اليهودي كقيمة عالمية ولكن كان ضحية جناية جماعية. ومع ذلك، فهو ينظر إلى معاداة السامية لا بكونها فكرة، بل كعاطفة جيّاشة وشغف، ويفترض دائماً أن ثمة من يتربّص باليهودي للنيل والكيد له، وأنّ أكثرهم اعتدالاً هو من يفصح عن مشاعره بهدوء إزاء اليهودي ولا يلعب دوراً عاماً وازناً.
يتوقف سارتر عند أزمة الهوية اليهودية، حيث يستعرض الخصائص التي يمكن أن تميّزها عن باقي الهويات، ربطاً بتميّز اليهودي عن باقي البشر، سواء بالعرق، أو الدين، أو القومية. ويزعم سارتر أن ثمة مجتمعاً دينياً وقومياً يسمى «إسرائيل» كان قائماً في الماضي البعيد، ويلمح في ذلك إلى فلسطين. ولكن تاريخ هذا المجتمع كان تاريخ انحلال على مدى خمسة عشر قرناً، حيث فقد سيادته مبكراً، ثم كان السبي البابلي والهيمنة الفارسية، وأخيراً الغزو الروماني. ويفترض سارتر أن فلسطين كانت وطن اليهود، ولكنّها بسبب لعنة الجغرافيا – إذ تقع على مفترق الطرق التجارية في العالم القديم – فإنها تعرّضت لسحق الإمبرطوريات الكبرى القديمة، الأمر الذي أفقدها القوة بشكل بطيء.

أدرك سارتر حقيقة أزمة هوية اليهودي، بين أن يكون عضواً في جماعة وطنية عابرة للأديان كأن يكون مواطناً في الأمة الفرنسية، وبين أن يكون يهودياً أي عضواً في جماعة دينية خاصة. ولحسم التناقض يدعو سارتر إلى التوفيق بين الانتماءَين وجعلهما متكاملين لكونهما مندكّين في الواقع اليهودي اليومي والمباشر. ومع ذلك، ذهب سارتر إلى أن اليهود في حال خُيّروا بين القدس وفرنسا، فستختار الغالبية العظمى من اليهود الفرنسيين البقاء في فرنسا، وأن عدداً صغيراً سوف يختار الذهاب إلى فلسطين. هذا لا يعني، بحسب رأيه، تخلي اليهود عن فلسطين، فهي سوف تمثل«نوعاً من القيمة المثالية، ورمزاً»، ويميل سارتر إلى منح المجتمع اليهودي الفرنسي وضعاً خاصاً.
زار سارتر مصر سنة 1967 وانتقل إلى فلسطين المحتلة وحصل على تكريم من جامعة أورشليم، وهناك تعرّف إلى مأساة الشعب الفلسطيني ونقل عنه: «أحس إحساساً عميقاً بمأساة اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في ظروف بائسة… إنني أعتبر أن حق الفلسطينين القومي في العودة إلى البلد الذي كانوا يعيشون فيه لا تجوز مناقشته إطلاقاً…». ولكن ثمة ما تبدّل في موقف سارتر، بعد حرب يونيو 1967، حين أعلن تضامنه مع الكيان الإسرائيلي، وأحدث صدمة وسط مناصري مدرسته الوجودية، بل إن رمزيته وسط الثوّار الجزائريين تحوّلت إلى لعنة، فبعد أن كان صديقاً للثوّار، أصبح منبوذاً وقام طلاب جزائريون بإحراق كتبه وتكرّرت الظاهرة في العراق أيضاً، وبعد أن كان يتحدّث سارتر عن عار فرنسا في الجزائر تحوّل هو نفسه إلى عار وسط الجزائريين.
إنّ الصدمة التي أحدثها سارتر لرفاقه في النضال، وخصوصاً بعد توقيعه على بيان تأييد للكيان الإسرائيلي، دفعت جوزي فانون، أرملة المناضل فرانز فانون (التي وصفت توقيعه بأنه عمل خائن، كما فضحت الشخصية الحقيقية لليسار الفرنسي بأسره)، وفي مقالة افتتاحية غاضبة في صحيفة «المجاهد» الجزائرية الناطقة بالفرنسية (وكانت تغطي أخبار الثورة الجزائرية وتنطق بقضية جبهة التحرير الوطني) إلى إدانة، وبشدة، موقف اليساري الفرنسي العنصري المعادي للعرب. وكتبَت أن سارتر تحوّل من معسكر فانون إلى «المعسكر الآخر، معسكر القتلة، المعسكر الذي يقتل في فييتنام، والشرق الأوسط، وأفريقيا، وأميركا اللاتينية». بل طلبت جوزي فانون من دار النشر التقدمية – ماسبيرو، إزالة مقدّمة سارتر الشهيرة لكتاب فانون «معذبو الأرض»، وامتثل مدير الدار فرانسوا ماسبيرو، المناهض للاستعمار، لطلبها في الطبعة التالية التي ظهرت من دون مقدّمة سارتر.
في الواقع، إن الغطاء الثوري الذي غمر فترة من حياة سارتر كان بمنزلة الغمامة التي سترت كثيراً من الحقائق والأسرار، وفي طليعتها تأييده للحركة الصهيونية وإنشاء دولة يهودية في فلسطين. فقد شارك في عامي 1947 و1948 مع المثقفين الفرنسيين من اليمين واليسار في تأييد إنشاء دولة يهودية في فلسطين، وأنّ من شأنها أن «تعطي الشرعية لآمال ونضالات اليهود في جميع أنحاء العالم». وعليه، فإن تأييد الكيان الإسرائيلي لم يكن طارئاً في سيرة سارتر، بل يعود إلى بدايات تشكّله، وقد كتب رسالة في 25 شباط 1948 إلى «الرابطة الفرنسية من أجل فلسطين حرّة»، تشتمل على اتهام للحكومة البريطانية بتسليح حرب فلسطين وتشجيعها على قتل اليهود لتبرير بقاء بريطانيا في فلسطين. وقد انضم سارتر مع سيمون دي بوفوار إلى الرابطة التي أنشأها نشطاء الإرغون عام 1947 وضمّت كبار المشاهير في ذلك الوقت، مثل كلوديل وفيركور ورموند آرون وإيمانويل مونييه، ولويس جوفيه وإدغار فور. وقدّم شهادة لمصلحة أحد طلابه المتهم بحيازة متفجرات نيابة عن مجموعة شتيرن، حيث أعلن: «أنا أعتبر أن واجب غير اليهود هو مساعدة اليهود، والقضية الفلسطينية» (أي قضية يهود فلسطين).
بدا سارتر مخادعاً بحياديته في قضية فلسطين، وبقي حتى حرب 1967 مراوغاً ويتفادى الإفصاح عن موقفه الداعم للصهيونية خشية خسارة جمهوره العربي. حتى إنّه رفض التصريح عن موقفه من الصهيونية لصحيفة إخبارية عربية خشية الإضرار بموقفه الحيادي المخاتل، وطلب من أحد رفاقه، وهو فلابان أن يكتب إلى صحيفة «لوموند» أن «سارتر لم يعبّر عن رأيه حول الصهيونية التي يراها شأناً داخلياً للشعب اليهودي»، وتبرير سارتر كان أنّ مثل هذه الخطوة من شأنها أن تبقي العرب منخرطين في حركته.
صمته عن إفصاح موقفه من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي طوال الخمسينيات وحتى الستينيات إلى وقت اندلاع حرب يونيو 1967، كان محمولاً على اصطفافه إلى جانب الثوار الجزائريين ضد الاستعمار الفرنسي، الذي وهبه شعبية ومقروئية عالية، وصارت كتبه واسعة الانتشار في العواصم العربية وتُرجمت أعماله وأصبحت متداولة وسط المثقفين العرب.
كان على سارتر أن يختار بين وعيه السياسي والأكاديمي وعاطفته الإثنو-دينية، وبدا حيادياً في البداية، فجمع بين موقفين متناقضين: إدانة الأوضاع المعيشية المزرية التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون وفي الوقت نفسه تأييد إقامة دولة يهودية ذات سيادة. وهكذا، حين يكون في لحظة ما حاسمة كان على سارتر أن يختار فاختار عاطفته التي أطاحت التزامه الأخلاقي وقناعاته السياسية السابقة.
كتب المؤرّخ الفرنسي يوآف دي كابوا في كتابه «لا مخرج»، الصادر سنة 1970، عن زيارة سارتر للمنطقة سنة 1965، فكانت زيارة فاصلة في تحديد خياراته السياسية، وفيها تعرّف عن قرب إلى طبيعة الصراع الدائر في فلسطين المحتلة. وقبل أن يفصح عن رأيه بعد جولته الشرق أوسطية، كان يتطلع لأن يحصل على رأي طرفَي الصراع وأن يفرد مساحة وازنة له في مجلته «الأزمنة الحديثة» (Les Temps modernes) ولكنّ الطرفين امتنعا عن تلبية طلب سارتر، وقد تكون خدعة حيادية سارتر هي السبب في ذلك. ولكن بعد عامين قرّر سارتر، وبرفقة زميليه بوفوار ولانتسمان، زيارة القاهرة، وكان على سارتر أن يختار بين عالميته وموقفه السياسي المضمر، فكان اختباراً أخلاقياً فاصلاً، وفي قضية لا تحتمل المراوغة والحياد، ولن ينجو هذه المرة كما فعل في الزيارة السابقة، وهنا يكون سارتر أمام معتقده الفلسفي ونضاله السياسي السابق، وأنّ الغبش الذي رافق الزيارة الأولى قد زال في زيارته الثانية، إذ مكّنته من مشاهدة الحقائق على الأرض وبالعين المجرّدة. لا يبدو أن سارتر خرج من الامتحان منتصراً، فقد تخلى عن شعاراته في مقاومة الاحتلال والاستعمار وبدت صورة اليهودي المضطهد في الغرب غالبة وحاكمة على صورته كمحتل لأرض ومتورّط بارتكاب جرائم تطهير عرقي وإبادة جماعية، وكان عليه أن ينحاز إلى رواية ما.
وحقيقة الأمر، أن سارتر، كما هي قناعة كثير من قرّائه العرب، كان منذ البداية داعماً للحركة الصهيونية ولمشروع الدولة الإسرائيلية، وهذا ما نقله المفكر الفلسطيني إدوار سعيد عن دراسة الفيلسوف الفرنسي الصهيوني برنارد ليفي الذي كتب عن سارتر ما نصّه: «سجلّ سارتر في ما يتعلق بإسرائيل كان مثالياً: لم ينحرف أبداً وبقي داعماً كاملاً للدولة اليهودية». ونقرأ في كتاب ليفي عن سيرة سارتر ما نصّه: «لم يضعف أبداً في دعمه المبدئي للدولة التي ظهرت إلى الوجود في السنوات التي تلت المحرقة». ذهب سارتر في دعمه غير المشروط للكيان الإسرائيلي، بحسب تعبير ليفي، إلى حد الدفاع عنه في المحافل الدولية، ووقّع في عام 1974 مع آرون ويونسكو وآخرين احتجاجاً ساخطاً ضد مواقف «اليونسكو» المناهضة للصهيونية! وأخرى، في العام التالي، مع فرانسوا ميتران، وبيير مينديز فرانس، وأندريه مالرو، ضد قرار الأمم المتحدة بتصنيف الصهيونية كحركة عنصرية. وذهب سارتر بعد عامين إلى السفارة الإسرائيلية في باريس لتلقي واحدٍ من الأوسمة القليلة جداً التي قبلها على الإطلاق، والذي مُنح له على وجه التحديد بسبب صداقته لإسرائيل وكفاحه المستمر ضد معاداة السامية. كما شارك مع آخرين في التوقيع على عريضة نُشرت في صحيفة «لوموند» الفرنسية في تأييد الصهيونية.
تنبّه سارتر، وإن متأخراً، إلى أن انحيازه التام إلى الكيان الصهيوني مكلف جداً، وسوف يدفع ثمنه من مصداقيته وشعبيته، وقرّر إعادة ضبط مواقفه، والانتصار للحرية، نسبياً على الأقل، ولذلك لم يعارض نضال الفلسطينيين بالمطلق، ولكنه في عملية ميونيخ في عام 1972، استنكر قتل الرياضيين الإسرائيليين ولم يعارض أصل العملية. كما أدان استخدام إسرائيل قنابل النابالم المحرّمة دولياً واصفاً إيّاها بـ«العمل الإجرامي»، بل ووصف الجنرال موشيه ديان بمجرم حرب لاستخدامه هذه القنابل. ومع ذلك، لم يقطع سارتر صلاته بالكيان الصهيوني، وفي عام 1976، وبعد أن رفض جائزة نوبل للسلام، قبل شهادة الدكتوراه الفخرية في الفلسفة من الجامعة العبرية في القدس. ويفسّر إيلي بن غال، طالب سارتر السابق ومرشده السياحي في إسرائيل، ذلك بالقول: «لقد كان سارتر مؤيّداً جداً لإسرائيل وأيضاً مؤيداً جداً للفلسطينيين». هذا التناقض يلخّص سيرة سارتر السياسية والتي عكست نفسها على أيديولوجيته الوجودية.

* كاتب من الجزيرة العربية

:::::

“الأخبار”، 29 آذار 2024

_______

تابعونا على:

  • على موقعنا:
  • توتير:
  • فيس بوك:

https://www.facebook.com/kanaanonline

  • ملاحظة من “كنعان”:

“كنعان” غير مسؤولة عن الآراء الواردة في المقالات، بل هي تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.

ومن أجل تنوير الناس، وكي يقرر القارئ بنفسه رأيه في الأحداث، ونساهم في بناء وعيً شعبي وجمعي، نحرص على اطلاع القراء على وجهات النظر المختلفة حيال التطورات في العالم. ومن هنا، نحرص على نشر المواد حتى تلك التي تأتي من معسكر الأعداء والثورة المضادة، بما فيها العدو الصهيوني والإمبريالي، وتلك المترجمة من اللغات الأجنبية، دون أن يعبر ذلك بالضرورة عن رأي أو موقف “كنعان”.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى نشرة “كنعان” الإلكترونية.
  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان نشرة “كنعان” الإلكترونية: mail@kanaanonline.org